جلست السيدة أميرة على أريكتها الأثيرة وكفها يحتضن فنجان القهوة السوداء المُره ترتشفها ببطئٍ شديد وعينيها تسبح في الفراغ أمامها، عقلها بعيد كل البُعد عن مكانها وحاضرها، نظرة عينيها الحزينة تلائم لباسها الأسود الذي لم تخلعه منذ سنواتٍ طويلة، وقد أقسمت حينها ألا تخلعه إلا حينما ينتقم الله لها ممن دمروا حياتها وسلبوا ولدها أغلى ما يملك، ولكن مرت السنوات وباتت ترتدي الأسود حزنًا على حال بِكرها وألمًا لفراق ولدها الأوسط فايز
انتزعه الموت من بين أحضانها ورحل وهو في عمر الزهور، لذا لم تعد تؤثر بها مرارة القهوة السوداء، فقد تركت الدنيا في حلقها مُر لم يمحوه طعم العسل، أو قطع السُكر، لا يغلب المُر سوى مُر أشد منه.
انتبهت من شرودها وهي ترى ابنتها تجلس أمامها بوجهٍ واجم وعينين تقدح بغضبها المكتوم وحدتها اللاذعة، فتنهدت أميرة وهي تضع كوب قهوتها على المنضدة وأمسكت سبحتها الطويلة قائلة بهدوء...
-(ما بال نظراتك يابنت أميرة، لو كانت النظرات تقتُل لقتلتيني بها، هاتِ ما عندك )زفرت فلك بحدة وهي تشيح عينيها عنها للحظات قبل أن تنظر لها مره أخرى وتقول بنبرة مشدودة كالوتر الحاد..
-(معاذ الله يا أمي، ولكن هل لكِ أن تخبريني سبب قرارك ألا تدعي فيدرا تباشر في الجامعة، ألم نتفق أن تكمل دراستها ما دامت تريد التعليم !)بدى الفتور واضحًا على وجه أميرة وكذلك نفاذ صبرها الذي ظهر في نظراتها الهادئة وهي تنظر لابنتها الحادة " فلك".. أكملت الذِكر على مسبحتها دون أن تقول شيء يفتح باب نقاش قد أغلقته سابقًا
ولكن كانت فلك تملك من الإصرار ما يجعلها تتحدث مره أخرى بنبرة منفعلة رغم خفوتها وقد ضاق صدرها من قرارات والدتها فقالت...
-(أمي لا تعاملي فيدرا بهذا الشكل، أنتِ تعلمين مدى تعلقها بالدراسة، بالأساس يجب أن تفخري بتفوقها وبإصرارها للتعلم و...)قاطعتها أميرة أخيرًا وقد جمعت سبحتها في كفها كعلامة على غضبها الذي بدأ يدق بابها بحذر كهدوء ما قبل العاصفة...
-(من أخبركِ أنني أحب تعليم الفتيات، لن أسمح لها أن تُضيع سنوات عمرها في الدراسة لمجرد أنها تعيش منهزمة بوهم شعورها تجاه ابن اختي، لقد صمتُ ست سنوات كاملة وأقول لا بأس دعيها تكمل دراستها ولا تعكري سعادتها باللقب الغالي الدكتورة ذهبت الدكتورة عادت، وها هي أنهت سنوات الجامعة وانتهينا )-(دراسة الطب لا تنتهي يا أمي، ثم أن فيدرا لا تدرس لهذا السبب بل انها...)
قاطعتها أميرة مره أخرى بنبرة أكثر حدة وقد تعكر وجهها كليًا وهي تغمغم بفتور...
-(فيدرا ذكية دراسيًا، لكنها مُشتتة القلب والمشاعر، أحبت نُصير ولكنه صدمها برفضه لها واخبارها أنها لا تحل له بسبب رضاعته مع فراس، ثم أحبت عنان فصُدمت بكثرة علاقاته النسائية وأنه لا يكترث لها، وبالأخير بدأت تنجذب للطبيب المُشرف على رسالتها.. وستأتيني باكية حينما تُدرك أنه لا يصلح لها.. لن أنتظر انتكاسة جديدة وانعزالٍ أكثر، لا دراسة لفيدرا يعني لا دراسة، وهذا الأمر أُغلق نهائيًا يا فلك، ولشقيقك فراس كلمته الأخيرة وهو مؤيد لما أقول)
أنت تقرأ
(غصونك تُزهر عشقًا)
Romanceيناديها يا حفنة العسل فيسيل الحب في قلبها حارًا غصونك تُزهر غشقًا الرواية الأولى في سلسلة (لعنة تسمى العشق)