النهاردة هنرجع نتكلم عن الأساطير الإغريقية وبالأخص أسطورة تانتالوس Tantalus..
تانتالوس كان ملك صاحب سطوة واسعة ومن الحاجات اللي كانت بتميزه إنه نصف بشري لأن والده كان زيوس بذات نفسه (معروف طبعًا أن زيوس كان بيموت في العطّ.. مع آلهة، بشر، كلاب ضالة، أي حاجة). المهم إن تانتالوس كان من المقربين للآلهة جدًا لدرجة إنهم كانوا بيدعوه للولائم بتاعتهم في جبل الأولمب، بس مشكلة تانتالوس إنه كان بينقل الكلام والأسرار اللي بيسمعها بين الآلهة فوق لأصدقائه البشر على الأرض وده اللي خلى زيوس يقفش عليه أكتر من مرة. ده غير إن يُقال برضه أن تانتالوس في مرة سرق الأمبروزيا أو الطعام الخاص بالآلهة واللي كان معروف إنه بيهب العمر الطويل أو الأبدية لأي بشري يأكله، وده أثار غضب الآلهة طبعًا. بس كل ده لا يُقارن بالمصيبة السودا اللي تانتالوس قرر يعملها واللي أستحق عنها العذاب الأبدي..
في يوم من الأيام قرر تانتالوس إنه يرد للآلهة واجب الضيافة ويعزمهم عنده على وليمة كبيرة، بس بدل ما يقول للمدام تحضر صينية مكرونة بشاميل ولا حلة محشي راح أخد ابنه بيلوبس Pelops قطعه حتت وطبخه على النار!.. ولنا هنا وقفة.
أكيد طبعًا أول سؤال هيتبادر لذهننا هو إزاي – والأهم ليه – حد ممكن يعمل حاجة زي كده؟
والله يُقال إن تانتالوس كان بيختبر الآلهة وبيشوف إذا كانوا بالذكاء والحكمة اللي بيدعوها وهيتعرفوا على طعم اللحم البشري ولا لأ، وبيُقال برضه إنه كان عايز يقدم أسمى أنواع التضحيات من خلال التضحية بابنه اللي هو المفروض أغلى حاجة عنده. وسواء كان هدفه اختبار الآلهة أو الإذعان ليهم فالفكرة إن القرار اللي أخده ده كان نابع من إرادته الحرة اللي كان عايز يفرضها على الآلهة، لأن كل التضحيات في الأساطير والأديان بتُفرض يا لتحقيق هدف ما يا للانصياع للأوامر الآلهية، وفكرة إن تانتالوس يُقبِل على النوع ده من التضحيات من غير أي أوامر منهم أو من غير ما يبقى له هدف ما ضروري خلى فعل التضحية عبثي جدًا وفي نفس الوقت ثوري لأنه أفرغ الفعل من قدسيته وجرده أمام الآلهة كفعل عبثي في منتهى القسوة.
ده غير طبعًا فكرة إنه كان عايز يجبر الآلهة تأكل الخلق بتاعها بدون علمها، فعل آخر رمزي هدفه إظهار القسوة. وبرضه ما نقدرش ننسى إن أبو زيوس كرونوس (فاكرينه؟) كان بيأكل عياله وابنه زيوس الوحيد اللي فلت منه، فكأن تانتالوس بيعيد تاريخ الآلهة الأسود ده قدامهم بأكله لابنه.
المهم يعني إن الآلهة عرفت إن اللحم ده بشري من قبل ما يأكلوه (مفيش غير ديميتر اللي أكلت جزء منه، تحديدًا كتف بيلوبس، علشان كانت سرحانة). طبعًا لما الآلهة انتبهت لخديعة تانتالوس والهباب اللي هببه ده قرروا إنهم يرجعوا بيلوبس للحياة وكتفه اللي أتاكل ده عملوله غيره من العاج الأولمبي. وقرر زيوس إنه يعاقب تانتالوس بعقاب آلاجة: قرر إنه يبعت تانتالوس لتارتاروس Tartarus أو أسوأ مكان في العالم السفلي وده اللي كان الآلهة بيحطوا فيه العمالقة والبشر اللي ارتكبوا خطايا شنعاء علشان يتعذبوا للأبد.
وكان عقاب تانتالوس في تارتاروس إنه يتحط في بركة مياه بتغمر جسمه كله وفوق دماغه شجرة فواكه أغصانها في متناول الأيد، كل ما يجوع ويحاول يمد أيده علشان يقطف ثمرة الأغصان تبعد عنه وكل ما يعطش ويحاول يشرب من المياه يروح منسوب المياه ينحسر.. وبيفضل في العذاب ده للأبد.
النوع ده من العذاب بنسميه في العامية المصرية "تحنيس" وهو إن الحاجة المرغوب فيها تبقى قدامي وكل ما أحاول أوصلها تبعد عني. ومن هنا برضه جاء فعل tantalize في اللغة الإنجليزية واللي معناه إني بغري حد بأمل الحصول على حاجة معينة لحد ما رغبته فيها تبقى كبيرة وبعدين أخدها منه.
طبعًا العذاب ده يشبه كتير العذاب اللي بيتعرض له جار تانتالوس في تارتاروس حبيبنا سيزيف (الراجل بتاع الصخرة، فاكرينه؟) لأن الاتنين قايمين على فكرة تكرار انقطاع الفعل قبل تحقق ذروة أو نشوة الوصول وبالتالي عبثية المحاولة.
بغض النظر عن إذا كان تانتالوس يستحق العذاب البشع ده ولا لأ بس طبيعة العذاب نفسه بتلقّح كتير على طبيعة الحياة البشرية وإزاي إنها في مجملها محاولات عبثية – ولكن ضرورية لاستمرار الحياة – من أجل الوصول لنشوة لا يمكن الوصول إليها.
YOU ARE READING
حواديت قبل النوم
Historical Fictionتأملات بالعامية المصرية في الأساطير والفن والفلسفة وعلم النفس... من الحلة إليك