30

377 48 62
                                    


...

هدر محرك الهارليّ عاليًا، نفحات من الهواء الساخن تحركت حولها، واضعًا قدمًا على الأرض أطفأ سيدريك المحرك، خلل يده عبر شعره لإعادة ترتيبه وتفحص الحيّ حوله بنظرةٍ شاملة. 

في الشارع المقابل جلس العجوز إريكسون وبيده سيجارة، من مذياعه القديم انسابت أغنية من ألبوم "كايند أوف بلو" لمايلز دايفز، وراءه وقف رودريغز خلف نضد البقالة وبيده كوب قهوة، كان يحرك رأسه مندمجًا مع الإيقاع، سمع سيدريك حديث الرجال الصاخب وتخيل جاندو يحلق لأحدهم في شعره، منزعجًا من أن الثاني يظل يحرك رأسه أو يقهقه بسبب تعليقٍ من رفاقه، وعلى بعد مبنين سكنين كان بعض الصبية يلعبون بكرة سلة مهترئة في ملعبٍ ذو سياج، ضربت الكرة حافة السلة المعدنيَّة وارتدت منها فهتفت الفتيات اللائي يشجعهن أو يضحكن، يعتمد الأمر على جودة اللعبة. 

"باترو طاب مساؤك."

خاطبه العجوز إيركسون فابتسم سيدريك ناحيته ورفع يده، أخبره مرارًا أن يناديه بسيدريك وليس باترو- التي تعني بالبرتغاليَّة رئيس- وفي كل مرة يتظاهر العجوز بأنه سمعه وينوي تنفيذ طلبه ثم يناديه بباترو في أقرب فرصة، لم يكن يمانع أن يناديه البقية بالرئيس لكن العجوز إيركسون استثناء، فهو الشخص الوحيد بعد –الزعيم- الذي ينال احترامه كاملًا، وبهذا الشارع حيث تسكن عرقياتٍ مختلفة ويمتزج فيه الماضي بالحاضر وحده سيدريك كان يعرف قصة إيركسون كاملة، وكانت قصة تقشعر لها الأبدان. 

استدار ومشى ناحية البناء أمامه، كان مبنى من الصلب والحديد نصف مكتمل، انعكست أشعة على الأعمدة البارزة منه واضطر لوقايَّة عينيها منها، الداخل على غير المتوقع كان نظيفًا، تابع مشيه حتى وصل درجًا يقود للطوابق السفلية، مشى على مهل، لم يكن يحب أن يتسخ حذاؤه الجلدي لذا أخذ وقته في نزول الطابقين. 

أفضى الدَرَج إلى فسحة كبيرة كانت تبدو مثل متحف، مئات الدراجات الناريَّة رُصَت بداخلها بعناية، اختلفت شركاتها وتنوّعت من قديمة كالهوندا والنورتون إلى البي إم دبليو والدوكاتي والأوغستا، لمعت عوادمها تحت الاضاءة القويَّة ومنحت المكان طابعًا فاخرًا، بينما تفرق هنا وهناك بعض الشباب، أعمارهم يافعة لا تتجاوز مطلع العشرينات، كانوا يضحكون بصخب ويدخنون، في اللحظة التي انتبهوا فيها لسيدريك توقفوا عمَّا يفعلونه وتحولت ملامحهم لابتساماتٍ واسعة تعالى بعدها: "رئيس!" 

- فاتك الغداء أيها الرئيس. 

"رئيس أنت مدين لي بلعبة شطرنج."
 
- ومدين لي بخمسة دولارت. 

"رئيس أين جول، لمَّ لم يأتِ معك؟" 

- رئيس كيف تأتي إلى هنا خالي الوفاض؟ أريد جعة باردة! 

"رئيس لقد سرقني هانك! " 

- رئيس اسمعني العمة روريا طردتني من المنزل مرةً أخرى! 

「 مُحَـاولة الغـرق 」حيث تعيش القصص. اكتشف الآن