الفصل السابع " الحزء الأول"

4.7K 335 23
                                    

الفصل السابع

  أنا المعافى الآن، سيِّدُ فُرصتي
في الحب. لا أنسى ولا أتذكّر الماضي،
لأني الآن أولدُ، هكذا من كلّ شيء..
أصنعُ الماضي إذا احتاجَ الهواء إلى سلالته
وأفسدَه الغبار. وُلدتُ دون صعوبة،
كبناتِ آوى، كالسمندلِ، كالغراب. ولم أهنئ
والديَّ بصحتي وسلامتي. والآن، أقفزُ
صاحياً وأرى وأسمع.
              أنا المعافى الآن، سيِّدُ فُرصتي
                            في الحب.

كان يجلس أمامها في هدوءٍ لا يشعر به البتة، كان يجلس على مقعده براحة ويسند مرفقيه لركبتيه ويمسح بيُمناه على يسراه.. في حركة عصبية لم تألفها فلك
كان وجهه هادئ كما العادة، يركز عينيه على نقطة بعيدة جدًا وكأنه لا يراها.. وحتى او نظر لعينيها فهو أيضًا لا يراها.

كانت تتململ في جلستها بتوتر وعصبية غريبة على طباعها، كانت تدري أنها أخطأت في شيء ما.. لا بل تدري ما الخطأ الذي دفعه ليأتي من المدينة للقرية كي يراها
كانت كمن أكل اللحم النيئ وتتلوى بطنه ألمًا
لذا حاولت التغلب على عصبيتها وهي تغمغم بهدوءٍ فاتر..
-طلبت رؤيتي بشكلٍ عاجل يا عبدالعزيز

حرك رأسه بإيجاب قبل أن يرمقها بنظرة ذات مغزى جعلتها تنكمش بتوتر أكبر.. خرج صوته حاد ممتزج بالضيق الذي يقبع فوق صدره فقال..
-(أنا لا أحب اللون الرمادي يا فلك.. تذكرين هذه الجملة في يوم خطبتنا أليس كذلك !؟)

حركت رأسها بعصبية وزادت برودة جسدها وعقلها يستحضر ذكرى مشابهة لتلك الجملة.
قالها في يوم اتفاقهم عن الخطبة حينما جلست أمامه بملامح باردة وعيون خاوية وكان هو مثلها.. لا يبالي بشيء، كان كمن يقضي واجب لا أكثر.. والشعور الذي جمعهم كان أقوى، شعور الاضطرار !!
حينها ألقى كلماته بهدوء يحمل تحذير حاد...
-(لا شأن لي بما مضى، شأني لما هو آت.. لذا تذكري يا فلك أنا لا أحب اللون الرمادي، إما الأبيض أو الأسود.. عليكِ الاختيار بين الاثنين لا ثالث لهما ولا خلط بينهما
تفهمين ما أقصد يا فلك)

كانت تدري مقصده.. تعلم انه يخيرها بين ذكراها مع عنان، وبين مستقبلها معه.. يحذرها أنه لن يعيش على ذكرى أخر ولن يكون صورة باهتة من رجلٍ كان له اثر في حياتها.
حينها ضربتها الصدمة أنه كان يدري بما جمعها مع عنان.. كان حبهما سري جدًا لا يعلم أحد عنه شيء.. وحتى حينما انفصلت عن عنان، لم يدري أحد بما حدث
كانت جيدة في الكتمان وحريصة على اخفاء تفاصيل حياتها العاطفية
ولكن عبدالعزيز كان يدري بما كان، ورغم ذلك تقدم لها !!
ابتلعت رمقها بسرعة وأسدلت أهدابها للحظات، تخفي عنه ما ظهر في عينيها، تقبض على ردائها بأنامل مشتدة عصبية وكأنها تود تمزيقه وتمزيق عنان لأشلاء.

ولكن بالأخير رفعت وجهها له وتمتمت بنبرة فاترة حملت ما يكفي من قوتها وكبريائها الذي ورثته عن أل غانم فتمتمت...
-(أفهمك ياعنان)

(غصونك تُزهر عشقًا) حيث تعيش القصص. اكتشف الآن