53

221 50 68
                                    


...

فُتِح الباب السحاب لغرفة الطوارئ وخطا تريفر إلى الخارج، كانت الساحة الخلفيَّة خالية عدا من سيارتيّ إسعاف مركونتين بالجهة اليسرى من المرأب برفقة سيارة سيدان يمتلكها أحد أخصائي الأعصاب، امتدت سماء الليل الداكنة على مدى البصر ولمعت نجومٌ براقة هنا وهناك، اختلس النظر من حوله واِتَّجه إلى رقعةٍ يكتنفها الظل بجانب المبنى، أخرج علبة سجائر من جيبه وأوقد سيجارة، كانت إحدى يديه مدسوسة داخل جيب المعطف والأخرى تمسك بالسيجارة بين إصبعين، أخذَّ منها نفسًا عميقًا وتنهد بارتياح. 

كان طوّال اليوم بانتظار هذه اللحظة، إخفائه لكونه مدخن عن كونليّ وبقية زملائه ليس بالمهمة اليسيرة، بالرغم من كون أغلب الأطباء مدخنين شرهين إلا أنه كان يعلم انعدام إمتلاكه لهذه الرفاهيَّة فكونليّ كاره متشدد للمدخنين وسيجبره بأقسي الطرق وأكثرها تطرفًا على الإقلاع، كانت ليلة هادِئة، عبث النسيم البارد بأطراف شعره وتكوّنت أنفاسه كسحبٍ بيضاء تلاشت على الفور، مزقت لحظة الهدوء تلك سيرينة إسعاف دوّت بصوتٍ مرتفع قبل أن يلمح أضوائها الزرقاء تشق الظلمة الحالكة للمبنى وتتوقف أمام باب الطوارئ، مباشرةً رأى ثلاث من أطباء الإمتياز يهرعون ناحيتها، تنحى في الظل أكثر ولعن. 

ألقى السيجارة على الأرض ودعسها بحذائه، أنزل المسعفان النقالة وخاطبا الطبيب الشاب: "حادث اصطادم، إصابة في الرأس وجرح عرضيّ في المعدة." "نزف كثيرًا، ذكر، في الثامنة والثلاثين من العمر." 

من رقعته تلك لم يتمكن تريفر من الرؤية بشكلٍ جيد لكن اللحظة السحرية قد تلاشت وقرر العودة إلى قسمه، دلف عائِدًا عبر الباب السحاب، رأى الأطباء يدفعون النقالة ذات العجلات نحو إحدى الأسِرة الشاغرة بنهاية غرفة الطوارئ، لَمَح أنبوب الأكسجين وأكياس المحاليل الوريدية المعلقة قبل أن تختفي المحفة بالكامل وراء ستارة بيضاء رفرفت ثم توقفت، كان بإمكانه سماع الأطباء يتناقشون إن كان الجرح يحتاج إلى تدخل جراحي أم لا، أصواتهم تبدو على قدرٍ كبيرٍ من التوتر. 

"ليس عملي ليس عملي." تمتم تريفر مع نفسه وضغط زر الباب المؤدي للردهة الرئيسيَّة، كان على وشك العبور حين لمح بطرف عينه رقعة دم على الأرض، تنهد بصوتٍ مرتفع وبعثر شعره، أخرج سماعته من المعطف وعلقها حول رقبته ثم عاد بخطواتٍ مسرعة نحو مكان المحفة التي نُقلِت للتو. 

كان الطبيب الشاب منكبٌ على تضميد جرحٍ في رأس المريض وآخر يتفقد العلامات الحيويَّة ويبدل الضماد الذي يغطي الجرح السفلي، أبعدهم قائلًا: "دعوني ألقي نظرة."

وضع تريفر السماعات على أذنيه وانحنى ليلصق طرفها الآخر على صدر المريض الذي شُقَّت ملابسه بمبضع، رأى عدة حروقٍ قديمة وغرز متفرقة في منطقة صدره وأعلى كتفيه، تجمّدت يده واتسعت عيناه لأخرهما، كتم تريفر شهقة وانحبست أنفاسه في حلقه، حوّل نظره إلى الوجه وراء قناع الأكسجين وشعرَّ بالدنيا تتداعي أسفل قدميه. 

「 مُحَـاولة الغـرق 」حيث تعيش القصص. اكتشف الآن