الفصل الثاني والعشرون

6K 548 56
                                    

الفصل الثانى والعشرون
....................................................................................

                                                     ***
استيقظت في تمام الساعة التاسعة صباحًا
منذ أن عملت معلمة في الحضانة المجاورة للبناية، وهي تستيقظ في الساعات الأولى من الصباح
كان روتينها معروف.. تيتيقظ باكرًا.. تذهب للحضانة وتُدرس الأطفال الحروف العربية.. وتجلس معهم حتى الساعة الثانية ظهرًا.. ثم تعود للشقة تحضر طعام الغداء لها ثم تستحم وتحادث شقيقتها فيدرا

وبعدها تفعل أي شيء يمرر وقتها
تشاهد التلفاز.. تقرأ في كتبها.. تنظف شقتها.. تشغل نفسها بالمشغولات اليدوية إلى أن تشعر بالتعب وتنام
ويأتي اليوم التالي وتكرر مهامها.. إلى أن اصبح الروتين قاتل.. ما عادت تدري ما هو الاختلاف
ما عادت تجد ما يسعدها.

غامت عيناها بحزن وهي تفكر في الماضي
حينما كانت تشغر بالملل كانت تقضي وقتها بالاسطبل مع الحصان جعفر.. تمرر يدها على جسده وتربت على رأسه.. تطعمه وتهمس له بأفكارها دون تردد وهي واثقة أنه لن يبوح.
أو تجلس مع أم عبده وتتسلى بحكاياتها التي لا تنتهي.. أو تجلس مع شقيقتها فيدرا.

كانت الاختيارات أمامها متعددة.. أما الآن فسجنها الانفرادي يجبرها على أشياء لا تشفي مللها.. بل تجعلها تشعر بمدى وحدتها ووحشتها أكثر.

تحركت في الفراش وهي تجذب هاتفها وتنظر للساعة.. اليوم هو الجمعة.. يوم اجازتها من الروضة
أمامها يوم طويل جدًا وممل بما يكفي لتقضيه وحدها وهي تصارع لتجد ما يسليها
وقفت عن الفراش واتجهت للحمام كي تغسل وجهها وتفرك أسنانها بقوة لتنظفها وهي شاردة تمامًا
ثم عادت لغرفتها وفتحت نافذتها كي تدع الشمس تهيمن على الأجواء الصامتة الكئيبة.. ثم شرعت في التنظيف بعدما جعلت اذاعة القرآن الكريم تصدح في الأرجاء وتؤنس وحدتها.

لقد خرجت للعمل في الروضة قبل شهرين.. وتحديدًا بعد أخر مواجهة بينها وبين عنان بيومٍ واحد.. قررت ألا تجلس في المنزل دون هدف.. وقد سبق لها وأنا قرأت إعلان مطبوع ومعلق على سُلم البناية عن احتياج الروضة المجاورة لمعلمة لغة عربية وأخرى للإنجليزية.. وكانت درايتها بالاثنين تجعلها مؤهلة للحصول على واحدة منهما.. وبالفعل ذهبت وتقدمت وبسبب شخصيتها وثقتها بنفسها قُبلت فورًا وفي اليوم التالي بدأت المداومة كمعلمة للغة العربية.

لن تنكر أن عملها في الروضة ساعدها كثيرًا بقضاء وقتها في شيء يشغلها.. فقد تفاجأت بمدى انسجامها مع الأطفال واكتشفت أنها تحبهم جدًا وتحب التعامل مع فطرتهم البريئة.. ولكنها لم تتألف مع زميلاتها
رغم محاولاتهم للتقرب منها وانشاء صداقة معها، إلا أنهم ابتعدوا فورًا حينما بشرارات الكبرياء والتعالي في صمتها ونظراتها وانزوائها عنهم

لم تكن فلك اجتماعية أبدًا.. كانت محبوبة في عائلتها
وبين أصدقائها القدامى.. ولكنها لم تبادر أبدًا لانشاء الصداقات.. وفي ظروفها الحالية هي لا تود الاختلاط بأي شخصٍ كان.
كانت أفكارها تعمل اثناء تنظيفها.. فلم تنتبه أنها نظفت الشقة كلها في أقل من ساعتين !!
تنهدت بثقل حينما وقعت عيناها على الغرفة المغلقة أمامها.. كانت الغرفة الوحيدة التي لا تدخلها ولا تضع عليها اصبع واحد.. غرفة عنان

(غصونك تُزهر عشقًا) حيث تعيش القصص. اكتشف الآن