الفصل الرابع والعشرون (جزء أول)

6.6K 372 41
                                    

الفصل الرابع والعشرون
...........................................................

كان مذياع اليخت لا يحمل سوى أغنية واحدة تتكرر مره بعد أخرى كلما تنتهي.. ورغم ذلك لم تُضايق نُصير
فالأغنية اللحوحة كانت الوحيدة التي تُسلي وحدته منذ أن تركته مرام لتبدل ملابسها، ولكنها سقطت غافية جوار طفلها... لذا لم يُسليه اثناء قيادة اليخت سوى الأغنية الوحيدة...
                        خذني إليك
               قد حار نبضي في الهوى بين يديك
               قد سال الورد دمعاً مراً شوقاً إليك
               موتاً حياةً لا أبالي فقلبي لديك ..

                          خذني إليك .!!
         أرتشف النور وأعتصر الرحيق من ثغر الشذى
          يعانق روحي وردٌ أحمر فيه الردى
         يا ضحكةً أشيح عنها ظل الندى ..
                         خذني إلييك .!!

مضت خمس ساعات منذ أن بدأ اليخت يجول بين طيات الأمواج، ويتراقص عليها بخفة كغجرية على الرمال
وكان قائده هو نُصير الذي أخذ على عاتقه قيادته حيث يريد، وقد ترك الفرصة لمرام كي تنام قليلا جوار صغيرها في الكابينة أسفل اليخت، قبل أن يبدأ يومهم الترفيهي
وبعد وقت، وقد استقر اليخت الحديث في منتصف البحر
ترك نُصير الأمر للقيادة الآلية وقرر أن يسترخي على السطح ويترك الشمس تترك ألوانها على جلده وتصبغه بلون محبب لا يزيده سوى جاذبية وخشونة.

تنفس الصعداء وهو يتمدد على المقعد الطويل المسطح
بعدما وضع نظارته الشمسية على عينه كي يغلقها بسلام دون أن تزعجة الشمس بخيوطها اللامعة
وكالعادة منذ أسابيع
ما ان أغلق عينه وبدأت غفوته تأخذه متراقصة على الأمواج.. رآها مره أخرى في اللا وعي

رؤيته لمرام في حُلمه لم تكن غريبة، فـ لأسابيع طويلة يراها اثناء نومه من كثر تفكيره بها.. كان عقله الباطن يسترجعها وهي في كل أحوالها
غاضبة، هادئة، باكية، عاتبة، مغوية
كانت تأتيه بألف حال، تارة تلومه على ما حدث لها
تارة تبكي على صدره، تارة تصفعه بكل غضب على وجهه
تارة ترتمي على صدره وتغويه بكل محاسنها وفتنتها
كان عقله ينسج الحكايات ويسردها عليه اثناء نومه، فيعيش معها الخيال الذي فشل في صنعه في الواقع.

وفي هذه اللحظة حينما حضرت وطغت أحلامه
بدت فينوس الجمال، لم يكن وجه مرام الذي اعتاده، بل أكثر اشراق وجمالا، وكأنها نُفحت بنفحة من النعيم جعلتها تبدو كأنها حورية بحر.
تلمع من كثرة اشراقها، تُشعل النار في بدنه وكأنها فتحت عليه باب من الجحيم.. كانت تجلس بين يديه، تميل عليه
ولكنه غير قادر على لمسها مهما حاول القبض على جلدها الناعم، لا تصل أنامله سوى للسراب.

دب الضيق في صدره وحاول مد ذراعيه مره أخرى بيتلقفها ولكنها بدت كشيء يُرى ولا يُمس
كصورة فقط لا تكفي سوى عيناه
فتح عيناه بذهول وحاول مسها مره أخرى ولكنه فشل
فضحكت بنعومة ومالت رأسها للخلف في حركة تلازمها اثناء الضحك.. كانت تضحك على ذهوله وغضبه كلما حاول لمسها فتبدو سراب
وقبل أن يبتعد عنها غاضبًا، وجدها تميل على صدره برقة الريشة في وزنها.. تنظر له بعيون لامعة كالنجوم، ولكنها كانت نجوم تقذف ألسنه نار ذهبية، تُذيب ما تبقى في نفسه من صلابة.

(غصونك تُزهر عشقًا) حيث تعيش القصص. اكتشف الآن