هرعت من خوفها بين أرجاء السراي الممتلئة بالنسوة بجسدها الممتلئ وركبتيها التى تعاني من وجعهما الشديد........ولكن وجع قلبها كان أشد وأقسى من القلق على أحفادها الصغار لأول مرة في حياتها تعرف دهب الناجي معنى الخوف:
*فعلا كما يقولون بالأمثال الشعبية القديمة أعز الولد ولد الولد*
*ظلت تبحث بين الأرجاء عن نيرة وعن أحفادها الصفار تخشى أن يتسلل القلق إلى قلوب الجميع وخاصة قلب نيرة التي أصبحت في الآونة الأخيرة تعاني الأمرين بعد معرفتها بمرض صغيرها حسن ولكنها تخفي ألمها خلف غلالة من الدموع و ابتسامة راضية وقول"الحمد لله فى السراء، و الضراء" وما أجملها من كلمة و نفس راضية بأمر الله وفضله:
"شيماء يابنتي جوليلي ملمحتيش مرت الكبير أهنيه ولا أهنيه"
*ردت شيماء التي كانت في قمة جمالها بفستان أزرق رائع مع حجاب سماوي يتماشى مع جمال ملامح وجهها الأسمر الناعم.......وقد أفزعها شحوب وجه الحاجة دهب:
*ايوه ياحاچه الست نيرة هي والست سلمي مع بهية في الأوضة الكبيرة بيچهزوها.........مالك ياما الحاچه
ويجك١ مبيض كيف حته البفته٢ البيضه.........إنتي
تعبانه ياما أچبلك دوا الضغط"
*هزت دهب رأسها وقالت بلهاث الأنفاس:
"أني زينة اهه يابنتي......وينه الضاكتور عمار عاود هو والكبير"
"الضاكتور كان أهنيه من شويه....عاود مع سلمان بيه
من حبة بس الكبير معاودش وياهم"
*اجابتها شيماء ومازال القلق يتمكن منها.....شهقت الفتاة حينما رددت دهب:
"هات العواجب سليمة يارب......يا مرارك يادهب"
*وأكملت سيرها إلى غرفة عمار ومن خلفها تردد شيماء:
"حوصل إيه ياما.....خير يارب"
*صاحت دهب وقد أعتلى وجهها تعبير ينم عن الخوف والقلق الشديد:
"بعدي عني دلوكيت ياشيماء أني مناجصاكيشي همي شوفي الست سهيلة وينها ولازميها في أوضة الولد الصغار ومتتحركيش منيها لاأنتي ولاهي حتى لو الدنيا أتهدت.......همي يامحروجة"
*صرخت دهب بقوة فركضت شيماء تبحث عن سهيلة في حين كانت دهب تقتحم غرفة عمار لأول مرة دون أن تطرق فوق بابها وتدخل قائلة بفزع:
"عمار وينه خيك ياولدي.....في مصيبة كبيرة هتحل فوج رووسنا كلاتنا"
*ويچك١.....وجهك.
*البفته٢......نوع من الأقمشة لونها أبيض باهت.
****************************
*خرج عمار يركض من الدرج الخلفي للسراي وهو يرتدي جلبابه على عجلة من أمره ويشد أجزاء سلاحه المرخص باحثا بعينيه عن سلمان وبلال زوج اخته.......بعدما أكد على روجي عدم التحرك من السراي وترك حمزة الصغير بمفرده:
*هتف بأرتباك وهو يجذب بلال من ذراعه:
"في مصيبة كبيرة يابلال وينه سلمان"
*أجابه بلال وقد لاحظ توتر الأجواء:
"حوصل إيه يا عمار؟ سلمان أهه كان عيوصل الحاچه حليمه وسمية بولد حمزه لبيته"
*تنفس عمار براحة عندما أطمئن لرحيل عمته وسمية بأبناء أخيه.....وقال وهو يفرك جبهته:
"الحمد لله إن عمتي وسمية اخدوا الولد بعيد عن أهنيه.......مهدي الكلب هنا في السراي هو وواحدة من النسوان چايين يخطفوا ولد خوي"
*أشتدت ملامح بلال بالغضب وهدر من بين أسنانه:
"أنت بتجول إيه هي حصلت لكديه اااااخ يامهدي الكلب يا عفش وجعتك هباب.....وأنت عرفت منين؟"
*صاح عمار وهو يهتف على سعفان وباقي الرجال أن يقتربوا منه:
"مش مهم دلوكيت عرفت منين.........المهم نجبض عليهم جبل مايعملوا مصيبة أنت خد سلمان وروحوا لحمزه في شجة الحرباية أميمة جبل مايتهور لأحسن أمي چوه هتجع من طولها"
*في نفس وقت حديث عمار وبلال كان سلمان يقترب منهم ويسمع جزء من الحديث الدار بينهما فقال بلهفة:
"وه أنت بتجول إيه......حماتي وسمية خدوا الولدين
حسن وعمر بس......علي لساته أهنيه"
*اتسعت أعين بلال وعمار معا......وصرخ عمار قائلا:
"ولد خوي......هيجتله"
****************************
*عندما أقتحم المنزل الذي تسكنه أميمة في المدينة كان فى أشد حالاته غضبـًا وعنفـًا وهو على وشك أرتكاب جريمة قتل مروعة......من سيقف في طريقه الآن فهو هالك لا محالة:
"يا أستاذ علي فين داخل كده وكأنها زريبة....مش شايف قدامك واحد مرزوع ع الباب"
*أوقف خطواته السريعة التي تكاد تشق الأرض بقوة والتفت إلى شاب ضخم الجثة يبدو أن مالك البناية أختاره حارس أمن لضخامة جسده.....أبتسم الحارس معتقدا بأن هذا الرجل المهيب تراجع خوفاً أمامه فأكمل وهو يستعرض مالديه من قوة بنيان:
"إيه يا عم الصامت على فين؟"
*أفلتت من شفتيه زمة قاسية وقال بهدوء:
"طالع شجة أميمة فاخر.....إلا هي في الدور الكام ياولد العم"
"مش بقولك داخل زريبة يابلدينا.....الدكتورة قالت محدش يطلع ولا ينزل غير لما تعرف مين هو وهي دلوقتي مش موجودة.....يلا أتفضل من هنا"
*هتف الشاب بنبرة ساخرة.....وهو يجذب ذراع حمزه
متوجها به إلي الخارج:
*حتى الآن يمنعه ضميره عن أذية الشاب بنيران غضبه.....ولكن حان الوقت لتلقين هذا الأحمق درسا لن ينساه حتى آخر عمره.....زفر غضبا والتفت بجسده إلى الشاب الذي أعتقد أنه الحارس الأقوى على الإطلاق وفجأة كان جسده الضخم مسجي علي الأرضية الرخامية بعد ضربة رأس قوية سددها له حمزه وقبل أن يخرج الشاب صوته ليتأؤه أو
حتى يصرخ كانت يد حمزه تجتذبه من قميصه وترفعه رفعا إلى مستوى نظره وبصوت بدا أكثر خطورة همس بصوت مرعب:
"هه ياولد العم هتجولي وينها شجة الضاكتوره وإلا أعرفها بنفسي "
*قال الشاب بتلعثم وهو يمسح الدماء من جانب شفتيه:
"أيوه أيوه في الدور....."
*قاطعه وهو يجذبه خلفه من قميصه قائلا:
"أدلى جدامي جولي وينها شجة المحروجة"
*وسريعا ركض الشاب أمام حمزة إلى المصعد وهو يلهث خائفا من جنونه.......مقسمًا أنه سيترك هذا العمل فور نزوله:
*وبينما كان المصعد يتوقف بالطابق التاسع.....كان بلال برفقة سلمان يدلفان إلى البناية التي تجمع حولها بعض المارة بعد مشاهدة هذه الضجة....صاح بلال وهو يركض وخلفه سلمان:
"الخلج متچمعين أهنيه كده ليه..ربنا يستر وميكونش
حمزه أتهور وعمل أيتها حاچه"
*بداخل الشقة كانت أشعة الشمس القوية قد أوشكت على المغيب......وغالية تقف أمام النافذة تنظر بهدوء أعصاب لم تفقده وفجأة أفترقت شفتاها عن أبتسامة
متشفية شامتة وهمست لحالها:
"كلاتها كام ساعة وتنجهر جلوبكم يا ناچوية كلاتكم وأولكم دهب الناچي المرة الجوية كيف جبل مبيتهزش.......حلفت لحرج جلبك زي ماحرجتي جلب أمي يادهب وميتا يوم فرح بت نعيمة اللي كانت رايدة تسرج بوي من أمي"
*شعرت بوخزات ألم داخل صدرها فذهبت لتفتح أحد الأدراج وأخرجت علبة الدواء الخاص بها وأبتلعت منه قرصان وصاحت بألم:
"مش وجت وچع دلوكيت.....بس أفرح بموت ولد نيرة وعيني تشوف عويلها وبكاها هي وحماتها وبعديها إنشالله أموت ميهمش واصل.....المهم أشوف حرجه جلبها على ضناها"
*خرجت من خيالاتها بفرحه الأنتقام على صوت رنين جرس باب الشقة.....زمت شفتيها وقالت بأستغراب:
"مين اللي ع الباب ياترى"
"أنت متأكد إنها جوه"
*همس حمزه بخفوت للشاب المرتجف وفوهة مسدسه مصوبة نحو رأسه:
"أيوه يابيه الست أخت الأستاذ مهدي هنا منزلتيش وياهم والله"
*سدد حمزه فوهة المسدس في خصره وهو يتوارى خلف الحائط وهمس:
"دج المحروج دهو مرة كماني وجول زي ما جولتلك"
"مين ع الباب؟"
*سألت غالية من خلف الباب وهو تشب واقفة علي أطراف أصابعها حتى تنظر من العين السحرية:
*أجاب الشاب بصوت يبدو لغالية عاديا:
"أنا حمدي حارس العمارة ياست.....الدكتورة أديتني ورقة قالتلي أطلعهلك"
*أبتسمت غالية وقالت وهي تلف وشاحها حول رأسها حتى تفتح الباب للطارق:
"آباي معجول خلصوا بسرعة أكديه"
*سرعان ماتلاشت أبتسامتها وفرحتها تلك عندما فتحت باب الشقة وتفاجئت به يقف أمامها متحفزا
وملامحه تنضح بشر وغضب تعرفه جيدا.......و رغم
ما أعتلى وجهها من خوف إلا أن قلبها رفرف بصدرها لرؤيته والتمتع بمحياه:
*صرختها القوية وسقوطها أرضا أسفل قدميه لم تشف غليله.....بل زدات من حدته وهو ينهال عليها بصفعة أخرى أقوى و أكثر غضبا:
"هي دي آخرتها ياغالية.....تتفجي عليا ويا الشيطانة وخوكي اللي كان رايد ينجس شرفي...........دي آخرة
عشرتي ويا مرة بور زيك أتحملتها وكنت ناوى أتحملها العمر كلاته......بتخونيني يافاجرة ياراس الحية"
جثم أمامها وهو يقبض على مؤخرة رأسها وعندها تطلع إلى عينيها فرأى فيهما نيران متأججة من الغل والقسوة.......كأنها شيطان رجيم خلق من رحم الجحيم :
*ضحكت بل تعالت ضحكاتها و أصبحت هيسترية مجنونة:
"أيوه دي آخرتها لما ترميني عشان حته بنته لا راحت ولا چت.....عيلة صغيرة خدت جلبك اللي فضلت العمر كلاته أحارب بكل حاچة علمتني إياها امي......الجتل والخيانة.....السحر والاعمال.....حتي سمية بكل جسوتها وچبروتها وچمالها مجدرتش تاخدك مني"
*حلت القسوة مكان الضحكة ومدت كفها تتلمس وجهه وأكملت وهي تلهث:
"ليه حبيتها هي وأني لا......عشان أني مجدرتش أديك حجوجك زي أي ست.....ولا عشان هي كانت فاجرة ولحمها رخيص وسرجتك بلحمها"
*ضرب رأسها بقوة فوق البساط فصرخت متألمة ووقف يشرف عليها من علو......ثم جذبها بقبضته قائلا بفحيح:
"عشجي ليها أتزرع جوه جلبي من وهي لساتها في اللفة أولت ما حملتها بين يدي.....وجت نضرتني جولت وحلفت إنها هتكون هي أم عيالي......ده عشج طاهر ياغالية اللي زيك متعرفوش لأني عمري ماحبيتك حاولت بس زي مايكون ربنا مكنش رايد شيطانه زيكى تاخد وياها مكان في جلبي......وينها أميمة ومهدي أتحدتي يا غالية أحسنلك"
*هزت رأسها تهمس أمام وجهه الغاضب الوسيم:
"هجولك عشان خلاص مبجاش ينفع السكوت....آباي
عليك ياولد عمتي كانك غاوي وچع جلب وحيرة"
*بلال و سلمان تجمدا في مكانهما وهما يسمعان غالية تضحك وتقل لحمزه الذي يتمالك نفسه حتي النهاية ليعرف منها كل شيء......وها هي تسرد عليه بمنتهى الصلف والغرور كل ماخططوا له ببشاعة لاتوصف:
*ضمت شفتيها ودمدمت وهي تلهث:
"خلي الزينه تدوج شويه من المر والحسرة اللي دجتهم لما خدتك مني"
*أتسعت عيناه وأقترب وهو يقبض على ذراعيها بقوة كادت أن تنزعهما من جسدها:
"تجصدي إيه؟ أنتم ناويين على إيه يا ولاد الكلاب أتحدتي جبل ما أخنجك بيدى"
*أبتسمت بغل وهمست بفحيح :
"أميمة دلوكيت في دارك.....وجوات جناحك أنت والمحروسة.....وبيدها هي كماني بتخنج ولد من
ولدك وولد العجربة اللي خدتك مني"
*لم يشعر بنفسه وقتها إلا وهو يصرخ بجنون ويطبق بقوة على عنقها حتى سقطت بين يديه مقطوعة الأنفاس:
"لاااا ولدي لااااا........ولدي لااااا ياغالية عجتلكم كلاتكم عجتلكم"
*بسرعة كان سلمان يكبل ذراعي حمزه الذي يصرخ كأسد جريح أصيب في مقتل.......وبلال ينتزع غالية من بين يديه ويضعها فوق أقرب اريكة ويصرخ فيه:
"أنت أتچنيت عاد عايز تدخل السجن عشان حبه مچرمين أهدى.....أهدى يا خوي"
*بنفس الوقت كان حمزه يحاول أن يفلت ذراعيه المكبلين من قبل سلمان وهو يصرخ بأعلى صوته بقوة وقهر:
"بعد عني ولدي في خطر.......هملونى......هملني بجولك"
*هتف بلال وهو يضرب بخفة فوق وجنة غالية التي بدأت تستعيد وعيها شيئا فشيئا وقد تجمع سكان البناية على صوت الصراخ.....وأحدهم يهتف:
"أتصلوا بالبوليس بسرعة.....فين حمدي بتاع الأمن؟"
"خدوا من أهنيه ياسلمان بسرعة.....جبل ما يجي البوليس......بسرعة"
*ظل بلال يردد بخوف لسلمان الذي نفذت قوته أمام هذا الأسد الهائج من ثورته.....وحينما أفلته سلمان ركض كالمجنون وخلفه سلمان الذي رفع سلاحه لأخافة سكان البناية الذين حاولوا اعتراض طريق حمزه وسلمان وخلفهما بلال الذي أشار لغالية التي أستعادت وعيها أخيرا:
"خوكي ميت الليلة يابت فاطمة الهوارى"
*صرخت وهي تحاول أن تتزن وتركض خلفهم وهي تصرخ وتعول كمجذوبة فقدت ماتبقى من عقلها تحت بصر ومسمع الجيران:
"ولدك هيتجتل الليلة ياولد دهب.....ولدك زمانته مات
قلبك هيتجهر عليه الليلة وراح تاخد عزاه......هلعنك ياولد الناجي......هلعنك طول عمري انت ولدك الباجين
تنجهر عليهم واحد واحد......هلعنك ياولد دهب"
*كان صراخها يدوي بين الجدران وهي تحاول اللحاق بهم فوق الدرج حتى شعرت بأن قلبها المريض توقف
وباتت لا تستطيع التنفس....ساقاها أصبحت كالهلام و روحها تتمزق ظلت تلتقط أنفاسها بصعوبة وتجاهد للبقاء حتى آنت ساعة العدالة الألهية وتعثرت إحدى قدميها فوق الدرج وسقط جسدها كله ينزلق سريعا فوق الدرج الرخامي حتى استقر أسفل الدرج على صرخة أحد السكان وهو يقول:
"أطلبوا الإسعاف بسرعة"
*فأجاب ساكن آخر بوجه شاحب وهو يفحص نبضها وبدا عليه أنه طبيب:
"أتصلوا بالبوليس الأول......دي ماتت"
************************
*تجمع الرجال حول السراي داخلها وخارجها حتى مناع العريس.......كان أول المتقدمين للبحث وسط تلك المساحة الشاسعة حول القصر الكبير وعندما سأل مناع عن الجهة الشرقية أجاب رجل:
"متخافش ياريس الولد عتمان واجف فيها ومبحلج عيونه"
*قال مناع بخشونة وهو يهب ذاهبا إلى تلك الجهة:
"يجطع خبرك يابهيم......عتمان لوحديه مش كفايه
الجهة دي بالذات ناحية چناح الكبير"
*وركض مناع وبعض الرجال ألي هذه الجهة سريعا....
*عندما أحس مهدي بحركة مستمرة حول القصر وصوت صراخ حاول الهرب قبل أن يقبض عليه رجال الناجوية ووقتها لن يرحموه حتى والده إذا عاد من قبره ليشفع له..............خاصة أنه أصبح قاتل بالفعل:
*نظر إلى أسفل الشجرة الكبيرة يتطلع إلى جسد عتمان الذي لفظ أخر أنفاسه إثر طعنة غادرة من مهدي.....طعنة خائنة ضربها من الخلف وبعدها حمله ووضعه خلف الشجرة الكبيرة مكان الأتفاق..........سب مهدي بألفاظ بذيئة وقد بدأ مفعول المخدر يزول من جسده ونظر إلى الشرفة قائلا:
"أني مليش فيه يكش يولعوا كلاتهم بجاز.......أنا اهرب وأجول يا فكيك....أنا معايزش أموت دلوكيت واصل أروح أدس عند روح عاد"
*وبالفعل بدأ مهدي ينظر حوله بريبة وسريعا هرول في لمح البصر إلى السور الحديدى قبل أن يدركه أحد وأخذ يتسلقه......ولكن الجلباب الواسع كان يعوق حركته إلا أنه عندما تمكن أخيرا من بلوغ نهاية السور شعر بشئ ما يغرس بظهره وصوت خشن غليظ يقول من خلفه:
"على وين يامهدي.....حركة كماني وهيكون بارود بندقيتي كلاته راشج في ضهرك"
*التفت مهدي برأسه مرعوبا يشعر بأن هذه اللحظة تحديدا هي نهايته وعلى يد من............مناع صاحب الوجه الحجري والتصويب الذي لا يخيب.......لقد تعلم فن النشان والتصويب على يد حسين الناجي هو حمزه معا...........وها هو يقع تحت يد من لا يرحم مناع أكثر الأشخاص بطشا بعد حمزه الناجي:
"أني.....أني معملتش أيتها حاجه يا مناع.....أني أهه
هنزل"
*تمتم مهدي بتلعثم وهو ينزل من فوق السور ومازالت بندقية مناع الآلية تخترق ظهره......وأمام مناع ركع مهدي يصرخ:
"أني معملتش أيتها حاجه أني أهه جدامك"
"ياريس لاجينا عتمان مجتول ورا الثجرة أهنيه"
*هتف المقدس مرقس ذراع مناع وسعفان الأيسر... فما كان من مناع إلا أنه زام بغضب وأخذ يركل مهدي بكل قوته وبكعب بدقيته ظل يضربه بقوة ومهدي يصرخ كالنسوة:
"أني معملتش أيتها حاجه.....أني مجتلتيش"
"سد خشمك العفش دهو.....لأحسن أفرجع راسك العطن يا يابن فاطمة......سد خشمك"
*أومأ مهدي برأسه.....وهو يرتجف حتى توقف أمام ناظريه حذاء أسود لامع......وهتف بعنف وهو يجثم أمامه قائلا:
"أميمة في الحفظ والصون يا مهدي.....وغاليه ماتت"
"اني معملتش أيتها حاچه يا عمار......معرفش حاچه أميمة وغالية هما السبب يا عمار......أحب على يدك أعمل معروف أني......."
*لكمة قوية سددها عمار بقبضة يده لمهدي....قبل أن يقول له بغل:
"دبور و زن على خراب عشه يا مهدي.....ع العموم
أنت حسابك لساته هيبتدى بس بالأول في ضيفة رايدة تشوفك جوي"
"مناع"
*صاح عمار وهو يرمق جثة عتمان بحزن......فأجاب مناع بنفس الحزن:
"أمرك يا ضاكتور"
"أربطوه كيف البهيمة.......بس جلعوه خلجاته كلاتها بس هملوه مستور ودخلوا عليه الست"
*تحرك عمار ناحية القصر على صوت وصول سيارة الإسعاف التي وصلت للتو أمام بوابة السراى الذي تحول الفرح فيه إلى عوايل وصراخ قوي.........
*لم ينتظر حتى تتوقف سيارة سلمان قفز منها سريعا إلى القصر وقد بهت وجهه وأزرقت شفتاه وأحس بأن
حياته الآن علي حد السيف.......تمتم وقد جمدت البرودة الدماء في عروقه قبل أن يدلف إلى المجهول:
"الصبر من عنديك يارب"
*************************
*وقفت روح أمام مهدي عاري الجسد الا من ملابسه الداخلية التي تستر عورته.......مجروح ينزف ويصرخ ولكن صرخته كانت من ألم جسده الذي فقد مفعول المخدر:
*تبسمت وهي تغرس كعب حذائها فوق صدره وبصوت ناقوسي قالت له:
"عيبك انك غبي اكتر من اللزوم يامهدي.....اهو دارت الايام انت في نفس حالتي اللي سبتني عليها بعد ما قتلت ابني"
*رفع مهدي عيناه المتورمة بكدمة زرقاء من أثر الضرب وهتف متفاجي:
"رو....روح انتي أهنيه"
"ايوه انا هنا عشان اشوفك وانت زي الكلب......كلب و
جبان ملكش أمان قتلت ابني وحرمتني منه.....بس
انا هعيش يامهدي مع جوزي اللي بيحبني مع علوي
الراجل اللي يستاهل حبي.......مش انت ياكلب"
*ضحك مهدي بوجع وقد بدا الأمر أمامه أكثر وضوحا من ذي قبل:
"علوي يبجا چوزك.......يعني انتي السبب في كل دهو ياغازية يافاجرة"
"الفاجرة ديه اللي عملتك يامهدي......وهي اللي قضت عليك......هتعيش شمام كلب مستني شمة.....والشمة ايه بين أيدي........حياتك كلها بيقت بين أيدي يامهدي"
*وأمام عيناه المتلهفة إلى تلك الورقة الصغيره التي تحتوي على مسحوق الهيروين المخدر......نثرت المسحوق فوق مقدمة حذائها........فما كان من مهدي الا انه ركع أمامها يلعق مقدمة حذائها ويستنشق من فوقه المسحوق........تعالت ضحكاتها وهي تدفع
وجهه بقدميها وتقول بارتياح:
"جه اليوم اللي ركعت فيه قدامي ومش كده وبس ده انت بوست جزمتي ونظفتها بلسانها القذر يا أقذر خلق الله"
*صاح مهدي صارخا وهو يزحف خلف حذاء روح:
"روح متهملنيش.....اني مهدي ياروح......رووووووح"
*لم تلفت إليه ورحلت وكأنها لم تراه ولم تسمعه من قبل وهي تمسك بيد علوي زوجها وتخرج أمام الجميع برأس مرفوعه.....وقلب راضي تركا خلفها ماضي اليم انتهى للأبد:
****************************
*عندما خطي إلى داخل القصر ووفوجئ بعويل النسوة من حوله كانت عيناه تدور في محجريها تبحث عن والدته.......وآه من قلب رجل لايهاب إلا الله سبحانه وتعالي وأمه يهاب فقدها.....بعدها.....خسارتها فهي القوة والضعف الفرح والحزن.....القوة التي وهبها الله لحمزه الناجي سرها هو دهب الناجي وكفى:
*صوت بكاء سلمي وركضها على زوجها الذي فتح ذراعاه لجسدها يستقبلها ويضمها.........جعله على وشك السقوط فتمسك بالدرج الداخلي:
"الخالة سهيلة......الخالة سهيلة يابلال بين الحيا والموت"
*تنفس وهرول فوق الدرج وقد أزداد عمره الضعف وربما أكثر.....وعندما وصل إلى باب جناحه كانت أولى المفاجآت:
*أميمة تقف بين رجاله بجلباب اسود ملطخ بالدماء.....وشعر أشعث وعينان ذئبية حاقدة وكانت أولى صرخاتها عندما رأت حمزه أمامها وقالت وهي تحاول الهجوم عليه:
*مش هسيبك يا حمزه.....مش هسيبك.....أنا اميمة فاخر.....أنا أميمة فاهم"
*أبتلع ريقه وأشار إلى سعفان قائلا بصوت فاقد الحياة:
"خدوها على تحت وأطلبوا المركز"
"ولدي.....ألف حمد وشكر ليك يارب"
*أرتمت دهب علي صدره فقبل رأسها وضمها بقوة إليه وهمس بهدوء وقد أصابته حالة من الذهول:
"الحمد لله ياما إنك بخير.....روحي فداكي ياما جوليلي إنك بخير ياما وإن على ولدي بخير ياما.....على محصلوش أيتها حاجة"
*ربتت دهب فوق ظهره بحنان ونظرت إليه مليا ثم قالت ببكاء:
"ولدك بخير ياجلب أمك الحمد لله والشكر لله.....ربنا
حفظه ياولدي هو مع مرت عمه في أوضتها أطمن يا نضري....أدخل لمرتك ياولدي وصبر جلبها"
"ماتت.....الست سهيلة ماتت"
*همهم وهو يتقدم من غرفته.......فهزت دهب رأسها نافيه وشهقت ببكاء:
"لا ياولدي بس حالتها صعبة جوي"
*دلف إلى الغرفة على صرخة نيرة ورجال الإسعاف يحملون سهيلة فوق السرير النقال وهي غارقة في دمائها تنزف إثر رصاصة أخترقت صدرها ظلت نيرة تصرخ وتبكي بصوت مبحوح:
"أمي....ردي عليا يا ماما......ماما يا حمزه أميمة قتلتها
أميمة قتلت ماما وحرمتني منها.....وكانت عايزه تقتل على"
*ضمها بقوة لصدره وأخذ يقبل رأسها ووجهها أمام الجميع وهو يتمتم بصوت خافت:
"متبكيش أني أهنيه......متبكيش يا جلبي"
*ظلت متمسكة بجلبابه بيديها الملطختان بدماء أمها وتقول بصوت باك مبحوح:
"أمي.....أمي ياحمزه"
*تحدث بلال مع طبيب الإسعاف وهز رأسه بيأس وأشار لحمزة أن يأت خلفه.......تركها بقلب مفطور بين أحضان والدته و رافق بلال خلف السرير النقال الذي يرقد فوقه جسد سهيلة التي أوشكت أن تفارق الحياة
"الحالة صعبه جوي ربنا يستر.....الرصاصة جريبة من الجلب.......أنا هروح معاهم المستشفى وأحضر العملية
وأنت خليك أهنيه ويا مرتك"
*قال حمزة بحزن:
"أنا لازمن أجي وياك....أمي و عمار أهنيه و سلمان ومأمور المركز على وصول"
"أنا جايه معاكم"
*قالت ببكاء وهي تلف وشاح أسود حول رأسها وضعته لها إحدى نساء العائلة.......وعندما حاول حمزه الأعتراض صرخت وهي تركض خلف رجال الإسعاف:
"أنا مش هسيب أمي وحدها.......لازم أكون معاها"
*أمسك بذراعها وهمس وهو يجذبها لحضنه:
"حاضر......تعالي وياي في العربية بلال هيبجى وياها في الإسعاف"
*خضعت لنبرة صوته الهادئة وأتكات عليه وهي تبكي وتردد:
"يارب.....أحفظ امي.....يارب متحرمنيش منها يارب"
*********************
بعد يومين
* كانت سهيلة قد خضعت لعملية جراحية صعبة في صراع قوي بين الحياة والموت داخل غرفة العمليات أستمرت لسبع ساعات متواصلة حتى أستطاع جراح القلب أخراج الرصاصة التي أستقرت بجانب القلب مباشرة......وبعدها نقلت إلى غرفة العناية المركزة ترقد بين الحياة والموت ونيرة تقف أمامها تراقبها وتدعو الله أن يحفظ والدتها التي ضحت بعمرها في سبيل إنقاذ حفيدها على:
*وأمام وكيل النيابة الذي تولى التحقيق كانت تجلس شيماء الشاهدة الوحيدة على الحادث
*وكيل النيابة...
س: أسمك بالكامل؟
*شيماء التي كانت ترتجف من الخوف:
ج:شيماء مصطفى أبو منصور.
*وكيل النيابة.....
"تقدري ياشيماء تقولي بالتفصيل إيه اللي حصل وقت الحادث.....وأزاي أميمة أطلقت الرصاص على المجني عليها سهيلة"
*فركت شيماء كفيها المرتجفين وبكت وهي تتذكر ما حدث:
"أيوه يابيه.....أجدر أجولك كل حاچه حوصلت"
*وبدأت شيماء في سرد ماحدث في تلك الليلة المشؤومة بأدق التفاصيل.
يتبع
أنت تقرأ
أهـــــــــــــــواك قـــــــــــــــلبي
Romanceرواية مكتملة الجزء الثاني من سلسلة 🔗 عن العشق والهوي