أسطورة النهاردة هتكون عن ديونيسيوس Dionysus إله الخمر والسكر والعربدة والفرفشة (برضه بيُطلق عليه اسم باخوس Bacchus) واللي بيعتبر من أكتر الآلهة الخارجة عن الأطر في الأساطير الإغريقية وده لأسباب هنعرفها دلوقتي ونبدأها بظروف ولادته.
الرواية الأولى بتقول إن زيوس Zeus – كالعادة – كان بيعطّ مع واحدة بشرية اسمها سيميلي Semele وطبعًا مراته الإلهة هيرا Hera شعرت بالغيرة فاتنكرت في صورة إنسانة وأتصاحبت على سيميلي اللي حكت لها عن حبيبها زيوس. هيرا فكرت في خطة جهنمية علشات تحط على جوزها وحبيبته سيميلي. بما إن زيوس ماكنش ينفع يظهر بصورته الحقيقية لأي بشري علشان مايتحرقش من نوره، فكان بيتنكر في شكل إنسان.. حيوان.. ماسورة مجاري.. أي حاجة، هيرا دخلت الشك في قلب سيميلي وقالت لها تعرفي منين يا حلوة إن اللي أنتي بتحبيه ده زيوس فعلاً؟ لازم تتأكدي وتطلبي منه يوريكي نفسه. وفعلاً وبناءً على تعليمات هيرا، سيميلي راحت لزيوس وقالت له هطلب منك طلب بس أوعدني إنك هتنفذه – وده كان جزء مهم جدًا من الخطة علشان الآلهة ماينفعش يخلفوا وعودهم – وفعلاً زيوس وعدها وقالها أومُري يا عروسة، فقالت له لو أنت بتحبني فعلاً وريني نفسك بصورتك الحقيقية. طبعًا زيوس أتكدر وماعرفش يفهمها لإنه أخد على نفسه وعد وفي الأخر عمل اللي هي طلبته وظهر بكل هيبته الآلهية قدامها والنتيجة كانت إنها ماستحملتش وأتحرقت المسكينة.
إيه علاقة ديونيسيوس بقى بده كله؟ سيميلي وقت الموقف ده كانت حامل ولما أتحرقت زيوس قدر ينقذ الجنين – محدش يسألني إزاي – وبما إن الجنين مكانش نموه مكتمل لسه فزيوس عمل جرح في فخده وحط الجنين فيه وقفل عليه – محدش يسألني إزاي برضه – وبعديها بفترة أتولد ديونيسيوس من فخدة زيوس.
فيه رواية تانية بتقول إن ديونيسيوس أصلاً ابن بيرسيفوني Persephone – وفي أقوال أخرى ديميتر Demeter – وإنه بعد ما أتولد هيرا كانت مستقصداه وسلطت عليه العمالقة titans فخطفوا الطفل وقطّعوه حتت وأكلوه، ولما زيوس أنقذه في أخر لحظة مكانش متبقي منه غير قلبه. زيوس أخد القلب وشرّبه لسيميلي في مشروب فحملت هي في ديونيسيوس وحصل اللي حصل فوق.
المهم يعني، هيرا ماسابتش ديونيسيوس في حاله حتى بعد ما أتولد وفضلت تطارده وهو طفل والولد أتشرد ياعيني في بقاع الأرض هربًا منها لحد ما زيوس بعته عند ناس ربوه كبنت كنوع من أنواع التمويه يعني. ديونيسيوس بعد ما كبر قرر إنه ينزل العالم السفلي يجيب أمه سيميلي اللي ماتت ويطلع بيها جبل الأوليمب ويحولها لواحدة من الآلهة.
قبل ما ندخل في شخصية ديونيسيوس، الموقف بتاع سيميلي ده أستوقفني وفكرني بأسطورة إيروس وسايكي – – لما سايكي أصرت إنها تشوف إيروس على الرغم من تحذيراته. سيميلي وسايكي الاتنين بيمثلوا رغبة الإنسان في الكشف عن المعرفة الكاملة المتمثلة في الأسطورتين في الآلهين زيوس وإيروس حتى لو المعرفة دي فيها هلاكه. هيرا في الأسطورة الأولى وأخوات سايكي في الأسطورة التانية لعبوا دور الشيطان وأغوهم بضرورة الاقتراب من النار\المعرفة المحرمة. موقف سيميلي ده برضه له بعد ديني وممكن يفكرنا بقصة النبي موسى لما طلب إنه يشوف ربنا وقال له مش هتقدر، وده يورينا إن من الحاجات اللي متأصلة في الوعي الإنساني الجمعي إن قدراتنا البشرية محدودة وغير قادرة على الفهم الكامل للحقيقة\الإله.
المثير للاهتمام إن في الأسطورتين، بعد ما سيميلي وسايكي شافوا الإله اتبهدلوا واتعذبوا بس في النهاية الاتنين طلعوا الأوليمب واتحولوا لآلهة (فاكرين قصة البيضة في قسم علم النفس؟).
نسيبنا من سيميلي بقى، دينيسيوس كإله وضعه مختلف عن بقية الآلهة لأنه أولاً أتولد مرتين، ثانيًا أتولد من أب إله وأم بشرية، ثالثًا أتولد مرة من أنثى ومرة تانية من ذكر.
موضوع ولادته كذا مرة ده بيمثل تجدده، يونج وبعديه هيلمان لما أتكلموا عن الأسطورة أشاروا إلى أهمية ولادة ديونيسيوس المتكررة وإنها بتمثل التجدد المتكرر لمفهومنا عن الإله\المعرفة. أما موضوع إنه أتولد مرة من ست ومرة من راجل ومن إله وبشرية فبيرمز لعبوره بالمعنى العام والجنسي.. ده غير إنه أتربى كبنت وهو صغير، وفي كل الإشارات له كان بيتوصف على إنه androgynous أو حامل للصفات الأنوثية والذكورية مع بعض وده بيكسر تابوهات كتير في عالم الأسطورة وفي الوعي الجمعي عامة. جايمس هيلمان James Hillman عالم النفس والمفكر الأمريكي كمان كتب عن إن إزاي شخصية ديونيسيوس بتمثل ال polytheistic psychology وفكرة إن النفس البشرية مدفوعة برغبات متعددة ومتداخلة كل واحدة ليها صفاتها وإن ده بينعكس على تعدد فكرتنا عن الأديان ومفهومنا عن المعرفة. وفقًا لهيلمان، شخصية ديونيسيوس تحديدًا بتتحدى المفهوم الديني والثقافي السائد عن الصفات اللي يجب توافرها في الإله (والإله هنا المقصود بيه الإيجو برضه أو صورة ال Self) وبتقدم لنا إله الحدود عنده بين الذكر والأنثى والألوهية والبشرية غير واضحة.
حاجة كمان ودي اللي أنا شايفاها بشكل واضح، ديونيسيوس بما إنه إله الخمر والشخلعة مرتبط دايمًا بالنشوة والسعادة الغريزية على عكس العقل والفكر. وماننساش كمان إنه أتولد من .. إحم.. فخد زيوس وده انعكس على شخصيته، على عكس أثينا اللي أتولدت من دماغه وانعكس عليها برضه (راجع اسطورة ميتيس). ديونيسيوس بيمثل النشوة بصورتها الأولية الخالية من القيود وإزاي إن الرغبة دي بتتجدد وبتتولد من جديد مهما حاولنا نقضي عليها. الجميل في ديونيسيوس كمان إنه ربط النشوة بالجانب الأنوثي – مش بشكل حصري أو دوني برضه – وده يُعتبر كسر آخر للتابوهات المتوارثة. الكثير من أتباع ديونيسيوس كانوا من النساء وكانوا بيقوموا بالصيد زيهم زي الرجال من الأتباع، ده غير إنه رفع من قيمة الستات في حياته: فاكرين أسطورة أريادني ؟ أتجوزها ورفعها لجبل الأوليمب وخلاها إلهة، وعمل نفس الموضوع مع أمه البشرية سيميلي.
مش هنتغاضى عن إن ديونيسيوس كان إله عربيد برضه وبينيل الدنيا كتير.. ديونيسيوس أحيانًا كان بيدفع أتباعه للإنغماس في الملذات علشان يتخطوا القيود الفكرية والجانب البشري من تكوينهم ، وممكن حد يشوف ده على إنه شر مطلق أو نوع من أنواع الإلهام أو الاقتراب من النار المحرمة. بس المهم إنه بيقدم لنا شخصية إله أقرب ما تكون من البشر في تعقيداتها وجوانبها المختلفة، وبيمثل النشوة بوجهيها المختلفين: الحرية والسعادة والزيادة من جانب، والعشوائية والجنون والإسراف من جانب آخر، وبيورينا إن الحقيقة قايمة على التنوع والتضاد.
VOCÊ ESTÁ LENDO
حواديت قبل النوم
Ficção Históricaتأملات بالعامية المصرية في الأساطير والفن والفلسفة وعلم النفس... من الحلة إليك