61

303 46 203
                                    


...

زقزق عصفورٌ في إطار النافذة فحدجه مادوكس بنظرةٍ مُنزعِجة، كان جالسًا على طاولة تكفي لأربعة أشخاص بمنتصف الكافتريَّا، يحيط بيديه كوب حليب ساخن والسيدة سونيا تعمل في المطبخ، لم يكن يستطيع رؤيتها بسبب الحائط الفاصل بينهما لكنه سمع صوت القدور والصواني، نظرَّ للكوب وعكس رخامه الأسود هيئته المبعثرة، عينان ناعستان وشعرٌ منتفش، خلل يده عبره عدة مرات في محاولة لاخضاعه دون فائدة وفي النهايَّة استسلم، عدا عن زيه المكويّ بثنيات مثالية بدا في حالة يرثى له، حين رأته السيدة سونيا وضعت يدها على قلبها وسارعت بصب كوبٍ ضخمٍ من الحليب له، هكذا جلس وحيدًا يرمق الحليب الذي لا يحبه على مضض. 

تجاوزت الساعة الخامسة والنصف بقليل، كانت السيدة سونيا الوحيدة التي حضرت باكرًا من أجل التحضير للافطار، سمع دندندتها المرحة وابتسم، سقط شعاعٌ شفافٌ من الشمس على الطاولة وطرف المقعد حيث جلس، غضن مادوكس جبينه بألم ومَسَد المنطقة فوق حاجبيه، مَرَّ شهران ونصف منذ أخر ليلة قضاها دون نوم، في السابق كان معتادًا على نوبات الأرق وعلى الصداع النصفي الذي يليها، أم الآن بات يتساءَل عن قدرته على احتمال هذا الألم الرهيب في السابق؟ شعرَّ بعقدٍ تتكون بظهره وبرقت بداخل جفونه نقاطٍ بيضاء طافيّة. 

"مادوكس، أمازلت لا ترغب بتناول الإفطار؟" 

أتاه صوت السيدة سونيا عبر نافذة المقصف، هزَّ رأسه بنفي من بشاعة الفكرة، ادخال لقمة واحدة لجوفه سيكون بمثابة انتحار، تذكر أنها لا تستطيع رؤيته فرفع صوته: "لا شكرًا، الحليب لذيذ شكرًا لك." 

برز رأسها بخصله الرماديَّة والشقراء عبر النافذة، قالت: "حسنًا، ما رأيُّك بكوب قهوة؟" 

عَلَت ابتسامة مشرقة وجهه، تجرع كوب الحليب برشفاتٍ كبيرة وسريعة تحركت على إثرها تفاحة أدم بحلقه، راقبته السيدة سونيا بابتسامة ضاحِكة، تحرك بسرعة إلى نافذة المقصف ومد لها الكوب الفارغ فناولته كوبين مقويين تفوح منهما رائحة قهوة رائعة. 

رفع عينين محتارتين نحوها، ابتسمت بوجهه وقالت: "إنه في ملعب السلة، استيقظ منذ الثالثة صباحًا، سمعتُ أنهم خسروا بالأمس مباراة التأهل للنهائيّات بفارق نقطتين، أعتقد أنه مثلك ولم يستطع النوم." 

"مَنْ؟" سأل بتقطيبةٍ محتارة. 

"زميلك في السكن." 

تناول مادوكس منها الكوبين وشكرها، حصل على قبلةٍ مفاجئة في الخد ثم أرسلته في حال سبيله، سند الكوب الثاني فوق الكوب الأول وثبتهما بذقنه ليحرر يده اليسرى، أدخلها في جيب بنطاله وأخرج قرصين مسكنين، وضعهما في فمه وأغرقهما برشفة كبيرة من القهوة بالحليب والكراميل. 

انتهت الخزائن المتراصة قرب بعضها البعض وظهر بمجال نظره الباب الخلفي للملعب، سمع ارتداد الكرة في الملعب، صوت حذاء رياضي يحتَّك بالسطح وبعد ثوانٍ قليلة حركة شباك السلة حين تدلف عبرها كرة. 

「 مُحَـاولة الغـرق 」حيث تعيش القصص. اكتشف الآن