" فصـل 28 "

2.5K 121 12
                                    

- فصـل 28 -

" كيف يعني غير موجودة بالداخل؟! " صاح طيف بعبارته والجنون قد تلبسه..
لم يترك لهم فرصة للمجيب بل دخل الي غرفتها بأندفاع وسرعة..
قبل ان يتوقف في مكانه بجمود وهو يطالع فراشها الفارغ منها..
لكنه لم يصدق عيناه..
توجه الي حمام الغرفة ليبحث عنها..
الي الشرفة الخاصة بها..
لكن.. لا أثر لها!
اخيرًا صدق ما قيل!
" كيف.. ذهبت! ما الذي يعني بأنها ذهبت.. كيف " كرر كلماته بشرود وعيون ذائغة..
لا يستوعب ما يحدث امامه..
لا يستوعب انه لا يراها في مكان هو قد وضعها به.. نظر خلفه وبجنون تلبسه احكم يداه علي رقبة الطبيبة وهو يصرخ " اين ذهبت؟ " تدخل رائف وعمر الذين جاءوا معه..
وكانوا يراقبون ما يحدث بصمت طوال الوقت الفائت.. ابعدوه عنها بعنف وهم ينهروه عن فعلته..
بلعت الطبيبة ريقها قبل ان تتابع " لقد أتي لزيارتها أحدهم.. وغادر.. قليلًا ودخلنا لنطمئن عليها وجدنا غرفتها فارغة وقد تركت تلك الورقة.. " ومدت يدها له بورقة بيضاء
سحبها منها بعنف وقوة.. وفتحها..
" طيف.. هذة الورقة لم اكتبها بحزن اليوم..
او وجع اسبوع فات..
هذة الورقة كتبتها بقهر اول شهر قضيته في الشقة بأسم عشيقتك..
هل ظننت يومًا اني لا اشعر بالعار والخزي من نفسي؟ لم أنقم علي ضعفي وحياتي؟
هل ظننت يومًا إني بلا مشاعر؟
تتلاعب بي الحياة يمينًا ويسارًا ولا اتأثر.. رجلًا يشتريني واخر يتحكم فيِ ولا احزن..
هل ظننت ان كل هذا يمر عليِ مرور الكرام؟
وان كان قد مر كل ما فات عليِ دون وجع..
هل تظن نظراتك لي قد تفعل؟!
وانا اراك في كل مرة تقول ياليت..
والف امنية بعدها ان تتغير فيِ..
لا ان تراني في مكاني الاول..
ولا ان اكون ليالي..
ولا ولا.. اعلم.. اعلم انك احببتني.. نظراتك المتدنية لي.. رغم كل شى كانت تحمل الحب.. حب ممزوج بنوع من النقم.. والاشمئزاز..
حب لا يكفي لنحيا به سويًا طيف..
انت لا تتقبلني كما انا..
لا تريد ان اكون ليالي..
لا تريد ان تكون مَن احببت يتهاتف عليها الرجال.. وتحاوطها النظرات..
لا تريد ان تكون حبيبتك هي ليالي.. الراقصة..
تخبرني اننا سنبقى معًا.. نتحمل النظرات والهمسات.. لكنك تكون تحترق بداخلك.. أتظن إني لا اشعر؟
ولكن أتعلم السر؟
بدايتنا كانت خطأ طيف..
غيرنا كثيرون قديس وعاهرة.. بارك الله في حياتهم وهدأ موج اعصافهم ومشاعرهم لانهم طلبوا التوبة مبكرًا..
لكننا.. لم نطلب التوبة طيف.. نحن كنا نلاعب مَن؟ نطلب الراحة من مَن!
هذة ضريبة اختيارك الخطأ لي..
وضريبة اختياري الخطأ لمهنتي وطريقة سير حياتي منذ البداية..
ضريبة سيرنا معًا بالحرام طيف.. نعم بالحرام..
الكلمة التي لم يتجرأ لسان ليتفوه بها ويعبر بها عن مسمي علاقتنا لكنها الحقيقة..
كيف اردنا يومًا ان نحيا بسلام في حياة مليئة بالآثام؟ كان الطفل اخر ما يجعلني اتمسك بك وبعلاقتنا..
لو.. ربما لو كان جاء بخير لكنت حاولت مرة اخري اصلاح ما تلف..
وطلب التوبة من الله معك وان نكون سويًا..
لكن الرب لم يرده ان يأتي بخير..
ارادنا ان نتوجع به.. بأكثر شئ تمنناه وقد جاء من هذة العلاقة الخاطئة..
الطفل كان ضريبة خطأنا طيف..
اعلم انه مازال يتنفس.. للأن..
لكن.. هل يمكنه ان يظل بخير؟
انا لم اهرب طيف كما ظننت..
انا قررت ان اعيش بحرية اخيرًا..
خارج قفصك..
لن اتهرب منك..
سنتواجد ربما يوميًا في المشفي..
نلتقي في ممرات المشفي ونحن نزور ابننا..
حتي يذهب للأبد منا..
تقول بداخلك من اين املك قساوة القلب وانا اتحدث عنه بذلك الشكل؟!
سأجيبك بأني اكتفيت من ان اطلب بتحقيق المستحيل..
وطلب شفاءه يعد من المستحيلات كما قالت الطبيبة.. كحال طلبي بـ حبك لي بلا وجع لقلبي بالضبط..
انتظر ورقة طلاقي طيف..
ليالي.. الفتاة التي مرت في حياتك فدمرتها..
ومررت انت بها فبعثرتها.. "
ملامحه التي تزداد قتامة وهو يقرأ الرسالة كانت خير دليل علي ان هناك زوبعة ستنفجر في وجههم قريبًا.. هكذا ظن رائف وعمر..
لكن..
هدوءه التام بعد ان ضم الورقة بعد قراءتها غير كل مفاهيمهم..
نظر لـ الطبيبة و " ليالي ما زالت لا تعلم عن الطفلة؟ " اؤمات بنعم سريعًا
هتف بتقرير " ولن تعلم.. "
" لكن.. " ثلاث اصوات هتفت بأعتراض..
رائف وعمر والطبيبة.. لكنه لم يترك لهم فرصة للاعتراض حتي بل قرر وأمر.. ورحل!
***
بعد ثلاث ايام..
في شقة فخمة..
تطل علي مياة النيل الرائقة..
كانت تجلس ليالي..
بيدها كوبًا من مشروب الشيكولا تتناوله بنهم وهي تطالع كل ما حولها بشرود..
لم تخرج من هنا منذ ان جاءت..
ارادت بضع الوقت لتجمع فيه ذاتها..
او ربما هي اشتقاقت ان تتكنفها اربع جدران..
كما عاشت دومًا في شقة طيف القديمة..
تتمني بداخلها لو ظلت هكذا..
كانت حياتها رائقة وقتها.. لكن منذ ان قررت العصيان.. وحاربت لتري الشارع وهي تعاني..
زفرت انفاسها بضيق من افكارها التي لا تتركها في حالها..
هي قررت التغير..
والدليل..
انها لم تري طيف لمدة ثلاث ايام ولم يحدث لها شيئًا بعد..
لم تمت شوقًا له ولا لهفًة..
اخر ما جمع بينهم من لقاء قبل ولادتها اخذ من قلبها كل العاطفة نحوه ومحاها محو.. هكذا تظن!
طفلها..
طفلها الذي يجعلها تود محاربة ذوبعتها لتخرج له..
لكن هناك شئ يمنعها..
هي تتطمئن عليه كل يوم..
تطالب بصور له من بعيد.. اساسًا لو ذهبت له لن يدخلوها هكذا اخبرتها الطبيبة..
لكنها تموت له..
هي بكل قسوة اخبرت طيف انها تنتظر خبر موت الطفل.. بكلمات تدل علي انها لا تهتم
لكن قلبها يعتصر داخلها حزنًا عليه..
خاصًة وهي تري انها سببًا بكل ما حدث له رغم صغره.. مرضه ضريبة حبهم.. هذا ما تراه
زفرت وقد نهضت عن مكانها..
يكفي لهذا الحد خوف..
سوف تذهب له..
***
الجمود..
هو ما يرتسم علي محياه منذ ان غادرت..
هناك شئ بداخله يحثه علي البحث عنها..
بحث لن يطول لساعات وستكون بين يديه من جديد وحينها سيلقنها درسًا لن تنساه..
وشى اخر يقول كفاك سيرًا خلفها..
اتركها كما تركتك..
لا تبحث عن مَن لا يريدك..
وبين هنا وهناك..
لا يخفف عنه سِـوا تلك الملاك..
تنهد بعمق يسحب رائحتها له بقدر ما يستطيع..
شوق جارف يغمره نحوها لانها تركها منذ عدة ساعات قليلة لا تُعد.. غصبًا وها هو قد عاد من جديد..
يحتضنها بقوة وحرص كأنها كنزه الثمين..
اعظم انتصاراته وألطفها علي الاطلاق..
هي..
هي وفقط..
ما تناسيه قسـاوة ما يراه بالخارج.. دتناسيه زوجته وكل شئ..
بين كنفها يتناسى مَن هو حتي..
معها يبات شخص اخر..
ابعدها قليلًا عنه ليطالع ملامح بهيام كامل..
ملامحها بدأت بالظهور ك وردة تتفتح في ايام الربيع.. ظهرت بشرتها البيضاء الناعمة..
مر بأصبع فقط من يده علي وجهها وقلبه دقاته تتفاقم.. لم يعد يستطيع التحمل..
تلك الفتاة تسرقه من نفسه سرقًة..
ويبدو انه ضايقها حيث عبست ملامحها وذمت شفتيها الصغيرتين بطريقة جعلته يكاد يبكي من كثرة لطافتها.. رمشت عدة مرات وهو كله فضول ولهفة لأن يراها تفتح عيناها التي لم يستطيع رؤيتهم لليوم..
حيث كانت تغلقهم معظم الوقت..
لحظات حتي ظهر له بحر عميق.. غرق فيه بكل رضا.. عيناها زرقاء بقتمة شديدة..
كأنك تري البحر في منتصف الليل بأمواج هائجة.. عيناها ساحرة!
هذا ما همس به وهو يطالعها بفم مفتوح مدهوش من عظمة خلق الله..
تطالعه بتشوش قليلًا قبل ان تنغص ملامحها في اشارة منها انها ستبكي..
وحتي هنا وقع اسير صوت بكاءها وملامحها المتضايقة..
كل لمحة بها تكبله في حبها اكثر..
تنهد وهو يشتد علي احتضانها اكثر في محاولة منه ان يهديها وهو يبثها كلماته الحنونة..
هذا اخر يوم لها بالحضانة..
بالغد يمكنه انه يأخذها لكنه يشعر بأنه لا يستطيع ان ينتظر هذا اليوم حتي!
غفت بين يداه اخيرًا..
اراحت كفيها ورأسها علي صدره..
تنعم بنعوم هنئ..
وينعم بقرب دفئ..
حتي جاء وقت المغادرة فرحل كالعادة وقد ترك لها اخر جزء من قلبه..
الان باتت تملك كل قلبه..
خرج فوجد الطبيبة امامه..
عاد خطوة للخلف بدهشة فقالت هي بأرتباك " السيدة ليالي هنا.. وانا لا استطيع ان اخفي عنها وجود الفتاة.. ضميري لا يسمح "
و.. خفق قلبه.. في اعلان انه هُزم من جديد.. امام حبها!
***
طرق الباب..
ولم يدخل حتي سمحت له بالدخول.. اصابتها الدهشة عندما رأته هو مَن امامها.. ويستأذن ليدخل!
ظنته كالعادة سيدخل دون استأذان!
" قيل انكِ تريدنني! "
" تفضل اويس.. " واشارت له بالجلوس.. وجلس
كان يظهر عليه اللامبالاة.. ي
نظر الي كل شى عداها وهذا عكس الماضي.. حيث كان لا ينظر لشئ الا لها!
كانت تتطالعه وهي تفكر بذلك.. بشرود.. واعجاب.. اويس كان لا يرتدي سِـوا الكاجول ورغم ذلك كان يظهر دومّا بصورة الرجل الوقور.. الممزوج ببعض العبث!
فاقت من حالتها عندما رأته ينظر لها بأستفهام..
فأرتبكت وهي تقول " انت تتغيب كثيرًا عن محاضراتي.. فكنت اريد لو اعلم هل هناك ما يشغلك؟ ولو كذلك يمكنني ان اعوض لك الشرح "
اؤما بالنفي " لا شئ.. اغيب برغبتي ولا اريد تعويض "
وكاد ينهض.. وغضبت هي من بروده " وطالاما لا توجد لديك ظروف تمنعك لما تتغيب؟ "
" اخبرتك لانه برغبتي! "
" اذن.. من الغد الحضور عليه درجات.. والامتحان لن يأتي الا من ما سأقوله داخل المحاضرات "
اؤما بلامبالاة وتابع سيره لخجوة حتي اوقفته بنبرة مقهورة " لما تفعل هذا اويس؟ "
رمقها بسخرية.. كأنه يخبرها ' ألستي السبب؟ '
لكنه رغم هذا عاد يقول بخبث وهو يقترب ويسند علي مكتبها وينحني قليلًا نحوها " الحقيقة لا توجد ظروف تغيبني عن المحاضرات.. لكن هناك فتاة جديدة تعرفت عليها تسرق مني كل وقتي وانا بجوارها.. تنسيني محاضراتك وانتي وحتي انا "
قال اخر كلماته وغادر دون ان ينظر وراءه.. كان يعلم ان نظر سيضعف..
بينما هي استندت علي المكتب تبكي..
تبكي غيرتها وغباءها..
هي شعرت للتو انها خسرته..
وانها تحبه..
للدرجة التي تجعلها تحارب لتبقي معه..
اخيرًا اعترفت انها وصلت لتلك المرحلة الذي اخبرها انه سيجعلها تصل لها..
المرحلة التي فيها لن تهتم بالناس وفرق العمر واي شئ.. لن تهتم لشئ سِـوا انها معه..
وادركت انها وصلت لتلك المرحلة من الحب والغرام بعد ان جعلته يفارقها!
فما الحل؟

نهاية الفصل الثامن والعشرون....

' أغلال من العشق 'حيث تعيش القصص. اكتشف الآن