الفصل التاسع والأربعون
جالسا على حافة سريره .... الأنوار مطفأة ... لا ينير الغرفة سوى ضوء البرق يضيء السماء المظلمة بين كل حين وآخر سابقا هدير الرعد الصاخب ... ضجيج التلفاز القادم من غرفة الجلوس حيث كانت والدته تشاهد برنامجا حواريا يناقش آخر المشاكل التي تعاني منها المدينة .. يبدو باهتا للغاية من وراء الباب المغلق ...
كان عزيز يحدق بالفراغ ... يشعر بالفراغ نفسه يمتد داخل صدره أكثر فأكثر .. وكلمات أسماء تعود لتتردد داخل عقله عندما ذهبا إلى مقهى قريب من منزل آل شاعر حيث استمع إليها لساعة كاملة ..
قبل حتى أن يشير لنادل طالبا فنجانين من القهوة .. لاحظ أنها كانت تنظر إليه مليا .. وبطريقة جعلته يقول بعدم ارتياح :- ما الأمر ؟؟
ابتسمت بشحوب قائلة :- لا شيء .. لقد حدثتني عنك ليان كثيرا إلى حد يجعلني أشعر وكأنني أعرفك جيدا ..
توتر قائلا :- ليس هذا الانطباع الذي منحتني إياه ليان ... لقد ظننت بأنها لم تعترف أصلا بوجودي في حياتها في السنوات الأربعة الماضية ..
تمتمت :- هذا صحيح ... إلا أن السنة الأخيرة كانت .. كانت مختلفة ... ظروف معينة قربت بيننا بعض الشيء .. ودفعتها للإفصاح عن أشياء لم ترغب أبدا بالإفصاح عنها ..
قال بجفاف :- هل أفصحت بالمرة عن إدمانها المخدرات ... وعلاقتها مع ذلك الشاب المدعو بكريم ..؟
اتسعت عيناها بذعر والدماء تنسحب من وجهها وهي تقول :- كيف .. كيف عرفت ؟؟
لم يستطع كبح الألم الذي كان يعتريه كلما تذكر كلمات بيان عن الظهور على ملامح وجهه وهو يقول :- لقد سبق وأخبرتك ... ليان ماتت .. وأنا ... أنا لا ألومها الأن أو احاول ذمها .. إلا أن معرفة الأمر كانت صعبة جدا .. أنا عرفت ليان طوال حياتي .. هي لم تكن مجرد حبيبة ورحلت ..
أطل الحزن من عينيها وهي تقول :- لقد أحبتك ليان كثيرا إن كنت لا تعرف ..
أطلق صوتا أشبه بالشخير أظهر عدم تصديقه للأمر ... فتمتمت :- لقد أخبرتني مرة بأنها بنت كل حياتها .. وخططت لكل جزء منها .. واضعة ارتباطها بك هدفا نهائيا لها ..
أشاح بوجهه بعيدا ... فقالت برفق :- هي أحبتك ... إلا أنها دائما كان تعرف بأنها أبدا لن تكون مناسبة لك .. لقد أرادت أن تبني نفسها لأجلك ... أن تصنع شيئا من نفسها لأجلك ..
قال بخشونة :- هذا غير منطقي .. لقد ترعرعنا في حارة واحدة ... في مبنى واحد .. لمذا عساها تشعر بأنني أفوقها في أي شيء ..
هزت رأسها وهي تقول :- ليان كانت واقعية للغاية ... تحت كل ثقتها الظاهرية بنفسها .. وقوتها الطاغية .. هي كانت لا ترى في نفسها أكثر من فتاة شعبية .. من عائلة عادية وغير مثقفة .. بينما كانت تراك أنت بصورة مختلفة ...
قال بجفاف :- ألهذا ارتبطت برجل آخر ... ألهذا استهانت بنفسها لأجل ذلك الفتى ...
أخفضت رأسها وكأنها تحاول تمالك مشاعرها .. ثم قالت بحزن :- في السنة الأخيرة .... ليان لم تكن تمتلك أي شيء من شأن نفسها .. كريم ... هو لم يسيطر عليها هي فقط .. لقد سيطر على العشرات منا ... لقد استدرجنا مستغلا ظروف كل منا ليوقعنا تحت رحمة المخدر
أجفل عزيز وهو ينظر إلى وجهها الشاحب .. إلى نحولها الظاهر .. أتقول بأنها كانت ضحية أيضا ؟؟ بأنها كانت من ضمن الطلاب الذين عرف بأن ذلك الفتى كان يستدرجهم لحساب عصابة مخدرات خطرة ؟؟
تمتمت مكملة :- لقد كان خبيثا .. لعينا وماكرا .. كل هذا تحت واجهة امتلكت جمال وبراءة الأطفال .. لقد كان شيطانا .. بوسامته .. بلسانه .. بكلماته المتلاعبة .. ليان بكل عنفوانها وقوتها لم تستطع أبدا الصمود أمامه ..
أحس عزيز بجسده يتشنج .. من الواضح أنها قرأت غضبه .. إحباطه .. اشمئزازه .. إذ سرعان ما قالت بسرعة :- أنا لا أقول هذا كي تكرهها .. أن أقول هذا كي تفهمها ... كريم تمكن من الوصول إلى نقاط ضعف ليان .. تمكن من استغلال ذلك الجانب الغير مستقر فيها .. انعدام الثقة الذي كانت تعانيه .. وتحت تأثير المخدر الذي جرها إليه .. لم تمتلك أي فرصة أمامه ...
اغرورقت عيناها بالدموع وهي تقول :- كلنا ... لا ليان وحدها .. قمنا بالكثير من الأشياء البشعة .. وأنا ..... رباه .... لقد اضطر والداي لجري جرا إلى الخارج ... لتخديري فعليا كي أتمكن من تخطي الرحلة في الطائرة بدون أن أفقد عقلي مطالبة بالمخدر ... لقد وضعاني في مركز لإعادة التأهيل ... وقد كان هذا مضحكا للغاية ... إذ أن تباعدهما عني لسنوات .. كان السبب الرئيسي الذي أوقعني تحت قبضة كريم ..
صمت لدقيقة كاملة وهو يحدق بيديه المتشابكتين ... قبل أن يتمتم :- لقد رثيتها لأشهر ... لقد بكيتها ... طاردت ذكراها ... وإذ بها ولأشهر قبل أن تموت .. كانت ملكا لرجل آخر ..
قالت معترضة :- لقد أخبرتك ...
قاطعها بخشونة :- لقد قلت بنفسك بأنه قد استغل نقاط ضعفها ... مواطن عدم استقرارها .. لو أن ليان أحبتني حقا ... لتمكنت من مقاومته .. للجأت إلي .. إلا أنها لم تفعل ..
صمتت .. عاجزة عن الاعتراض .. ثم تمتمت :- لا أريدك أن تظن بأنني أدافع عنها ... إلا أنني أظنها وجدت في علاقتها بكريم مهربا من حاجتها الماسة للعمل الماراثوني لأجل بناء امرأة جديرة بك في نفسها ..
أطلق ضحكة مريرة وهو يقول :- أنت لا تلومينها ... إلا أنك تلومينني أنا بكلماتك هذه ..
هزت رأسها قائلة :- لقد قلت بأنك لم تعد غاضبا منها ... بأنك لا تريد أن تلومها .. بأنك قد أحببتها ..
صمت للحظات ... ثم قال :- أنا أحببت ليان ... إلا أن حب هزار احتل كل ما كانت ليان تمتلكه في قلبي .. ألمي الآن ... ومرارتي ... نابعان من رثائي للمرأة التي كانتها .. تلك التي عرفتها وأحببتها يوما ... إدراكي بأن تلك المرأة ... ربما ... ربما لم تتواجد قط ...
ثم قال وهو يحاول تمالك مشاعره :- إلا أنني لا أفهم ... إن كانت ليان ... إن كانت صديقته .. لماذا يسعى خلف هزار .. لماذا يختطفها .. ولماذا يقتل ليان في النهاية ...
همست والدموع تفيض من عينيها :- لا أظنك مستعدا لمعرفة الحقيقة ..
أنت تقرأ
رسائل من سراب(الجزء السادس من سلسلة للعشق فصول)مكتملة
Romanceرواية بقلم المبدعة blue me الجزء السادس من سلسلة للعشق فصول حقوق الملكية محفوظة للكاتبة blue me