النهاردة هنتكلم عن أسطورة أراكني Arachne أو كما يُطلق عليها "المرأة العنكبوت".
الأسطورة بتبدأ من عند فتاة بسيطة بنت راعي غنم كان معروف عنها براعتها في الغَزْل (بتغزل مش بتتغزل) لدرجة إن الناس كانوا بيتحاكوا بموهبتها وبيسافروا لها من أخر الدنيا. أثينا Athena إلهة الحكمة والمهارة والحرب عرفت الموضوع ده وحست بالغيرة من أراكني خصوصًا إن أثينا كانت معروفة بين الآلهة والبشر ببراعتها في الغَزْل والنسيج وإن هي اللي بتوهب المهارة دي للبشر. أثينا أتنكرت في هيئة ست عجوزة وراحت لأراكني تقول لها خليكي متواضعة يا بنتي وبلاش منظرة وتنطيط على خلق الله بالموهبة اللي الإلهة أثينا أدتهالك. أراكني الجلالة والكِبْر ركبوها وقالت إنها أحسن واحدة بتغزل فعلاً وأحسن من أثينا ذات نفسها كمان! وكالعادة وبما إن آلهة الإغريق تطورهم العقلي معداش عقل طفل عنده سبع سنين، أثينا شاطت وظهرت بهيئتها الحقيقية وقالت لها طيب تعالي نعمل مسابقة يا أمورة ونشوف مين فينا اللي هيكسب.
وفعلاً عملوا المسابقة وأثينا غزلت سجادة بارعة الجمال عليها صور الآلهة بكامل هيبتهم كالعادة يعني، أما أراكني فغزلت سجادة أجمل وأجمل مرسوم عليها صور الآلهة برضه ولكن وهم بيسكروا ويعربدوا وحاجة مسخرة خالص. أثينا أتجننت مش بس علشان سجادة أراكني كانت أحلى ولكن بسبب الرسومات المهينة للآلهة، فراحت ولعت لها في السجادة ولعنت أراكني بإنها تفضل حاسة بالذنب طول عمرها. أراكني ماقدرتش تعيش بإحساس الذنب الدائم ده فشنقت نفسها وماتت.
قد تختلف وجهات النظر بخصوص استحقاق أراكني للعقاب من عدمه. ممكن حد يقول هي اللي كانت مغرورة وتحدت الآلهة وسخرت منهم كمان فتستاهل اللي حصل لها، وممكن حد تاني يقول بس تفاخرها ده عن حق لأنها كانت فعلاً موهوبة وتحديها للآلهة ده بيعكس رغبة الفنان في التحرر من السلطة المقيدة لفنه والآلهة هي اللي دماغها فسافيسي إنها حست بالتهديد من ناحيتها.
وبعيدًا عن موضوع الفن والموهبة، كنت مرة بقرأ مقال عن العلاقات المعتلة بين الأمهات وبناتهم وجت في بالي الأسطورة لأنها بتعبر بشكل بليغ عن نوع معين من العلاقات دي وهي العلاقة الندية أو التنافسية بين الأم وبنتها. العلاقة الندية بين الأم وبنتها بتنشأ بسبب وجود خلل في شخصية الأم بيخليها تحط نفسها في مقارنة دائمة مع بنتها وبتحس بالتهديد من ناحيتها نظرًا لأن البنت بتبقى أصغر وأجمل. أثينا شعرت بالتهديد من أراكني مش علشان هي أصغر أو أجمل ولكن علشان موهبتها أكبر على الرغم من إن أثينا هي اللي وهبتها الموهبة دي زي ما الأم بتوهب الحياة لبنتها. الأم في العلاقة المختلة دي برضه بتبقى مهتمة جدًا بصورتها وصورة أسرتها الإجتماعية حتى لو على حساب أفراد الأسرة نفسهم، وبتعامل أي فرد من الأسرة بيحاول يخرج عن الصورة دي كأنه عدو لها يستحق التنكيل والعقاب، وده كان واضح في غضب أثينا العارم لما شافت إن رسومات أراكني خارجة عن المألوف وبتصور الآلهة بشكل لا يتوافق مع الصورة اللي عايزة البشر ياخدوها عنهم مع إنها كانت حقيقية والآلهة كانوا مُهزأين فعلاً. عقاب أثينا لأراكني كمان معبر جدًا عن ديناميكية العلاقة دي، وإزاي إن الأم بتلعب على مشاعر الذنب وبتزرعها في بنتها اللي طبيعي مابتفهمش سبب الكراهية دي كلها فبتلوم نفسها وبتشعر بالنقص والذنب دون ارتكاب أي إثم، وده بالظبط اللي عملته أثينا لما لعنت أراكني بالشعور الدائم بالذنب لحد ما انتحرت.
YOU ARE READING
حواديت قبل النوم
Historical Fictionتأملات بالعامية المصرية في الأساطير والفن والفلسفة وعلم النفس... من الحلة إليك