الفصل الثامن عشر

4.2K 117 1
                                    

الفصل الثامن عشر





:- ... أنت مختلف ... أنت لا تشبهه .. أنت صادق .. أنت وفي .. أنت شخص صريح وواضح ... أنت ما كنت أبدا لتكذب علي أو تخدعني .. ما كنت لتقيد يدي وراء ظهري فقط لأن هذا ما يتوجب عليك فعله ...





لم يكن من عادة عزيز ارتداء ساعة حول معصمه ... إلا أنه خمن وحده بأن الوقت قد تجاوز منتصف الليل بكثير ...
هو هنا برفقة هزار منذ ما يزيد عن الثماني ساعات تقريبا ... دون أي أمل قريب في أن يخمن أحدهم مكانهما .. لقد كان مرهقا ... بردانا .. وجائعا للغاية .. بالإضافة إلى الآلام الطفيفة التي كانت منتشرة في أنحاء جسده .. أدار رأسه ... لينظر إلى شريكة سجنه ... التي كانت حتى الآن قوية وشجاعة بما يكفي كي لا تصدر أي تذمر أو ذعر .. لقد كانت هادئة .. متماسكة .. وكأنها لا تبالي حقا بما يحدث لها ...
منذ آخر شجار كلامي دار بينهما ... أدارت له ظهرها ... و تظاهرت بأنه غير موجود .. وهو تقبل تظاهرها هذا وعامله بمثله .. دون أن يتمكن من منع نفسه من النظر إليها بين الحين والآخر متفقدا إياها .. متأكدا من أنها بخير .. من أنها موجودة تحت بصره مما كان يربكه .. من أين أتاه هذا الإحساس بأنها قد تختفي فجأة ... وكيف لها أن تختفي أصلا في حبسهما هذا .. ؟؟
كانت نائمة الآن ... الأمر بحد ذاته .. كان مذهلا للغاية له أثناء مراقبته لحدوثه ... تذكر ما قالته له إيمان ذلك المساء عندما جاء للزيارة فوجد هزار نائمة فوق الأريكة ( هزار لا تنام أبدا ) ..
نعم ... هي لم تنم حقا ... لقد راقبها وهي تعود لتصغي بتركيز لصوت المطر ... شاردة .. وكأنها تفكر في أمر بعيد للغاية .. راقبها وجفناها يسقطان شيئا فشيئا حتى انحنى رأسها مستندا إلى الجدار في حالة بدت أشبه بالغيبوبة ...
هي لم تنم ... هي فقدت الوعي أمامه من فرط الإرهاق والتعب و .... قلة النوم ..
متى تراها كانت آخر مرة نامت فيها ؟؟؟
تأملها بشرود وهي تبدو صغيرة .. ضعيفة ... ناعمة في غيابها التام عن الوعي .. شفتاها الرقيقتان كانتا منفرجتين قليلا ...وجهها كان شاحبا .. إنما كان أنفها محمرا بفعل البرد ...
تنهد وهو يتململ في جلسته ... يتابع نظراته إليها غير مبال بحرمتها .. وهل بقيت حواجز بينهما بعد كل ما حدث .. لقد تشاجرا ... تعرضا للخطر معا .. حبسا معا هنا لساعات ... ثم تشاركا شيئا ... شيئا عميقا لم يستطع تفسيره ... عادا ليتشاجرا بعده من جديد ... لا ... ماعاد هناك من ضوابط تحكم علاقتهما ... وعزيز .. الذي كان قد اكتفى من التخبط حول ما هيتها ... لن ينتظر أكثر كي يفهمها أخيرا .. وكي يعرف كل ما تخفيه .. وما ترفض أن تخبره إياه حول ليان ...
(هل تظن أن أي أحد قادر على جر ليان التي عرفتها لفعل شيء لا تريده ؟؟ )
لا ... لا أحد إطلاقا كان قد قادرا على جر ليان وإرغامها على فعل ما لا تريده ... إلا أن عزيز كان متأكدا بأن هزار قد امتلكت تأثيرا قويا على ليان ... لابد وأن تكون كذلك .. وإلا ... ما سبب الاضطراب الذي يحسه كلما صادف إشاراتها المتضاربة ؟؟؟
ظاهرها ضعيف ... هش ... يوقظ بقوة غريزة الحماية لديه .. فيبث داخله رغبة قوية بسحبها إليه وحمايتها بجسده وروحه ... وباطنها بارد .. قاسي .. ذلك الجمود في عينيها .. تصرفاتها المحسوبة بدقة ... نظراتها البعيدة .. هناك شيء يخيفه فيها .. شيء يبدو وكأنه خارج مكانه .. إلا أنه لم يكن قادرا على وضع يديه عليه ..
تذكر صورتها القديمة التي رآها في حسابها على الفيسبوك ... تلك الفتاة الضاحكة والممتلئة ... تلك البريئة العينين ... والضحكة الخالية من الهم .. تلك الفتاة ذات ذيلي الحصان والتي بدت كالقطة الصغيرة مغرية بالمداعبة ..
أدرك فجأة بأنه لم يسبق أن رأى هزار الشاعر تبتسم ... ابتسامة حقيقية على الأقل ... لقد كانت فتاة حزينة ... حزينة للغاية ... محملة بالكثير من الهموم فوق كاهلها ..
اقشعر بدنه وإحساسه بالصحوة يسبب الألم لكل ذرة في روحه .. أولا مات والدها ... ثم تعرضت للاختطاف على يد فتى مجنون ربما يكون ... ربما يكون قد اغتصبها ... كما اغتصب ليان ... الله وحده يعلم ما عانت خلال أسرها تحت يديه ... ربما ... ربما ليان نالت النهاية الأفضل .. فماتت قبل أن ترى ما اضطرت هزار الشاعر لأن تراه ... فغيرها وجعل منها هذا الانسان الجليدي .. الخالي من الإحساس .. الفاقد الوعي أمامه في تلك اللحظة ..
تحرك فؤاده عندما تحركت في نومها ... مصدرة صوتا صغيرا وكأنها قطيطة تقرقر في حاجة لمن يلامس رأسها .. لقد كانت فتاة صغيرة ... مجرد فتاة صغيرة .. أصغر من ليان بكثير .. وهو ... وهو كان يصب غضبه عليها .. ظالما إياها بعد كل ما عانت منه ... ربما كانت المسؤولة جزئيا عن موت ليان ... إلا أنها لم تقتلها ... لم تسممها ... لم تتسبب باغتصابها ... فكيف يلومها ... يعذبها ... يهينها ويجرحها .. مرة بعد مرة .. مأخوذا بحاجته للانتقام من شخص ما ... لإفراغ غضبه وإحباطه في شخص ما ... لأن يقاوم تلك الحاجات الغريبة التي كانت هذه الفتاة المتناقضة تبثها فيه ...
تبا ... لقد أراد أن يراها مبتسمة ... ولو لمرة ... أي تفكير مثير للشفقة هذا ... عندما رآها تضيع أمامه في غياهب عالم بعيد تماما عن الوعي ... عندما أحس بغريزته .. بأنها تغرق نفسها في عالم قد لا تخرج منه أبدا .. أحس بالذعر .. بالحاجة لأن ينتشلها ... لأن يسحبها معيدا إياها إلى الواقع ..
ربما ... ربما كان يتبع الطريقة الخطأ ... ربما ما كان الهجوم هو الوسيلة التي يستطيع بها الحصول على ما يريد ... ربما إن تمكن من أن يكون ... أن يكون صديقا لها .. أخبرته بكل شيء .. أفصحت له عن الشيء الذي يبقيه قلقا ومتألما منذ أشهر ..
رآها ترتجف ... وهي تتحرك بعدم ارتياح بسبب صلابة الأرض الباردة من تحتها .. والجدار من ورائها ...
لم يفكر ... قبل أن يتحرك ... فيقترب منها ... سترته التي كان قد وضعها وراء رأسها في وقت سابق .. كانت قد سقطت على الأرض إلى جانبها .. فردها .. وأحاط بها كتفيها .. ثم سحبها برفق .. كي يسقط رأسها فوق كتفه ..
شعرها كان ناعما للغاية وهو يحتك بذقنه ... جسدها كان رقيقا للغاية وهو يتكيء على جسده ... رباه ... ما الذي كان يفعله .. أراد أن يدفعها عنه من جديد .. إلا أن يديها الثلجيتين امتدتا لتتكورا بينها وبينه .. لقد كانت ترتعش وكأن ملامستها لحرارة جسده ذكرت جسدها الغير واعي بافتقاره لأي مصدر للدفء ... زفر بقوة وهو يمد ذراعه محيطا إياها بها من فوق سترته التي غطت كتفيها .. ليقربها منه أكثر .. متحاشيا لمس كتفها المصابة ... فتزداد رائحتها الطبيعية وضوحا .. ويزداد خفقان قلبه سرعة وعنفا .. وهو يتعرف على أنوثتها الرقيقة .. الشفافة .. الناعمة .. تلك التي كانت تستفز رجولته .. مذكرة إياها بتفوقها ... بقوتها ... بحاجتها إلى أنوثتها الهشة هذه ... رباه .. إنها ليست ليان .. ليست ليان
هي حتى لا تشبهها ... لا شكلا و لا مضمونا ... كيف تفعل به الأفاعيل منذ لقائهما الأول .. فتفقده باختلافها عن ليان صوابه .. وتحكمه .. وحكمته .. فتحيله إلى رجل لا يعرف سوى العنف ردة فعل تحميه من تأثيرها عليه ؟؟؟





رسائل من سراب(الجزء السادس من سلسلة للعشق فصول)مكتملةحيث تعيش القصص. اكتشف الآن