الفصل الرابع عشر "آلام الماضي"

740 50 7
                                    

في عروس البحر الأبيض المتوسط ، في الإسكندرية

على شاطيء البحر يجلس ضياء ، نسمات الهواء تداعب خصلات شعره البنية ، ينظر لما حوله من الأطفال و الكبار ، المراهقين و الشباب ، الصغار و الشيوخ ، العاشقون و المعشوقون ، أطفال تجري هُنا و هُناك تلعب و تلهو ، يسعدون بأهلهم و أهلهم سعيدون بهم ، ينظر لهم بحزن و يَغّصْ على حاله الأليم ،
يستمع لحديث أُم تحنو على صغيرها و تحتويه خائفةً عليه من نسمات الهواء الباردة ،
يتذكر طفولته عندما كان يمرض أو يصيبه أي مكروة ، فوالدته لم يخطر على خاطرها إحدى المرات أن تطمئن عليه ، تتركه مع المربية و حسب. تتركه! ، نعم هي تركته في آمس الأوقات الذي كان يرغب فيها بالبعض من وقتها الثمين ، لم تفكر هي يومًا أن تتفقد أحواله ، فقد خذلته و هو طفلٌ غير مُدرك بأي شئ فقط يريد حنانها ، وخذلته و هو شاب ؛ فخسرته للأبد...

إستفاق من شروده و عيناه تسيل بالدمع على يد إمرأة عجوز تُربت على كتفه ، لا يعلم كيف وصل لتلك المرحلة و كيف خانه تفكيره و إنغمس في ذكريات ماضيه.
الإمرأة العجوز بلطف و رسمت على محياها إبتسامة تبث الطمأنينة في قلبه :
- مالك يا ابني؟
رفع ضياء بصره يطالع العجوز قائلًا بإبتسامة :
- مافيش حاجة يا امي ، كتر خيرك.
صمتت العجوز لبرهة ناظرتًا له بتمعن ثم نظرت للبحر و قالت :
- عارف يا ابني البحر دا ياما إتحمل مشاكل الناس ، ياما إمتص غضب ناس ، ياما شاف فرحة ناس ، الواحد مننا بيجي يشكي له همُّه و يحس بعدها أنه إرتاح كأن البحر بيطبطب عليه ، طول عمره البحر بيستحمل رغم إنه سائل ، شكله جميل زي ما هو و صافي من برا و من جوا ، عشان كدا الناس كلها بتحبه و بترتاح له.
أكملت حديثها ناصحتًا له :
- خليك يا ابني زي البحر مهما يجي عليك ناس و تحس بضغط إستحمل و متيأسش ، خلي روحك صافية زي البحر.

كان ضياء ينصت لحديثها جيدًا ، استمتع بحديثها الموزون و نصائحها الحكيمة ، شكرها على تلك النصيحة و وعدها أن يفعل بها ، فنهضت هي و ظل هو يحلل حديثها و كلامها داخل عقله.
اخرج ضياء هاتفه و فتح إحدى وسائل التواصل الإجتماعي ( واتس آب ) ، و تحركت أصابعه نحو محادثة أخيه و كتب له رسالة مضمونها
" شاهين أنا دلوقتي في إسكندرية متقلقوش عليا "
و بعد إرساله للرسالة اغلق الهاتف و وضعه جانبًا.

في قصر الرشيدي

بينما كانوا هم على حالتهم المتوترة بعدما أمر شاهين بعض الحراس أن يذهبوا ليبحثوا عن ضياء و مرّ الكثير من الوقت دون أن يخبرهم إحدى الحراس أي معلومة عن ضياء ، وصلت لشاهين رسالة على هاتفه ، فتحها سريعًا و وجد الرسالة من ضياء ، قراء محتوى الرسالة فظهر على وجهه ملامح الغضب.
اغلق الهاتف بغيظ و وضعه في جيبه ( أتظن عزيزي القارئ أنه سيقذف الهاتف بغضب و من هذا القبيل ، لا فهذا الهاتف هو الإصدار الأخير من هواتف شركة "أيفون" ، بالتأكيد لن يكسره بتلك السهولة ).
ثم قال و كاد ينفجر من الغيظ بسبب أفعال ذلك الأبلى ضياء : البارد ، البارد بيقولي أنه سافر إسكندرية.
تعجب عبدالرحمـٰن و نهض من مكانة :
- يعني إيه سافر .. سافر إزاي اصلًا.
ز

فر شاهين بضيق فهو قد ملَّ من أفعال ضياء التي يفعلها دون حسبان.
قطع عبدالرحمـٰن ذلك الصمت بقوله :
- هنعمل إيه؟
إقترحت عليهما زينة أن يذهبون له و يعرفون منه ما الخطب و لما فعل ذلك و ولد التوتر بينهم ، وافق عبدالرحمن على تلك الفكرة لكن رفض شاهين.
زينة و تحاول أن تتصنع البُكاء :
- يا شاهين بالله عليك ، الولد شكله فعلًا فيه حاجة و مش هتخسر حاجة لو جيت.
تنهد شاهين مردفًا :
- هنسيب رزان لوحدها مع امك إزاي .. دي مش بعيد تخلص منها هي و مي.
- هناخدها معانا.
قالتها زينة بلا مُبالاة و هي ترفع كتفيها.
شاهين و نظر لها بنصف عين :
- والله! .. حفلة هي ، اللي عايز يجي يجي.
و أكمل بنفاذ صبر :
- لا يا زينة أنا مستحيل آجي.
و كرر جملته الأخيرة ليأكد رفضه..

بعد نصف ساعة

كان يجلس شاهين بجانب عبدالرحمـٰن الذي كان يقود السيارة للسفر للإسكندرية
عبدالرحمـٰن بسخرية و هو يشبهه صوته بصوت شاهين :
- مستحيل آجي ، مستحيل .. مين كان بيقول كدا يا ترى؟
رمقه شاهين بإستحقار قائلًا :
- بس يا بني ادم أنتَ.
رزان و قد جاءت معهم برغبة من شاهين شعرت بالملل و قالت و هي تنظر للطريق :
- جبتوني معاكوا ليه؟
إستدار لها شاهين ليقول :
- دا انا نجدتك من ريا و سكينه اللي في البيت دول.
- ريا و سكينه!!
هتفت بها رزان بتعجب.
شاهين موضحًا حديثه :
- اقصد أمي و مي.
أومأت رزان برأسها و عادت لتنظر للطريق بشرود.

بعد مرور الوقت و قد وصلوا للإسكندرية بسلام ، أخرج شاهين هاتفه ليتصل على ضياء و وصله رد من الجانب الآخر.
ضياء بنبرة حزينة :
- عايز إيه يا شاهين.
رقَّ شاهين بنبرة ضياء و قال بهدوء :
- أنتَ فين يا ضياء ، إحنا لسة واصلين إسكندرية و فين مكانك عشان نجيلك.

وصف له ضياء العنوان بالتفصيل و ذهبوا إلى المكان و وجدوا ضياء على نفس حالته ، يجلس و يطالع من حوله بصمت.

تنهد شاهين بإرتياح  بينما ركدت زينه على أخيها تطمئن عليه ، رآهم ضياء فإبتسم إبتسامة عريضة قائلًا :
- انتوا إيه اللي جابكوا .. أنا شوية و كنت هرجع اصلًا.
همس عبدالرحمـٰن لنفسه و هو يلوي شفتاه :
- خيرًا تعمل  شرًا تلقى.
تحدث شاهين غاضبًا :
- إنتَ إيه اللي خلاك تمشي كدا .. جدك لحد دلوقتي ميعرفش و لو عرف مش هيحصل كويس.
ل

وَّح ضياء بيده قائلًا بصوت عالٍ : يعمل اللي يعملوا انا تعبت بقى كفاية....

___________________

اسفة على التأخير بجد و إن شاء الله هحاول انزل بإستمرار الفترة الجاية ، عايزة رأيكم في البارت❤️❤️

 قصر الرشيدي حيث تعيش القصص. اكتشف الآن