24

382 52 33
                                    

...

أوقف مادوكس السيارة في تقاطع ماديسون مع شارع ستة وثلاثين وأطفأ المحرك، واضعًا كلا مرفقيه فوق عجلة القيادة انتظر أن يفرغ ڤينسنت من الطباعة على هاتفه.

أدخل ڤينسنت الهاتف إلى جيبه وقال دون النظر إليه: "إن قدم لك أحدهم أيّ كأس بغض النظر عمَّا يحويه، الكمه مباشرةً في وجهه."

رمشَّ مادوكس تجاهه بعدم فهم لكن ڤينسنت ترجل من السيارة دون إضافة المزيد وأغلق الباب وراءَه برجةٍ هزت هيكلها.

ترجل مادوكس وتبعه الخطا ناحيّة المبنى القرميدي في ناصية الشارع، قبل الشروع بصعود الدرج توقف ڤينسنت بمكانه، حركت الرياح السترة التي يرتديها والقميص الأبيض أسفلها، كانت يديه موضوعة بداخل جيوب بنطاله وقدمٌ واحدة موضوعة على حافة العتبة الأولى.

لمْ يحاول مادوكس استعجاله ووقف بجواره صامتًا، بعد هنيهة أخرج ڤينسنت يدًا من جيبه ووضعها فوق رأس مادوكس، كانت راحة يده ثقيلة ودافئِة.

"لا تكرر ما فعلته سابقًا."

نبرة آمرة لا تحمل مجالًا للنقاش، ورغم أن مادوكس كان يمتلك مئة ردٍ متحاذقٍ عليها إلا أن التعابير على وجه ڤينسنت جعلته يَمتنِّع، كان وجهه مُنغلقًا، لا يفشي شيئًا من حقيقة مقصده.

ظلَّ ڤينسنت ينظر للأمام في انتظار إجابة لكن مادوكس لمْ يتحرك أو يومِئ بالإيجاب، فهو لمْ يرغب بمنح وعودٍ لا ينوي الايفاء بها كمَّا أنه لا يعيش حياته وفقًا للقوانين الصارمة، متى ما تطلب الموقف منه أن يفعل أمرًا ما -وإن كان متهورًا- فسيفعل، ليس من هواة عيش الحياة من مدرجات المشجعين، لكنه كذلك ما كان ليرميّ بنفسه عن الحافة، بل بالعكس، سيبحث أولًا عن الحلول المعقولة وعندما تعجز تلك...سيقفز.

أخرج ڤينسنت من جوفه تنهيدة عميقة ثم أبعد يده وصعد الدرجات، انعكست على الباب الدوّار أنوار الطريق البرتقاليَّة، استطاع مادوكس سماع صوت تلفاز قادمٍ من أحد الشقق البعيدة وكل فترةِ وأخرى احتكت إطارات سيارة مع الإسفلت وهي تأخذ منعطفًا حادًا بنهايَّة الشارع.

توقع مادوكس أن يتجها نحو المصعد، لكن عوضًا عن ذلك قاده ڤينسنت نحو بوابتين خشبيتين ثقيلتين صُنِعتا من خشب البلوط الداكن وأطلتا على ممرٍ طويل، كان الممر مضاءٌ بأنوار صفراء متفرقة، تشكل كل منها رقعةً منفردةً من الإنارة، علقت بالجوانب سماعات في السقف انبعثت منها ألحان أغنيَّة بلوز قديمة، كانت ألحانها هادئة وكلماتها من النوع البسيط، ثنى مادوكس رأسه محاولًا تذكر أين سَمعِها من قبل وبينما انشغل بذلك انتبه أن الممر انتهى وبدأ ڤينسنت بنزول درجٍ اِلْتف بشكلٍ حلزوني نحو الأسفل، عتباته فاتِحة اللون وبينها مسافة، ومع بوت ڤينسنت الأسود وخطواتهما المسرعة، أصدَّرا صدًى تردد وارتد عن الحائط الضيق، عُلِقت على الجدار الكريميّ لوحات مرسومة بقلم الرصاص لمطربين مشاهير، كلهم مغنين جاز وبلوز، وتمكن مادوكس من التعرف على بعضِهم.

「 مُحَـاولة الغـرق 」حيث تعيش القصص. اكتشف الآن