ايكسيون والعجلة الجهنمية

20 0 0
                                    

وفقًا للأساطير الإغريقية، ايكسيون Ixion كان زعيم من زعماء منطقة تساليا Thessaly في اليونان. في يوم قرر أنه يتزوج من الأمير الجميلة ديا Dia وفعلاً راح وطلبها من والدها الملك ووعده بتقديم بعض من خيوله المشهورة كمهر لها.

ايكسيون تزوج من ديا وأخدها تعيش معاه في قصره، الملك والد ديا فضل مستني ايكسيون يبعت له المهر المتفق عليه.. يوم واتنين وتلاتة ومفيش حاجة وصلت! الملك قال مابدهاش بقى وبعت مجموعة من رجاله لقصر ايكسيون علشان ياخدوا الخيل المتفق عليه بالعافية، وحصل فعلاً.

ايكسيون استشاط غضبًا أن حد تجرأ وأخد منه حاجة غصب عنه، فراح فكر في خطة انتقامية وعزم حماه الملك عنده في القصر بنية التصالح وإرجاع المياه لمجاريها، والراجل جيه بحسن نية مش مدي خوانة خالص. ايكسيون استقبل الملك وعزمه على وليمة عملاقة وبعدين وهما بيتمشوا في البلكونة راح زقه والراجل وقع على فحم مشتعل كان ايكسيون محضره مسبقًا.

طبعًا كلنا عارفين أن في الحضارة الإغريقية القديمة قتل الضيف كان بيعتبر من الجرائم الكبرى وإهانة للآلهة ذات نفسهم، فالناس لما عرفت بعملة ايكسيون المهببة في حق ضيفه، وحماه، بقوا يعاملوه كمجرم منبوذ وبيشتموه ويحدفوه بالطوب في الشارع لحد ما ساب المدينة خالص وفضل هايم على وجهه زي المجانين.

هنا بقى كبير الآلهة زيوس Zeus قرر يتدخل بعد ما شعر بالشفقة تجاه ايكسيون (محدش يسألني ليه مع أنه كان بيعاقب ناس على حاجات أهبل من كده بمراحل!) ورفع ايكسيون لجبل الأوليمب علشان يقعد في النعيم مع الآلهة شوية يفك عن نفسه ويتبسط كده. المهم، ايكسيون أول لما شاف هيرا Hera زوجة زيوس اتهبل عليها وفضل يلاحقها ويبصبص لها ويحاول يتقرب منها لحد ما هيرا اشتكته لزيوس وقالت له شوف لك حل في ابن العبيطة اللي أنت جبته ده. وعلشان يتأكد من كلامها، زيوس عمل سحابة على شكل هيرا بالظبط وقال لهيرا تختفي شوية. ايكسيون أول ما شاف السحابة افتكرها هيرا وقعد يتحرش بيها لحد ما مارس معاها الجنس، زيوس أول ما شاف اللي عمله ايكسيون اتجنن وأمر بمعاقبته بعقاب أبدي يليق بفعلته المهببة.

زيوس أمر بربط ايكسيون في عجلة من ايديه ورجليه، والعجلة دي هتفضل تدور للأبد في حقل من النار في تارتاروس Tartarus (الجحيم في الأساطير الإغريقية) وايكسيون هيدور معاها زي الفرخة في شواية الحاتي كده.

عادةً لما بقرأ أي قصة\أسطورة فيها البطل بيتعرض لمشاكل أو مصايب أوعذاب أبدي بتعاطف معاه على طول وبحاول أفهم دوافعه وأحط نفسي مكانه وأشوف إيه اللي ممكن يخلي شخص يتصرف كده، بس حقيقي ايكسيون مثال متوج في العفانة والدونية.. الراجل ماسبش خطيئة ولا مصيبة إلا وعملها: خيانة وحنث بالوعد وقتل وتحرش واغتصاب.. ما شاء الله ماشي بقائمة موبقات في جيبه.. ده مش بطل عنده خطأ\عيب تراجيدي أدى لسقوطه، ده هو كله خطأ أصلاً ماشي على رجلين. وده خلاني أفكر أن ايكسيون في الأسطورة ممكن مايكونش رمز لنموذج بشري مستقل بذاته وإنما هو مجاز لصفة بشرية محددة وهي الرغبة.

لو رجعنا للأسطورة تاني هنلاقي أن ايكسيون هو تجسد للرغبة بغشوميتها وتسرعها وإحساسها بالاستحقاق: شاف واحدة عجبته تزوجها من غير مقابل وكأنها حق مكتسب، واحد أخد منه حاجة مستحقة يقتله، شاف ربّة جميلة عجبته ينام معاها.. كل شيء سهل ومستحق ولازم يتحقق لحظيًا بغض النظر عن الأسباب والنتائج. الرغبة هي وليدة اللحظة دون أي اعتبارات أخرى زي ما اتكلمنا قبل كده في أتالانتا.

وعلشان كده الفيلسوف الألماني آرثر شوبينهاور Arthur Schopenhauer استخدم أسطورة ايكسيون وعقابه الأبدي علشان يقول لنا إننا كبشر كائنات مدوفعة برغباتها وده بيخلينا زي ايكسيون كده مربوطين في عجلة طول حياتنا وقاعدين نلف حوالين نفسنا في جحيم من الرغبات اللي مابتتحققش وحتى لو اتحققت بنحس بلحظات قصيرة جدًا لا تُذكر من النشوة ونرجع نلف تاني مع العجلة الجهنمية.

وعلشان كده الفيلسوف الألماني آرثر شوبينهاور Arthur Schopenhauer استخدم أسطورة ايكسيون وعقابه الأبدي علشان يقول لنا إننا كبشر كائنات مدوفعة برغباتها وده بيخلينا زي ايكسيون كده مربوطين في عجلة طول حياتنا وقاعدين نلف حوالين نفسنا في جحيم من الرغبات ا...

Ops! Esta imagem não segue nossas diretrizes de conteúdo. Para continuar a publicação, tente removê-la ou carregar outra.

الجميل في الموضوع بقى إن في أسطورة تانية كتبت عنها في مقالة سابقة  لما أورفيوس Orpheus الشاعر صاحب الصوت العذب الملائكي لما بينزل العالم السفلي علشان يتسعيد زوجته وبيغني لبيرسيفونPersephone على قيثارته يُقال إن عجلة ايكسيون توقفت عن الدوران والنيران توقفت عن حرق جسده، فقط في اللحظات القليلة اللي أورفيس كان بيغني فيها، وبعدها رجعت العجلة للدوران.. وكأن فعلاً ده بيصدق على كلام شوبينهاور أن العجلة قد تتوقف للحظات خاطفة بسبب قد يثري الروح، زي أغنية أورفيوس، ولكنها سرعان ما تعود للدوران مرة أخرى في حتمية أبدية.

فيه روايات للأسطورة بتقول إن ايكسيون فقد عقله بعد نبذ الناس له وكان بيمشي في الشوارع يزعق ويصرخ، وده بيخليني أفكر أن ممكن تكون الفقرة اللامنطقية بتاعت العفو الإلهي وشعور زيوس بالشفقة تجاهه ورفعه لجبل الأوليمب وتحرشه بهيرا قد تكون كلها كده من وحي خياله وأن عقله المثقل بالذنب حبسه في سيناريو تاني بيقابل فيه الكرم بالإساءة والحب بالفجر، وبكده بيصبح جنونه ده هو العجلة الجهنمية المربوط فيها للأبد.

حواديت قبل النومOnde histórias criam vida. Descubra agora