62

213 43 63
                                    


...

راقب إيفرت عبر فِرجة الباب، الطبيب باترسون وهو يتحدث مع السيد غاردنر وأوين عن حالة السيدة آندريا، كانوا واقفين أمام السرير بوسط الجناح الخاص، والدته مستلقيَّة ونائمة بسلام، حول حنجرتها اِلْتف ضمادٌ أبيض، خصل شعرها الشقراء منسدلة خلف أذنيها وفوق الوسادة. 

أخفض بصره، كان جالسًا على مقاعد الانتظار بالخارج، ثلاثة مقاعد متلاصقة لونها أخضر باهت، ظهره منحنٍ للأمام، شابك أصابعه سويًا وأغمض عينيه، سمع صوت نقالة تُجر في الرواق، زوجين من الأحذية البلاستيكية تلتصق خطواتها في البلاط، ومن قسمٍ بعيد، تردد بكاءٌ لرضيع، تلاه صوت رضيع آخر يبكي بصوتٍ أعلى، غزت رائحة المعقمات جوفه، إحمّرت بشرته وامتقعت، نضحت على جبينه قطراتٌ من العرق، انزلقت قطرة ووصلت إلى حافة وجهه ثم سقطت. 

"أترغب بحضور الجنازة البحريَّة؟" 

تردد سؤال من زمنٍ آخر في ذهنه، فرك إيفرت عينيه بعنف وحاول الهروب من الصوت، لكنه تكرر مجددًا بنبرة أوضح. 

"سأذهب معك لو أردت." قال ڤينسنت. 

كان جالسًا على سريره في الغرفة التي تشاركاها حتى عمر الخامسة عشر، دسَّ قدمًا أسفله وترك الأخرى تتدلى من حافة السرير بينما استند هو إلى إطار الباب. 

تنهد إيفرت وتوغل داخل الغرفة، ناوله ثلاثة أوراق دبست معًا، مد ڤينسنت يده وأخذها، ما إن قرأ محتوياتها رفع بصره المُتفاجِّئ نحو إيفرت، أشار له بأن يكمل القراءة وجلس جواره على السرير. 

تصفح ڤينسنت الأوراق ثم أعاد قلبها من جديد، قرأها بتآني، جملة وراء جملة انصب تركيزه على الفهم، كان تقريرًا عن كيفيَّة احتراق السفينة، به شرحٌ وافٍ للخلل الذي حدث وأسماء الركاب والطاقم والناجين والمصابين ومن غرقوا ومن فُقِدوا ومن أصيبوا بعاهاتٍ دائِمة، ذُكِر فيه عدد قوارب النجاة، وبأخر صفحة الاعتذار الذي وجهته شركة مالتي-مارين عن إهمالها لأعمال الصيانة والرحلات الناجحة التي قامت بها سفينة موريس- كاستل حتى ذلك العام. 

حَوَى أيضًا مبالغ التعويضات التي ستدفع لأي راكب نجا ولأهل الركاب الذين ماتوا، كل تفصيّلة لم يرغب بمعرفتها كانت هناك. 

"ڤينسنت." خاطبه إيفرت حين رأه يغرق بداخل نفسه، ينطِويّ أسفل السطح. 

"انفجرت المحركات." قال ڤينسنت بصوتٍ هادئ. 

نظر إيفرت إلى جانب وجهه، تركت الحروق ندوبًا على عنقه وظهره، مرت على الحادثة ثلاثة أسابيع كاملة وما يزال الجرح بالجهة اليسرى من جمجته مغطىً بالضماد. 

أعاد له الأوراق، اعتدل بجلسته وقال: "آسف، لا أذكر شيئًا." 

"لا بأس. أخبرك تريفر ألَّا ترغم نفسك."

「 مُحَـاولة الغـرق 」حيث تعيش القصص. اكتشف الآن