الفصل الرابع والثلاثون
كانت الساعة قد تجاوزت التاسعة بقليل عندما دس خلدون المفتاح الإضافي الذي أعطته إيه جيرين في قفل الباب ودخل إلى شقتها ...
منذ طرد فراس الحولي له من عمله في مزرعة كورتومولوش ... يحرص خلدون على أن يصل إلى حدود المزرعة مع بزوغ فجر كل يوم ... فيظل هناك .. واقفا في الظل بعيدا عن الأعين .. رغم البرد الشديد ... يأكل من الأطعمة التي يعدها لنفسه ليلا قبل أن ينام كي يأخذها معه .. يحتمي بمعطفه الجلدي وشاله الصوفي الثقيل لا أكثر ... يراقب ... بعينين لا تتعبان .. كل ما يحدث في محيط المكان ... فلا يعود أدراجه حتى يحل الليل .. عارفا أن أمان ... بكل شجاعتها وعنادها وتهورها .. ما كانت لتغامر بالتسلل عبر حدود المزرعة ليلا
... يعرف خلدون بأن ما يفعله عقيم ... هو حتى لم يتمكن من اللحاق بفراس الحولي وأمان عندما خرجا قبل أيام ولم يعودا إلا في وقت متأخر ... وكيف يفعل بدون وسيلة مواصلات تساعده ..
خلدون عاجز تماما عن فعل اي شيء حقيقي في سبيل حماية أمان ... إلا أنه لا يستطيع وببساطة أن يتخلى عنها .. ليس الآن .. خاصة وهو يشعر في قلبه بأنها تحتاج إليه ... بأنها ليست سعيدة داخل أسوار ذلك المكان .. أنها خائفة .. ووحيدة .. خاصة وأنها قد خسرته هي أيضا .. فظلت هناك تحت رحمة فراس الحولي دون وجود من تلجأ إليه
زفر بقوة وهو يفكر بأن فيردي كورتومولوش يبدو شخصا محترما وعادلا ... وقد كان خلال الأشهر السابقة صديقا قديرا لأمان ... على الأقل هو سيكون موجودا لأجلها هناك .. حتى وخلدون عاجز عن أن يكون إلى جانبها ...
.. خلع معطفه الجلدي ... ووضعه برفقه شاله فوق أحد المقاعد التي كانت تستفزه بلونها الكريمي الفاتح ... والذي كان يخيفه دائما من أن يلوثه حتى بطبعات أصابعه .. وقبل أن يخطو إلى داخل الشقة ... أدرك أنه لم يكن وحيدا فيها ...
توتره وتشنجه الجسدي لم يستمرا طويلا ... إذ سرعان ما لمحها .. جيرين ... خارجة من باب غرفة نومها التي لم يطأها خلدون أبدا خلال وجوده هنا .. كما لم يرها قط ...
لقد كانت في حالة يرثى لها ... شعرها المصفف بعناية عادة كان مشعثا .. وفوضويا .. وجهها الجميل كانت منتفخا وقد بدت عليه أثار البكاء ... لقد كانت منهارة وهي تقول بمرارة :- أهذا ما أناله .. عندما أترك شقتي لشخص ما .. أن أعود حين أحتاج لأن أتحدث إلى أحد ما فلا أجده هناك ..
توتر ... وهو يقول بجفاف :- لم أعرف حين دعوتني للبقاء هنا بأنك كنت تنتظرين مني مقابلا ..
هتفت بتعاسة :- هل تسمي شيئا من الصحبة مقابلا ..
تنهد وهو يضع الحقيبة التي كان يأخذها معه كل يوم جانبا ... ويسير إلى الداخل قائلا :- أنا آسف .. لم أقصد أن أكون فظا ... هل أنت بخير ؟؟
أشارت إلى نفسها بسخرية مريرة وهي تقول :- هل أبدو لك بخير ... لعلمك ... ما يقولونه عن أن معظم أسباب بكاء النساء تعود إلى الهرمونات ... غير صحيح على الإطلاق ..
لفتت نظره الزجاجة التي اعتلت منضدة القهوة ... والقدح الزجاجي إلى جانبها .. فتعرف إلى زجاجة الكحول التي اكتشفها داخل إحدى خزائن المطبخ خلال وجوده هنا .. قال بهدوء :- أرى أنك كنت تشربين ..
هزت كتفيها ... ثم اقتربت لتجلس فوق الأريكة .. وتمد يديها نحو الزجاجة تملأ القدح من جديد وهي تقول :- اخدم نفسك بنفسك ... أنت تعرف الآن أين تجد الأقداح ..
قال بجمود :- أنا لا أحتسي الكحول ..
أطلقت ضحكة عالية بدت غير متزنة وهي تقول :- آه ... طبعا ... الحارس الشخصي الأمين .. يجب ألا يفعل أي شيء يلهيه عن القيام بعمله .. بالمناسبة .. كيف هي اعمال المراقبة والتجسس في الأيام الأخيرة ..
تشنج جسده الضخم وهو يقول ببرود :- كيف عرفت ؟؟
:- بأنك تذهب يوميا إلى مزرعة كورتومولوش فتلف حول جدرانها كالكلب الوفي حين يبحث عن آثار رائحة سيدته .. ؟
احتقن وجهه وهو يقول :- هل كنت تراقبينني ؟؟
هزت كتفيها وهي تقول :- لا تطري نفسك كثيرا .... لا يتطلب الأمر الكثير من التفكير والتخمين كي أعرف بأن السبب وراء رفضك العودة إلى بلادك وقد بت الآن بدون وظيفة هو إصرارك على أن تستمر في مراقبة أميرتك الصغيرة ظنا منك أنها في حاجة إليك ... هذا ما نفعله عادة ... نحن اليائسون .. الواقعون في حب مستحيل من طرف واحد .. الركض وراء سراب لا وجود له ..
أنت تقرأ
رسائل من سراب(الجزء السادس من سلسلة للعشق فصول)مكتملة
Romanceرواية بقلم المبدعة blue me الجزء السادس من سلسلة للعشق فصول حقوق الملكية محفوظة للكاتبة blue me