36

359 51 118
                                    


...

آزَّت ماكينة الحلاقة وتساقطت شذرات شقراء على الحوض، من على الأريكة كان مادوكس يراقب هيئة ڤينسنت أمام المرآة، النظرة بعينيه سارحة ويديه تتحركان بآلية، غسل كريم الحلاقة عن وجهه وجففه بالمنشفة، تساءَل بينه وبين نفسه عمَّا يفكر فيه ثم أعاد تركيزه إلى الهاتف. 

كان مستلقٍ على ظهره والهاتف مرفوعٌ فوقه، يشاهد حلقة بلو لايت عن القِس فرانز، لم يتاونَّ ڤينسنت عن سحقه بل استغل الفرصة لانتقاد النظام الكنائسي كاملًا مما سبب ردود عنيفة أسفل الفيديو، حتى أن البعض كانوا يهدودنه بالقتل، وبالجهة الأخرى كان هنالك نسبة معقولة من المشاهدين يوافقونه الرأي، لكن أسلوب ڤينسنت القاسيّ يُصعِب من قبول كلامه وإن كان صحيحًا. 

نهض مادوكس من الأريكة بحركةٍ واحدة وترك الهاتف مفتوحًا، وضعه فوق الطاولة واِتَّجه إلى دورة المياه الأخرى بنهايَّة الرواق وعندما أوشك على فتحها انتبه لبابٍ موارب، كانت تلك المرة الأولى التي يلمح فيها هذه الغرفة، مال برأسه بفضول، لأن الشقة مكونة من طابقين احتوت على أربعة غرف، ثلاث منهم في الطابق العلوي وظنّ أن هنالك واحدة فقط في الطابق الأول، لمسَّ مقبض الباب فتحركت الضلفة للداخل. 

"مادي."

همس ڤينسنت بجوار أذنه فقفز مادوكس خارج جلده ولعن، ابتسم الثاني ورفع تجاهه حاجبًا. 

"تبًا! أصدر صوتًا وأنت تمشي!"

قال مادوكس وقلبه يقرع بأذنيه، عينيه جاحظتين للنهايَّة ويده فوق صدره. 

"لمَّ؟ هل كنت تفعل أمرًا مشينًا؟"

إحمّر وجه مادوكس حتى رقبته: "راودني الفضول فقط! آسف! تبًا لك!" 

طوى ڤينسنت يديه أمام صدره وعلى وجهه علائم التسليَّة، للتو انتبه مادوكس أنه يحمل هاتفًا بيده، بل يحمل هاتفه! 

انتبه ڤينسنت لخط نظر مادوكس فحول نظره للهاتف، رفعه وقال بابتسامة طرفيَّة: "راودني الفضول فقط. آسف. تبًا لك." 

خطف مادوكس منه الهاتف: "لا تفهم خطأَ عرض يوتيوب عليّ الفيديو فضغطته من باب الفضول فقط."

"آهاا ومن باب الفضول شاهدت كل حلقات البرنامج منذ يوم انشائه." 

"اطلعت على تاريخ مشاهداتي؟!"

حرك ڤينسنت كتفيه: "بالمناسبة، أنت تصوت لجميع حلقات الكلمة الأخيرة لكنك لم تصوت لأي حلقة من بلو لايت." 

رمشَّ مادوكس وهز رأسه ببطء: "أريد أن أرى شهادة ميلادِك. أحيانًا أشك في السبعة وثلاثين عامًا التي تدعيها." 

"أكاد أكمل الثامنة والثلاثين." 

جَذَّب ڤينسنت طوله لأقصاه ومرر يدًا عبر شعره، كان مرتديًا قميصًا أسود وواضعًا البذلة على أكتافه دون إدخال يديه فيها، فوق القميص ربطة عنق داكنة بها خطوط زرقاء، وحول رسغه ساعة بجلدٍ مدبوغ، حلق ذقنه وشذَّب خطوط شعره ومع اضاءة الشقة، كان يتآلق مثل نجم هوليوودي تناسبه شاشات التلفاز. 

「 مُحَـاولة الغـرق 」حيث تعيش القصص. اكتشف الآن