الفصل الخامس عشر

3.8K 107 3
                                    

الفصل الخامس عشر




رسالة من سراب ....

أنا أكرهك ... أكرهك ... وأتمنى ألا أراك مجددا ما حييت ..
فاليوم الذي أنظر فيه إليك دون أن أتقيأ ازدراءً .... سيكون يوم أموت !





طرق فيردي باب مكتب فراس في مزرعة العائلة .. ثم دفعه كالعادة ودخل دون أن ينتظر دعوة .. ليجد ابن شقيقته خلف مكتبه ... منهمك في العمل على حاسوبه .. بينما تقف مساعدته الشخصية ومديرة مكتبه إلى جانبه .. تميل فوقه لتشير إلأى شيء معين على شاشة الحاسوب ... يكاد صدرها العارم ينسكب بوقاحة من فتحة صدرها الواسعة ... دون أن يبدو على ابن أخته أنه قد لاحظ محاولاتها الرخيصة لإغواءه ...
أم تراه كان مدركا لما تفعله .. ويتجاهله دبلوماسية منه .. ورفضا لخسارة موظفة كفؤة فقط لأنها تفتقر إلى الأخلاق ؟؟؟
لم يحببها فيردي منذ قابلها أول مرة في مكتب شركات الحولي - كورتومولوش .. في استانبول منذ ثلاث سنوات .. الفتاة كانت مغرمة بفراس ... ومستعدة لفعل أي شيء في سبيل الحصول عليه .. وما يمنعها حتى الآن من القيام بأي تصرف متطرف في خضم محاولاتها هذه .. هو إدراكها لأن خسارتها لوظيفتها سيكون الثمن الذي ستدفعه مقابل أي خطوة خاطئة ... ومعرفتها بأن فراس لن يتقبل أي تصرف رخيص في مكتبه .. بالإضافة إلى أن النساء الجريئات والرخيصات .. كن لا يجذبنه في المقام الأول ...
قال فراس دون أن يرفع رأسه :- تفضل يا فيردي .. دقيقة وسأكون معك ..
توترت الفتاة وهي ترمقه بعدم رضا .. وكأنها قد كرهت تدخله في لحظة حميمية كهذه بينها وبين رئيسها .. متسليا .. راقبها فيردي وهي تحاول تعديل ياقة ثوبها ... وهي تعتدل قائلة لفراس بحلاوة :- سأجهز كل الأوراق المطلوبة .. و أعدل مواعيدك كما طلبت مني يا سيد فراس ..
قال بهدوء :- شكرا لك يا جيرين .. تستطيعين الذهاب الآن .. لن أؤخرك أكثر
التقطت مجموعة من الأوراق من فوق مكتبه وهي تقول :- أراك صباح الغد إذن في المكتب ...
قال بحزم :- لا ... سأقوم بعملي خلال الأسابيع القادمة من هنا .. سأكون على اتصال دائم بك خلالها .. كما ستأتين عند الضرورة لمتابعة بعض الأعمال معي هنا ..
قبل أن تفتح فمها لتعترض .. اقترب فيردي قائلا :- سيكون هذا قرارا حكيما ... من الافضل أن تبقى الأيام المقبلة هنا علك تتمكن من تسوية الأمور مع أمان ... إنها تحبس نفسها في غرفتها منذ أيام بحق الله .. انا متأكد بأنك لم تقصد أن تذوي وحدها بين أربعة جدران عندما قررت أن تقوم فجأة بدور الوصي فتفرض عليها حمايتك ..
قسا فم فراس وهو يقول بصرامة :- لن تظل حابسة نفسها طويلا ... أمان لا تستطيع البقاء في مكان واحد لساعة كاملة .. أنا متأكد بأنها ستتعب وتمل .. ثم تخرج من تلقاء نفسها ...
وقف فيردي أمام المكتب .. ومال عليه مستندا إلى كفيه وهو يقول باستنكار :- أبهذه الطريقة تريد أن يكون الأمر بينكما .. أن تخرج من تلقاء نفسها فتتظاهر بأنك غير موجود حتى تعود لتحشرها في الزاوية مجددا
تنهد فراس وهو يقول متعبا :- ما الذي تريده يا فيردي .؟؟
:- ما الذي تريده أنت يا فراس ؟؟ أن تدفن كل شيء الآن وإلى الأبد .. أو أن تجتهد لأجل اكتساب امرة تهتم لأمرها فلا تخسرها مجددا ...
بينما جمدت عينا فراس عليه .. التفت فيردي نحو جيرين التي اتسعت عيناها وهي تحدق بفيردي مصدومة وهتف بها ساخطا :- ما الذي تفعلينه هنا حتى الآن ؟؟ لقد أمرك الرجل بالانصراف ..
انتفضت وهي تعتذر مرتبكة .... ثم تجر نفسها جرا إلى خارج المكتب مغلقة الباب ورائها ... عندما عاد فيردي ليواجه فراس قائلا :- حسنا ... أنت لا تريد الصعود إليها ومصالحتها ... سأصعد أنا ..
:- لا
هب فراس واقفا وهو يهدر بالكلمة المكونة من حرفين .. وجهه محتقن بالغضب فبدا وكأنه قادر على الانهيال ضربا على خاله الذي يكبره بعشر سنوات .. قال فيردي ببساطة :- على أحد ما أن يكسب صداقتها في هذا المنزل ما دمت قد انتزعت عنها أصدقائها ...
:- أصدقائها !!
:- الخادمات اللاتي طردتهن قبل أيام ... لقد كن صديقاتها .. وأمان كانت تأنس بوجودهن حولها وباهتمامهن بها ..
قال فراس بصوت مكتوم :- لقد عرضنها للخطر بتصرفاتهن .. وقد استحقين الطرد ما دمت عاجزا عن الاعتماد عليهن في رعاية ضيوفي .. كما أن عصام غالي لم يكلفني بحمايتها كي أتركها تتسكع بين الخدم ..
قال فيردي بامتعاض :- وقد كنت أتساءل عما يدفع أمان لكراهيتك إلى هذا الحد ... أنت متكبر .. مغرور .. وعنيد .. وجامد التفكير يا فراس ..
ارتد وجه فراس إلى الوراء وهو يحدق بخاله مجفلا ... بينما قال فيردي :- أنت حتى لا تمتلك ما يكفي من التواضع كي تتعاطف مع فتاة صغيرة أبعدت عن عائلتها .. وأصدقائها . وعالمها كله .. ووجدت نفسها حبيسة في بلد غريب .. مقيدة بأشخاص لا تعرفهم .. وابتداءا من الأسبوع الماضي .. بشخص تعرفه .. إنما تكرهه ..
قال فراس بخشونة محاولا ألا ينتفض تأثرا بكلمة ( تكرهه ) :- أمان ليست فتاة صغيرة ...
نظر إليه فيردي مليا .. قبل أن يقول بهدوء :- ربما هي ليست فتاة صغيرة ... إلا أنها قطعا لا تستحق معاملتك السيئة لها ...
استدار متجها نحو الباب .. ثم التفت نحو فراس قبل أن يفتحه ليقول للمرة الأخيرة :- أكررها لك يا فراس .. اكسب صداقتها من جديد ... خلال وجودها على الأقل .. إن كنت تريد منها أن تقبل بحمايتك هذه .. فعليك أن تقدمها لها على راية بيضاء على الأقل ..
عندما فتح الباب ... فوجيء بالمرأة التي كانت تقف هناك وتوشك على طرقه .. أجفلت عندما رأته .. واحمر وجهها حرجا حتى انفجر فيها فجأة قائلا بفظاظة :- ماذا تريدين ؟؟؟
تراجعت الممرضة جان خطوة إلى الوراء وقد اختفى احمرار وجهها تاركا وراءه الشحوب التام وهي تقول :- أنا آسفة للمقاطعة ... لقد أردت أن ..
قاطعها صوت فراس وهو يقول :- تعالي يا جان ... أنت لم تقاطعي شيئا .. فيردي كان مغادرا ..
أفسح فيردي لها الطريق سامحا لها بتجاوزه إلى الداخل ... ونظراته الباردة تلاحقها وهي تقف أمام مكتب فراس الذي قال وهو يدور حوله متجها إليها :- ما الأمر ؟؟ هل جدتي بخير ؟؟
لم يغادر فيردي كما كان متوقعا ... بل عاد أدراجه إلى داخل الغرفة مغلقا الباب وراءه .. عاقدا ساعديه أمام صدره في انتظار ما ستقوله الممرضة التي رمقته بطرف عينها متوترة قبل أن تركز اهتمامها على فراس قائلة :- السيدة هوليا متوعكة بعض الشيء منذ الصباح ... وقد اتصلت بالدكتور بولنت كي يأتي ويلقي نظرة عليه .. أردت فقط أن أعلمك بالأمر يا سيد فراس ..
قال بهدوء :- أشكرك يا جان ... سأمر خلال دقائق للاطمئنان على حالها ..
اعتذرت الممرضة وهي تتراجع مغادرة الغرفة أمام نظرات فيردي الثاقبة .. ومغلقة الباب ورائها بهدوء شديد .. التفت فيردي إلى فراس وهو يقو ل:- أمي بحاجة لأن تعرف الحقيقة ..
بدا الإرهاق على وجه فراس وهو يقول :- أتظنها تتحسن لو دخلت عليها الآن وأخبرتها بأن ابنتها الوحيدة قد أصيبت بحادث منذ أشهر وأنها حبيسة الفراش منذ حينها سبب إصابتها بالشلل ؟؟؟
بدا الألم على وجه فيردي وهو يقول :- أمي امرأة كبيرة في السن يا فراس ... هي اليوم هنا .. وغدا في مكان آخر .. لا أنا .. ولا أنت .. ولا حتى نازلي سنسامح أنفسنا لو أن شيئا حدث لوالدتي وهي تظن بأن ابنتها التي تحب .. لا تهتم لأمرها بما يكفي بحيث تقطع المسافات لأجل رؤيتها ..
تنهد فراس وهو يقول :- سأتحدث إلى أمي اليوم حول الأمر ..
ثم صمت وهو ينظر إلى خاله مليا .. قبل أن يقول :- ما مشكلتك مع جان ؟؟
:- ومن تكون جان ؟؟
أدار فراس عينيه وهو يقول :- لا تلقي بألاعيبك المعتادة علي ... أنت تعرف بالضبط من تكون جان .. لماذا أنت فظ معها .. المرأة لم تكن سوى خير ممرضة وصديقة لجدتي ..
قال فيردي بصوت مكتوم :- من الطبيعي أن تدافع عنها .. إذ أنها تضاهيك تكبرا وغرورا وعنصرية ..
رفع فراس حاجبيه وهو يقول بحيرة :- جان !!! الممرضة التي تعمل لدى العائلة منذ عام ؟؟؟ عنصرية ؟؟؟
قال فيردي بخشونة وهو يفتح الباب :- إن كنت لا تعلم يا ابن أختي العزيز ... الاضطهاد بين الطبقات الاجتماعية المختلفة .. يمكن أن يسري من كلي الجانبين ..
ثم غادر مغلقا الباب وراءه بقوة ...





رسائل من سراب(الجزء السادس من سلسلة للعشق فصول)مكتملةحيث تعيش القصص. اكتشف الآن