17

411 56 43
                                    


...

حدَّق مادوكس بالقمر الغافي على صفحة السماء، يديه بداخل جيوب بنطاله، الحصى أسفل حذائه الأبيض ذو الرقبة العالية يُخشخِش مع خطواته ونغمات غيتار جايسن روش تنهمر عبر السماعة الموضوعة في أذنيه، تنهد من الأعماق وزادت قبضته حول الصورة بداخل جيبه، كانت صورة بولاريد قديمة من زمن طوته الذاكرة وحشرته حشرًا في إحدى حجيّرات قلبه، من زمنٍ عبر خلاله لكنه توقف فيه. بالرغم من كونه يمضي قدمًا الآن، وبالرغم من محاولاته الحثيثة دائمًا أن ينخلع من دور الضحيَّة، إلا أنه أحيانًا يجد نفسه أسيرًا لشعورٍ مقيت لا يقوى على ضحده وحيدًا، لذا ها هي قدماه تأخذناه إلى المكان الصحيح. المكان الذي سيتحرك بعده الزمن مجددًا.

أخرج الصورة وحدق بالوجه الموجود فيها، تلك العينين اللتين تفيضان بالحب، كانتا صافيتين، داكِنتين، لا تشبهان زُرقًّة عينيه ولا تعكسان شقاؤهما.

توقف مادوكس أسفل عمودٍ كهربائي ألقى عليه بضوءٍ أبيض، شعر بقلبه يتقهقر إلى جوفه، شُحِذت حواسه وتفجرت بالإدراك، استشعر آزيز الحشرات حول المصباح، الرائحة الرخيصة لكولونيا أحدهم، الإحتكاك الخفيف لعجلات سيارة مع الأرض والخطوات المسرعة بداخل المبنى.

ابتلع ريقه فتحرك حلقه بشكلٍ مرئي، ثلاث خطوات وينفتح الباب السحاب أمامه، ثلاث خطوات وسيتغير عالمه بالكامل، شعرّ بدوارٍ شديد وبمعدته تُصدِر أصواتًا، قبض يده حتى أبيضت مفاصله وأطلق نفسًا عبر فمه: "تستطيع فعلها...يا مادوكس."

اتسعت عيناه قليلًا، كان تأثير كلماته عكسيًا، ها هو ذا يرغب بأن يستدير ويغادر، أن يركض عكس الاِتَّجاه بأقصى سرعة يمتلكها، لمَّ أصلًا قرر الإتيان إلى هنا؟ سأل نفسه وقطب. أحمق. غبي. جبان. كز على أسنانه وشعرَّ بوخذاتٍ حارقة وراء عينيه. كانتا تلمعان بسائلٍ شفاف فأغمضهما وحدق بصفحة السماء الجرداء، لم يكن هنالك أي نجوم، فقط نصف هلال ساخر كل ما ركز فيه النظر رأى هلالًا آخر بجواره، كان كلاهما يراقبان كل حركة تصدر منه، كل نفسٍ مضطرب، ويضحكان على تجمده هنا كالجبان.

"المعذرة." قال له الشرطي ومرَّ بجواره، كان يقود معه شابًا عشرينيًا ذو ملامح جامحة، اِلْتقت نظرات الشاب ومادوكس في لحظةٍ طويلة، ابتسم الشاب بزاوية فمه، وبدا أنه يقول له شيءٍ ما وقبل أن يستوعب مادوكس فحوى تلك النظرات المبتسمة أًغلِق الباب وراءَهما بصوت رنين إلكتروني.

عاد لنفسه منخضًا، وفي تلك اللحظة أوشك أن يستدير على عقبيه ويغادر لكن انفتاح الباب مجددًا استوقفه، أمامه وقف وجه بشوش لرجلٍ خمسيني، انحسر شعره عن مقدمة رأسه واكتست عيناه البياض الخاص بكبار السن، زيه الأزرق منحه هالةً غريبة لكنها مطمئنة، ابتسم الرجل ناحيته ووضع يدًا على كتفه: "أيها الشاب الصغير أيمكنني مساعدتك بشيء؟"

「 مُحَـاولة الغـرق 」حيث تعيش القصص. اكتشف الآن