6

500 60 40
                                    


...


كان وابلٌ من المطر يَطرُق على نوافذ المبنى المهجور بشدة، وقف غلين بالقرب من النافذة وحدق بالأبنيَّة الساكنة وخطوط المياه الرمادية المتعرجة فوقها، في ركن الغرفة كان مايلز متشرنق بعدة بطانيات وهو يرتجف، وضع هارڤي يده على جبينه وقطب، تناول قطعة القماش الرطبة ووضعها على رأسه، تبادل مع غلين نظراتٍ قلقة انتبه إليها مايلز وقال: "أنا بخير، لقد وقفت تحت المطر وقتًا طويلًا، إنها حماقتي." سعل مرتين بصوتٍ مبحوح، جر البطانية حوله أكثر، "مادوكس..."

حشرَّ غلين يديه في جيوبه: "لا تقلق على ابن الشيطان، سيتدبر أمره."

أومَأ هارڤي موافقًا، بسبب الحمى كان وعي مايلز يترنح بين اليقظة والنوم، همسَّ بقلق: "لو خسر منحته بسببنا...لو خسرها..."

صلح هارڤي وضعيَّة الكمادات على جبينه، اِلْتصقت بضعة خصل بنيَّة عليه فأبعدها وقال له: "حاول أن تنام ولا تفكر كثيرًا."

تمدد غلين أسفل النافذة، استند بظهره على الحائط وأغمض عينيه، كان يشعر بجسده كله يرتعد وبصداعٍ رهيب يكاد يشق رأسه لنصفين، رفع كفيه فرأهما ترتعشان، عضَّ على شفته السفلى وزفر من أعماقه.

"أخبرتك." قال هارڤي حين لاحظ حالته تلك، كان مايلز قد غطى في النوم، "هذا ما سيحدث عندما تتوقف فجأة، أتظن أنك أقلعت عن تناول المشروبات الغازية؟ غلين. أنت تحتاج إلى مساعدة جادة."

"اخرس هارڤي." ظل غلين مغمض لعينيه ويقاوم بكل كيانه إحساس الغثيان الذي ألمَّ به.

"هذا ما يحدث كل مرة!" احتدت نبرة هارڤي واعتراها الغضب،"تحاول لمدة يومين أو ثلاث ثم تنتكس! ألم تفهم بعد؟ لا يمكنك فعل هذا وحد—"

طارت الزجاجة الفارغة وتحطمت بالقرب منه فسكت هارڤي، حدجه غلين بنظرة حارقة وقال: "التاليَّة لن تُخطِئ."

"فلتحترق في الجحيم، لا أعلم حتى لمَّ أعبَأ بغبيٍ مثلك!" انتفض هارڤي واقفًا وغادر الشقة، سمع غلين صوت خطواته الغاضبة على الدرج، أغمض عينيه أخيرًا وقد حصل على الهدوء الذي يريده. كان رأسه يطن والألوان تتداخل، من بينها تردد صوت: عديم النفع! لا معنى لك. ما الذي تضيفه إلى هذا العالم؟ لا شيء. هذا ما تضيفه. لا شيء.

"عديم النفع. لا معنى لك." نطق بها بصوتٍ مسموع، فتح عينيه ببطء، حدق بمايلز المنكمش على نفسه ونائم نومًا قلقًا، كانت بشرته شاحبة بلونٍ أزرق وشفته السفلى ترتجف، جز غلين على أضراسه وبحركة واحدة نهض، جثى بالقرب من حقيبة مايلز وبحث بسرعة محمومة، بعثر محتوياتها بعشوائية وبعد ثوان وجد ما يريده، قبض على المحقن وبات لون حدقتيه السوداويّن قاتمًا. كحفرة سوداء بلا قرار.

"لن تنجح." تردد صوت هارڤي الحانق في مسامعه، ضحك بتهكم وفكر: كان مصيبًا في جزئية واحدة على الأقل.

「 مُحَـاولة الغـرق 」حيث تعيش القصص. اكتشف الآن