الفصل السادس عشر
:- أنت قصر أبنيه الآن بكل ما أملكه من حجارة .. وأخشى ... أخشى أن أدرك مع الوقت بأنني كنت أبني طوال الوقت قصرا من سراب .. سرعان ما سيذوي .. فيذوب تحت موجات الحياة فينهار كغيره تماما ...
أوقفت ملاك سيارتها أمام المبنى الذي تقيم فيه وترجلت منها وهي تحاول السيطرة على قلقها بعد الاتصال الهاتفي الذي تلقته من فراس أُثناء وجودها في العمل قبل ساعتين ...
لقد ظنته يتصل ليخبرها بجديد حول رامي .. عن معرفته بمكان اختفاء نائل أخيرا بولدها إلا أنه أراد أن يخبرها عن جدتهما ..
الجدة هوليا مريضة ... وحالها يزداد سوءا ... ووالدتها لا تعرف بعد .. ولو عرفت لأصرت على الذهاب لرؤيتها في التو واللحظة .. في حين أن عمليتها مقررة خلال أسابيع قليلة ..
ولو أن الجدة هوليا عرفت بالحادث الذي تعرضت له والدتها لقضت في التو واللحظة ..
كيف لهم أن يجدو حلا لمعضلة كهذه ؟؟؟
أخذت تقفز الدرج بسرعة في شوق لحمام ساخن طويل تليه قيلولة طويلة تتمكن بعدها من الخروج لمتابعة بحثها عن نائل ... اليوم ستفاجيء ابن عمه المباشر بزيارة ... لطالما كانا صديقين حميمين .. ولابد وأنه يعرف شيئا عن مكان نائل ..
توقفت فجأة عندما وجدت نفسها مباشرة أمام جارها الجديد ... جميل صادق ..
شحب وجهها واتسعت عيناها .. بينما ضيق عينيه دون أن يظهر وجهه أي ردة فعل على رؤيته لها .. ولماذا يسعد لرؤيتها وقد كانت فظة ووقحة معه في لقائهما الأخير في حين كان هو ... حسنا .. فضوليا .. وفظا أيضا بعض الشيء .. إلا أنه كان لطيفا حقا معها .. هو حتى لم يجفل عندما رأى عينيها لأول مرة ..
قال باقتضاب :- مساء الخير ..
همهمت في رد غير واضح وهي تصعد الدرج كي تتجاوزه .. وإذ به ينزل في الآن ذاته وهو يفسح لها الطريق مجفلا إياها عندما تحركت تلقائيا في الاتجاه المعاكس ... تمتمت بارتباك وهي تتحاشى الاحتكاك به بصعوبة :- عفوا ..
أومأ برأسه وهو يسكن مكانه كي تتمكن من تجاوزه بسلام .. ثم تابع طريقه نزولا ...
عارفة بأنها ربما فرصتها الوحيدة لتقديم اعتذار عن تصرفها الفظ الأخير معه .. هتفت به موقفة إياه :- انتظر ..
توقف بالفعل ... واستدار وهو يرفع رأسه ناظرا إليها بدون تعبير ... فقالت بارتباك :- أنا ... لقد أردت الاعتذار منك عن فظاظتي معك في لقائنا الأخير .
صمت للحظات وكأنها يستوعب اعتذارها .. ثم قال بهدوء :- لست مضطرة للاعتذار ... أنا لم أكن غاضبا ..
قالت بسرعة :- من حقك أن تغضب ... إذ كنت أنت لطيفا معي في حين قابلت لطفك بالجحود ..
تلاعبت ابتسامة متسلية بشفتيه وهو يقول :- أتعنين حين وصفتني بعديم الاحساس .. وبأنني ألقي المواعظ من حيث أجلس بعيدا عن مشاكل الحياة الحقيقية ؟؟ أم حين رميت المال في وجهي ثمنا للفطائر ؟؟
احمر وجهها وهي تشيح بعينيها بعيدا بحرج قائلة :- أنا .. أنا آسفة ... على كل شيء .. أنت طرقت موضوعا حساسا .. وأنا .. أنا لم أعرف بأنك أنت أيضا تعاني من بعد ولديك ..
أحست جسده يتصلب وهو ينظر إليها بحدة قائلا :- كيف عرفت ؟؟
هزت كتفيها وهي تقول :- الجيران يتكلمون ... ألم تقل هذا بنفسك ذلك اليوم ؟؟ من المستحيل أن يبقى سرا واحدا طي الكتمان في مكان كهذا ..
هز رأسه موافقا وهو يقول :- هذا صحيح .. إلا أنك أبدا لا تحصلين على الحقيقة كاملة من خلال ثرثرة الآخرين ... فلا أنا عرفت سبب تواجد ابنك الوحيد مع أبيه رغم وضوح الألم الذي تعانينه لبعده عنك .. ولا أنت عرفت بأن أولادي برفقة والدتهم .. بناءً على رغبتي أنا ..
حدقت فيه مجفلة وهي تقول :- أتخليت عن أطفالك بهذه السهولة ؟؟
ابتسم بتهكم وهو يقول :- من تراه يحكم على الآخر بتسرع الآن ؟؟
عاد وجهها يحمر مما جعله يحدق بها للحظات قائلا :- عندما تتوردين هكذا .... لا أستطيع أن أصدق أنك امرأة متزوجة .. ومطلقة .. وأم لطفل صغير ..
احتل الشحوب مكان الاحمرار وهي تعود لتبعد عينيها عنه ... ومشاعر جمة تضمن الكثير من الرهبة .. الكثير من الاضطراب .. الكثير من الجزع ... للاهتمام الذي لمسته في صوته .. قال بلطف مفاجئا إياها :- كما سبق وأخبرتك من قبل ... لقد رأيت عينيك بالفعل ... وأنت لست مضطرة لإبعادهما عني ..
قالت باضطراب وهي تصعد الدرج مبتعدة عنه بحذر :- آه ... أممم ... بالإذن .. لن أعطلك عن مشوارك ..
قال برقة وهو يراقبها :- أراك لاحقا .... يا ملاك ..
عندما وصلت إلى شقتها .. وتمكنت من فتح الباب بمعجزة والاحتماء وراءه .. أدركت ملاك بانها كانت ترتجف .. وأن قلبها كان يخفق كما لم يفعل منذ سنوات .... سنوات طويلة جدا
أنت تقرأ
رسائل من سراب(الجزء السادس من سلسلة للعشق فصول)مكتملة
Romanceرواية بقلم المبدعة blue me الجزء السادس من سلسلة للعشق فصول حقوق الملكية محفوظة للكاتبة blue me