الفصل العشرون
:- مع من كنت تكلمين ؟؟
انتفضت نوار وهي تلتفت نحو آدم ... شعره ما يزال مبتلا .. التصقت أطرافه بجبينه ونهاية عنقه ... يحيط عنقه بمنشفة صغيرة ... ويرتدي إحدى مناماته القديمة والمستهلكة .. وجهه جامد .. وكأنه منحوت من الصخر ... عيناه الرماديتان .. كانتا خاليتين من التعبير وهو ينظر إليها وكأنه ...... وكأنه لا يعرفها ..
رغما عنها .. أحست بالدماء تنسحب من وجهها وهي تقول تلقائيا .. دون أن تفكر حتى بالكذب :- إنه وليد ..
:- وليد ...
قالها بدون أي تعبير .. وكأن الاسم لا يعني له شيئا ... فقالت موضحة :- صديقك وليد ... ما الأمر يا آدم .. أما عدت تذكر أصدقائك الآن ... وليد كان قلقا للغاية منذ عرفنا بأمر اعتقالك .. وكان علي أن أطمئنه عليك .. لقد أراد أن يأتي على الفور لرؤيتك .. إلا أنني أخبرته بأنك ما تزال متعبا .. أنا حتى لم أخبر عائلتي بعودتك .. إذ أنهم أيضا سيرغبون بالمجيء والاطمئنان عليك ...
شحب وجهه .. وتوترت ملامحه وهو يهتف فجأة هادرا :- لا ... أنا لا أريد أن أرى أحدا ..
عندما ارتدت إلى الوراء خطوة وقد أجفلتها حدته ... هز رأسه وهو يغمض عينيه بقوة ... مبتلعا ريقه .. قال بصوت أكثر تماسكا :- ليس الآن على الأقل .. أنا لست جاهزا بعد .. أرغب بأن ... بأن أستقر قليلا ..
استرخت عضلات جسدها التي كانت متشنجة تماما .. وقالت بارتياح :- لا بأس ... أنت تمتلك كل الحق بالراحة بعد ... بعد عودتك من السفر ... لقد أعددت لك غداءً سريعا .. ما رأيك بأن نأكل شيئا ..
تراجع إلى الوراء وهو يقول دون أن ينظر إليها :- لا ... لست جائعا .. أظنني سأنام قليلا ..
بدون أي كلمة تركها واقفة عند باب المطبخ المفتوح ... ذاهلة .. حائرة .. ضائعة .. وخائفة بشدة .. وغاب في غرفة النوم:- كيف حالك يا أمان ؟؟
انتفضت أمان وهي تلتفت نحو صاحب الصوت المألوفة .. للحظة واحدة فقط .. ظلت تحدق فيه مذهولة .. غير مصدقة .. تأبى أن تستوعب وجوده أمامها .. للحظة واحدة فقط ... قبل أن يمنحها ابتسامته الدافئة المألوفة .. تلك التي جعلت الدموع تتفجر من مقلتيها وقد عادت فجأة طفلة في الثانية عشرة ... تكتشف لتوها أنها تمتلك أخا في مكان ما .. وتسعى للقاءه .. فتجده ما أرادت واحتاجت وأكثر ...
:- عصام ..
هتفت باسمه وهي ترمي نفسها بين ذراعيه بدون تحفظ .. ضامة نفسها إليه بقوة .. فلم تستوعب آهته التي هربت من بين شفتيه إلا متأخرة .. عندما أحست بتوتر جسده وهو يتلقاها بين أحضانه ضاحكا بخشونة .. بتلك الطريقة التي كانت معها تعرف بأنه كان يغالب مشاعره ...ابتعدت عنه بسرعة عندما أدركت بأنه يتألم .. ونظرت مذعورة إلى ذراعه المضمدة .. والعصا التي كان يرتكز عليها في وقفته .. فهتفت على الفور بهلع :- رباه ... عصام ... ما الذي حدث لك ؟؟ هل ... هل تعرضت لحادث ؟؟
اتسعت عيناها وهي تنظر إلى وجهه الوسيم الشاحب .. إلى الهالات المحيطة بعينيه .. والإرهاق البادي عليه وهتفت :- يا إلهي ... لهذا كنت أتصل بك لأشهر دون أن تجيب على اتصالاتي .. لهذا كان أبي يمنعني من الاتصال بك .. لم يرغب بأن أعرف .. كيف استطاع ... كيف أبعدني عنك في مصابك ؟؟ .. كيف ؟؟
أمسك عصام على الفور بكتف أمان وهو يهزها برفق قائلا :- توقفي يا أمان .. أنا بخير الآن .. انظري إلي .. ما من حاجة للهلع على شيء حدث وانتهى ..
هزت رأسها وهي تقول :- كان علي أن أكون معك .. لن أسامحه أبدا .. أبدا ..
ثم حدقت به مصدومة وهي تقول بارتياع :- ما الذي حدث .. هل حاول أحدهم إيذاءك ... هل تعرض لك أحـ ...
قاطعها وهو يقول بصبر :- لا يا أمان .... لم يحاول أحد أذيتي .. إنه حادث سير تعرضت له أثناء شرودي عن الطريق ... إياك أن تبدأي بلوم نفسك ..
ثم نظر حوله قائلا :- تعالي لنجلس قليلا ... أنا أقف في انتظارك منذ فترة وقد بدأ ارتكازي على هذه العصا يرهقني ..
لم تفكر على الإطلاق قبل أن تسير معه مسندة إياه .. متألمة وهي تراه يتشنج مع كل خطوة كان يسير بها حتى وصلا إلى أحد المقاعد الخشبية العريضة المتراصة على طول الشاطيء .. جلسا جنبا إلى جنب .. ما تزال يداها متشبثتين به وكأنها تخشى أن يختفي من أمامها فجأة كما ظهر فجأة ... رفعت رأسها إليه وهي تقول بلهفة :- أن لا أصدق انك هنا أخيرا ... هل أرسلك أبي ؟؟؟
هز عصام رأسه وهو يقول ناظرا إليها بتمعن :- لا يا أمان ... لم يكن والدك من أرسلني ...
كما في كل مرة يشير عصام إلى والدهما كوالدها فقط ... انكمشت أمان وهي تقول باضطراب :- كيف عرفت مكاني إذن .. ظننت بأنه مصر على إخفاء مكان وجودي حتى عنك ..
:- وما يزال على الأرجح مصرا على إخفاءه ... مضيفك هو من اتصل بي بالأمس ... ورتب زيارتي هذه .. لقد أصر على أنك لن تهدئي أو تسكني حتى تريني وتطمئني إلى أني بخير ..
رمشت بعينيها مرددة :- مضيفي ؟؟
قال بهدوء :- نعم ... مضيفك ... لم يسبق أن قابلته .. إلا أن سمعته تسبقه .. ليس هناك من يجهل من يكون فراس الحولي .. لقد بدا لي من حديثي إليه بالأمس ... وهذا الصباح وهو يرتب معي لقائي بك بأنه يأخذ مهمة الاعتناء بك والتي كلفها به والدك محمل الجد ...
عاجزة عن استيعاب الحقيقة التي كان عصام يلقيها في وجهها ... التفتت أمان نحو المكان الذي كان فراس واقفا فيه منذ دقائق يراقبها منه .. لتجده خاليا تماما ... لقد رحل فراس ...
أنت تقرأ
رسائل من سراب(الجزء السادس من سلسلة للعشق فصول)مكتملة
Romanceرواية بقلم المبدعة blue me الجزء السادس من سلسلة للعشق فصول حقوق الملكية محفوظة للكاتبة blue me