79

736 55 431
                                    


• رُكن الكاتب:

مرحبًا أعزائي القراء -حتى أنتم المتواجدين في الظلال إني أراكم- ها قد وصلنا إلى نهاية رحلتنا، نعم، إنه الفصل الأخير أخيرًا، لكنه فصلٌ مميز، إذ يحويّ فصلين طويلين أو ثلاثًا، لا أنوي تجزئتها بسبب تدفق الأحداث المترابطة كلها سويًا، كتبته في تسعة ساعات بالهاتف، جالسًا بذات الرقعة دون أن أُحرِك أي عضلة -ندمت على ذلك لاحقًا بالطبع- وأرغب بطلب شيء صعب قليلًا وهو -لو استطعتم- أن تقرؤه بذات الطريقة، أي في جلسةٍ واحدة، لأن ذلك سيزيد التجربة متعة -كما أعتقد وأتمنى- ورجائي الخاص جدًا ألا تقفزوا إلى النهاية مهما شدكم التوتر لفعل ذلك -تحملتم برفقتي 300 ألف كلمة من الشد والجذب لا تفسدوا على أنفسكم لحظة الوصول- ولا تقرأوا التعليقات إطلاقًا إطلاقًا إطلاقًا قبل الانتهاء منه كله، هذا رجائي الخاص، لو نفذتموه لكم مني كل الإمتنان، ولأني شخصٌ لا يجيد الكلمات اللطيفة والمؤثرة سأكتفي فقط بالقول: شكرًا لكم على مشاركتي الرحلة الجميلة حتى هذه اللحظة.

...

31- December-2019:

تساقطت أعقاب السجائِر في شقٍ بين قرميدتين، أسند ڤينسنت يده إلى ركبته المرفوعة ودَّخن، جلس جانبيًا، باب السيارة مفتوح، النسائم الباردة تحرك أغصان أشجار الكرز فتتساقط المزيد من أوراقها وتتعرى الفروع، كانت مدينة نيويورك تستعد لاستقبال شتاءٍ قاتم، أنذرت قنوات الرصد الجويّ عن عاصفةٍ ثلجيَّة تلوح في الأفق، ستختفي الأرصفة أسفل سبع بوصاتٍ من الجليد وستتوقف الحياة في المدينة التي لا تنام ليومٍ كامل، سيُنثر الملح في الطرقات وستقرقع محركات الجرافات طوال اثنتي عشرة ساعة في محاولةٍ لإعادة حركة المرور، ستتعطل محطات المترو وإن ساءَت الأحوال قد تنقطع الكهرباء في بعض القطاعات، لكن السماء الهادئة هذا الصباح لم تكن توحيّ بذلك.

وضع ڤينسنت السيجارة بين إصبعي الوسطى والسبابة، نفثَّ نحو الأعلى فخرج الدخان ممتزجًا بأنفاسه وكون ضبابًا رماديًّا تصاعد إلى الفضاء، ألقى بعقب السيجارة الأخير ونهض، انحنى، تلقف صندوقًا من مقعد الراكب، أغلق باب السيارة ومشى في الممر الحجري الطويل، أغمض عينيه نصف إغماضة وحدق بالفضاء الفسيح فوقه، امتزج اللون الأزرق الفاتح بمسحاتٍ من غيومٍ متقطعة هنا وهناك، راقب الرياح وهي تدفع بها بعيدًا محولةً صفحة السماء إلى زرقة نقيَّة، تميل للون فضيّ.

عبَّ لصدره نفسًا كبيرًا، أبقاه داخله بعض الوقت ثمَّ أخرجه ببطء، تلكَأت خطواته، وحاد بناظريه عن منظر الأضرحة المنتصبة بتتالي، اسمٌ وعمرٌ وتاريخان، تتكرر الحلقة إلى ما لا نهايَّة، يستمر الزمن في رحلته السرمِدية وفي كل مرة يتوقف القطار ويسمح لبعض ركابه بالترجل، لقد سمع اصطفاق الأبواب وزمجرة المحرك البخاريّ، وفي كل مرةٍ ظنَّ أن المحطة لا بد محطته، وفي كل مرة اتضح له أن عليه مواصلة الرحلة؛ مشاهدة الوجوه العابرة من وراء الزجاج، تحدق به بنظراتٍ ثابتة ثم تغيب. حرك الهواء خصلًا من شعره غطت عينيه فأبعدها، توقفت خطواته، أغمض عينيه لهنيهة، هبت دفقة هواء أخرى رفرف معها قميصه، سرت بجسده كله قشعريرة من البرد، فتح عينيه وحدق بالقبر.

「 مُحَـاولة الغـرق 」حيث تعيش القصص. اكتشف الآن