48

275 46 59
                                    


...

هدرَّ المحرك ثم أصدر هسيسًا ونفثَّ بخارًا حارًا تموج حول هيكل الفيراري الأسود، أخرج إيفرت المفتاح من المشعل، واضعًا ساعده على المقود وذقنه فوقه ظلَّ على تلك الحال مدة من الزمن، عيناه ثابتتان على المشهد الرملي أمامه، الرياح تحمل حفنة من الغبار وتديرها بشكلٍ محوريّ لتتلاشى مع حواف الإسفلت الجافة.

[مدينة فورتيسغايت الصناعيَّة]

كُتِب على لوحة إعلانية بخطٍ أنيقٍ ومنحنٍ بجوار البوابة العملاقة، لمْ تكن البوابة مغلقة، وبالداخل نامت الرافعات والجرارات جوار بعضها البعض دون حراك، كان الهدوء مُخيّمًا والوقت سحرًا، راقب الغيوم تفسح حيزًا في السماء لأشعة كهرمانيَّة غمرته وغمرت السيارة بوهجٍ سيرياليّ، عاد للخلف في الكرسي واِتكَأ برأسه على المسند، رويدًا رويدًا ارتفع القرص المتوهج وانعكس في منتصف عينيه، كانتا خضروايّن كقاع بحيرة راكدة، وبلحظةٍ كانت زاوية الضوء مختلفة فباتتا لازورديتين، نسخة طبق الأصل عن عينيّ والدتِه المشرقتين بالحياة، سَحَب إلى صدره نفسًا ضئيلًا فارتفع صدره وانخفض.

لوهلة فكر: "ما الذي تفعله هنا يا إيفرت؟"

غطى عينيه براحة يده وضحك، لمْ تكن ضحكة لها معنى، مزيجًا غريبًا من الاستغراب والفكاهة والشفقة على الذات.

اِلْتفت إلى مقعد الراكب، لامس كرة ثلجيَّة بإصبع السبابة وشاهد ندف الثلج يتحرك بداخلها مع تموجات الماء، تناولها وقلبها بين يديه، بمنتصفها تمامًا يوجد مجسم لمنزلٍ سقفه المائِل مغطىً بطبقة كثيفة من الثلج، أسفل شجرة بلوط خضراء يتمايّل رجلٌ ثلج بأنفٍ برتقاليّ وربطة عنق، أمام باب المنزل المفتوح وقفت عائلة صغيرة: أب وأم يمسكان بيد طفلهما ويحدقان بالشجرة.

هَزَّ الكرة فتساقط ندف الثلج فوقهم وغطى قبعة الطفل الزغبيَّة.

"إنها مكتوبة بالهيروغليفية."

قال إيفرت عبر هاتفه المحمول بنبرة هادئة، بين يديه علبة كزبرة كان يشك بكونها قرفة.

"إيفرت، عزيزي ربما تحتاج إلى اختبار كشف نظر، نوع البهار مكتوبٌ أسفل الغطاء مباشرة، ركِز قليلًا."

قلب إيفرت العلبة بالجهتين ومن أسفل لأعلى وما يزال لا يعرف إن كانت كزبرة أم قرفة.

سَمِع قهقة ساندرا قادمة من الطرف الآخر فكشر حاجبيه: "عمليّ أن أكل الطعام وأعد القهوة، طبخه والتسوق له، هذه وظيفتك أنتِ."

"نحن في القرن الواحد والعشرين."

"إذًا لمَّ لا يكتبون بخطٍ واضح إن كانت كزبرة أم قرفة."

"إيفرت."

قطب إيفرت، كان صوتها مختلفًا هذه المرة، فَزِعًا.

「 مُحَـاولة الغـرق 」حيث تعيش القصص. اكتشف الآن