40

262 48 78
                                    


...

رَمَى ڤينسنت علبة مشروب الطاقة الثالثة بداخل سلة المهملات وسَمِع صوت ارتطامها بالقاع، كان مستندٌ بظهره على هيكل السيارة، ساعديه معقودين بإحكام، الرياح تحرك أغصان الأشجار مشكلةً ظلالًا مُتداخِلة، أوراقها تخشخش، صرصار الليل يصدح من بين الأعشاب، كان يرى حركة الأسر خلف الستائر البيضاء، آنسة ترتدي مريلة تحمل طبقًا بين يديها، طفل يركض بشقاوة وأخوين يركضان خلفه، شابة تتحدث بالهاتف وتحرك طرف الستائر بيدها، كلبٌ ينبح من إحدى الشرفات، الحياة التي يضج بها المبنى أجبرته على الوقوف صامتًا، منتظرًا أن يعمل الكافيين الذي تجرعه قبل خوض المعركة. 

أطلق تنهيدة وفك العقدة بين يديه وتقدم الخطا إلى المبنى، ضغط على الأزرار ففتح الباب الزجاجي، دفعه ودلف، حشر يديه بداخل جيوب بنطاله وتمعّن بالمكان، لا شيء تغير منذ زيارته السابقة، متى كانت؟ قطب محاولًا تذكر التاريخ لكنه بدا له ضبابيًا، ضغط زر المصعد فانفتحت الضلفتين مباشرة، دلف وراقب تغير الأرقام بالشاشة، توقف المصعد بالطابق السابع مصدرًا كلن، كان الممر غارقًا في ظلمةٍ دامسة عدا عن الضوء القادم من كابينة المصعد، خرج ڤينسنت ومشى في الرواق، تروس عقله تدور ولوهلة عاد بذهنه لزمانٍ ومكانٍ مختلفين، وقف أمام الباب الداكن وطرقه، ثلاث طرقاتٍ متماثلة في الشدة. 

سقط الضوء على وجهه وطرف، وقف السيد غاردنر مرتديًا مئزرًا مزركشًا ويحمل بيده معلقة غطتها الكريمة البيضاء. 

"ڤينسنت!" قال بنفسٍ محبوس. 

حشر ڤينسنت يدًا بجيب بنطاله: "ألم تقم بدعوتي بنفسك؟" 

دلف إلى الشقة وتخطاه، انشغل بخلع حذائِه وقال: "يمكنني العودة لو أردت." 

وما إن استوى واقفًا تلقفه السيد غاردنر في عناقٍ يكسر العظام وقهقه في أذنه: "لا تكن سخيفًا أنا لا أصدق أنك أتيت بالفعل!" 

"أنت تلطخ قميصي." 

ابتعد السيد غاردنر عنه لكنه ظلَّ قابضًا على كتفيه، عاينه بتمعُّن وقال: "مازلت ترتدي ملابسك كالشباب الطائشين؟ لكنها تليق بك وهذا الغريب بالأمر." 

"وأنت ترتدي مثل..." ابتسم بزاويَّة فمه ناظرًا إلى المريلة المزركشة وقبل أن يكمل الجملة تلقى ضربة بالملعقة على رأسه، تناثرت الكريمة على أطراف كتفه وشعره. 

أبعد ڤينسنت بقايا الكريمة عن قميصه ولعقها: "على الأقل مهاراتك في الطبخ تعوض باقي الصفات." 

تكتف غاردنر: "أنت وشقيقك تحضران إلى هنا لالتهام طعامي وإهانتي." 

حرك ڤينسنت كتفيه فأزال السيد غاردنر التقطيبة وابتعد من أمامه، فقط حينها لَمَح ڤينسنت والدته وإيفرت الجالسين حول الطاولة وينظران ناحيتهما كمَنْ يشاهدان عرضًا مسليًا. 

「 مُحَـاولة الغـرق 」حيث تعيش القصص. اكتشف الآن