الفصل الثاني والثلاثون
لم تعرف ملاك السبب الذي دفعها للحاق بجميل عبر الدرج صعودا نحو السطح ... إذ كانت تغامر بفعلتها بما يزيد عن سمعتها لو أن أحدا قد رآهما معا ... لا شيء في تورطها معه في الواقع يمكن أن يعود عليها بالخير ..
إلا أنها كانت منذ إخبار عمة نائل لها باختفائه في حالة غير طبيعية من الاضطراب والتوتر.. لقد كانت في حاجة إلى إلهاء مناسب ... إلهاء يذهب عقلها عن التفكير في نائل .. ورامي .. وجدتها المريضة .. ووالدتها التي تعاني ..
كل ما تريده هو أن تقضي لحظة واحدة فقط بدون أن تشغل عقلها وقلبها بشيء ..
وهل هناك إلهاء أكثر تأثيرا من جارها الوسيم والغامض ؟؟؟
فتح الباب المعدني الكبير المؤدي إلى السطح .. ثم التفت إليها ليجدها في حالة من التردد جعلته يتنهد وهو يقول :- أنت تعرفين اسمي ومكان إقامتي ... سيكون من السهل عليك التبليغ ضدي لو أنني أهنتك بأي طريقة .. وبما أن سمعتي تسبقني .. لن تجد الشرطة سببا واحدا كي لا تصدقك .. وأنا سبق وأخبرتك بأنني قد تركت تلك الحياة ورائي ..
عبست قائلة :- أنا لست خائفة منك ..
هز كتفيه دون أن يعلق .. ثم دفع الباب متجاوزا إياه ... فلم تملك إلا أن تلحق به ...
فور أن خطت وراءه ... وأحست بأشعة الشمس التي برزت على غير عادتها من بين الغيوم تدفيء بشرتها .. وبالهواء البارد ينعش روحها .. أخذت نفسا عميقا وهي تنظر إلى المكان الواسع .. لم يكن حتى نظيفا أو معدا لخروج السكان إليه ... إلا أن اتساعه جعله يبث انشراحا داخل صدرها .. خاصة عندما اقتربت من الحافة لتتمكن من النظر إلى المدينة كلها من علو ... قالت بدون تفكير :- هل تصعد إلى هنا كثيرا ؟؟
أتاها صوته من ورائها :- كنت أفعل مراهقا في كل مرة كنت آتي فيها لزيارة عمي ... كنت أصعد إلى هنا برفقة صديقي عزيز ...
التفتت إليه لتجد ابتسامة فضحت إلى أي حد كان يجد تلك الذكرى سعيدة وقال :- كنت أصعد وحدي أحيانا عندما أشعر بالاختناق .. عندما رأيتك قبل لحظات .. ورأيت آثار الدموع العالقة برموشك .. أدركت بأنك بحاجة ماسة لأن تشعري بتفوقك على العالم على طريقة ليوناردو ديكابريو ... إنما من على حافة مبنى متهالك .. لا سفينة ضخمة غارقة كالتيتانك ..
هل أدرك أنها كانت تبكي ... رباه ... هل يمكن لها أن تكون أكثر إحراجا لنفسها ؟؟؟ تمتمت محاولة إلهاءه عن الأمر :- لم أحسبك رومانسيا إلى حد مشاهدتك للتيتانيك ..
أدار عينيه بسأم وهو يقول :- لدي شقيقة تصغرني بأعوام قليلة .. لأشهر وأشهر .. ترددت أغنية سيلين ديون الشهيرة والخاصة بالفلم في أنحاء المنزل إلى حد السأم ..
ثم أحنى رأسه وهو يقول :- حسنا ... هل ستخبريني بسبب بكاءك ؟؟
:- إن أخبرتني بسبب غيابك لأيام عن بيتك ...
هل نطقت بهذه العبارة حقا ... رباه ... ملاك ... إلى أي حد أنت بائسة ...
فاجأها بأن ضحك وهو يقول :- هل سنعود إلى هذه اللعبة من جديد ؟؟؟ في المرة الماضية لم تكن نتائجها جيدة ..
ليس من وجهة نظرها هي ... فقد عرفت الكثير عنه خلال حوارهما في مقهى الفندق .. وهي كانت مستعدة لفعل المزيد لأجل معرفة المزيد عنه ..
لقد كان الأمر مخيفا بالنسبة إليها . ومثيرا في الآن ذاته ... لقد كان بالنسبة إليها كالكحول للمدمن .. كلما نال شيئا منها طالب بالمزيد ... إنه إدمان كانت تعرف بأنها تقع فيه لا محالة ... دون أن تجد أي وسيلة تمنعها من الوقوع ...
تمتمت :- أنا مستعدة للمخاطرة إن كنت أنت مستعدا ..
صمت للحظات ... ثم سألها من جديد بهدوء :- لماذا كنت تبكين ؟؟
أشاحت بوجهها قائلة بصوت مكتوم :- ماذا تظن ؟؟ الأمر يتعلق بولدي رامي بالطبع ..
:- ما الذي حدث ؟؟ هل من أخبار جديدة ؟؟؟
:- هذه هي المشكلة ... عدم وجود أخبار ... لقد عرفت من عمة زوجي السابق أن أخباره منقطعة منذ فترة.. ما من معلومات ... أي معلومات عنه أو عن رامي ..
صمت وهو يفكر بكلماتها ثم قال :- ما هي النظريات المحتملة ؟؟
قالت بمرارة :- ما من نظريات ... بل وقائع اكتشفت أن أخي كان يعرفها دون أن يتعب نفسه بإخباري عنها .. نائل غادر البلاد منذ فترة طويلة برفقة رامي ... سافر به بطريقة غير شرعية إلى أوروبا .. أنا أدور حول نفسي في حلقات مفرغة .. أبحث عنهما كل يوم تقريبا في أي مكان أشك بذهاب نائل إليه .. لأعرف بأن بحثي هذا كله كان لأجل لا شيء .. نائل لم يكن داخل البلاد حتى ..
تمتمت بخفوت :- انا آسف ..
كانت دموعها تتدفق من عينيها مجددا فرفعت يدها تمسحها بعناد وهي تقول :- لا بأس ... أخي فراس لن يتركه ينجو بجلده ... لديه الكثير من الاتصالات خارج البلاد ... سرعان ما سيجده .. وسيعيد إلي رامي بأي طريقة كانت ..
أومأ برأسه قائلا :- من الجيد أنك لم تأخذي إخفاءه الحقائق عنك ضده ..
:- لماذا أفعل ... أنا أعرف بأن نوايا فراس جيدة ... هو يحميني لا أكثر ... إذ يعرف بأنني على الأرجح سأفقد عقلي من القلق ... هذا هو فراس ... يأخذ مهمة حماية جميع من حوله والاعتناء بهم محمل الجد ...
ثم صمتت للحظة .. قبل أن تلتفت إليه قائلة :- لماذا كنت غائبا طوال الأيام السابقة ؟؟
قال ساخرا :- لم أعرف أنني كنت واقعا تحت المراقبة المشددة ...
:- لا تطري نفسك كثيرا ... أجد سهولة في ركن سيارتي أمام المبنى في الآونة الأخيرة مما جعلني ألاحظ عدم وجود سيارتك لأيام ..
توتر فمه ... وقد بدا وكأنه لا ينوي الإجابة عن سؤالها ... إلا أنه فعل في النهاية صادما إياها عندما قال :- لقد كنت أمضيت الليل خلال الأيام السابقة في منزل شقيقتي في محاولة مني لتحاشي لقائك ... أنا كنت أتهرب منك طوال الفترة السابقة ......
أنت تقرأ
رسائل من سراب(الجزء السادس من سلسلة للعشق فصول)مكتملة
Romanceرواية بقلم المبدعة blue me الجزء السادس من سلسلة للعشق فصول حقوق الملكية محفوظة للكاتبة blue me