Epilogue

490 41 24
                                    


اوووه! هذه الصورة لا تتبع إرشادات المحتوى الخاصة بنا. لمتابعة النشر، يرجى إزالتها أو تحميل صورة أخرى.

...

 
حركت الرياح صفحات كتاب ذو غلافٍ ثخين، رفرفت أوراقه، كان النسيم العليل مشبعٌ برائحة البحيرة، تموج لونها الأزرق المخضر مع كل نسمة، هفهفت الستائر الشفافة وهدأت، انفتحت صفحة الكتاب الأولى، كُتِب عليها بخطٍ مائل: اهداء إلى "ريدرابت الذي رحل مبكرًا" 

رفرفت الأوراق لليمين واليسار، ظهرت سطورٌ مطبوعة واختفت مع تقلبها السريع. 

- جذبت يدٌ آدم للخلف باللحظة الأخيرة، عبرت الشاحنة ونفيرها يسير القشعريرة في الجسد، ارتجت قبل أن تعود للسير في الطريق باستقامة، صاح الشاب بوجهه: "هل أنت مجنونٌ يا فتى؟ انظر جيدًا قبل أن تقطع الشارع!" 

نفض يده بانزعاج ومشى مبتعدًا عنه، كان قلب آدم يدويّ داخله مثل طبل، أغرقه العرق من أعلى شعراته حتى أخمص قدميه، التصق بجدار محلٍ تجاري للألعاب وقرفص على الأرض، رأسه يدور، كلمة الموت برزت للمرة الأولى في ذهنه، وللمرة الأولى فهم معناها. 

رفع عينيه للسماء المظلمة فوقه، لمعت على سطحها نجيماتٌ صغيرة شكلت مثلثًا براقًا، حملق بها وفكر: ما الذي أتى بي إلى هنا؟ لِمَ تركت إم وبي... 

أجهش بالبكاء حين تذكرهما، أوقف سيل الدموع بالقوة، مسح أنفه المحمر، اكتنف الرقعة الجالس عليها ظلٌ داكن فرفع عينيه، وقف أمامه رجلٌ مليح الوجه له لحية مشذبة، خاطبه بلطف: "ما الذي تفعله هنا يا صغير هل أنت ضائع؟" 

اِلْتفت آدم لواجهة المحل، خلفها كان هنالك العديد من الدمى المحشوة، تركز نظره على أرنبٍ أبيض، عيناه الحمراوين لمعتا مع إنارة الطريق، تابع الرجل خط نظره، مسد لحيته وابتسم: "أترغب بهذه الدميّة؟ تعال سأشتريها لك." 

نظر آدم نحوه دون أن يتحرك، كان وجه الرجل مبتسمًا لكن عيناه ليستا كذلك، لم يعرف الكلمة المناسبة لوصفه، انتظر أن تظهر في ذهنه فجأة، كما حدث مع بقيّة الأشياء. 

مد الرجل له يدًا، تناولها آدم ودخلا المحل، نظرت إليهما صاحبته بابتسامة جميلة، اقتربت منهما وقالت: "هل أستطيع مساعدتكما؟" 

"نعم." أجاب الرجل وتلكَأ للحظة، "ابني يرغب بتلك الدميّة لو سمحتِ." أفلت يد آدم حين أشار للأرنب. 

بالجهة الأخرى من الطريق شاهد آدم شاحنة متوقفة، كان سائقها يختلس إليهما نظرات سريعة ثم يعاود تدخين سيجارته، حول آدم عيناه للرجل ذو الشعر الداكن، كان يتحدث مع المرآة، طلب منها تخفيضًا ليصير زبونًا دائمًا لها بينما انشغلت هي بوضع الأرنب داخل كيسٍ بني كبير. 

استغل آدم الفرصة ومشى عبر رفوف الألعاب، فتح الباب الخلفي للمحل دون أن يثير انتباههما وخرج، في اللحظة التي وضع قدمًا خارج المحل، أضاءت الكلمة بذهنه: مُجرِم. 

ركض بأقصى سرعته على الرصيف، هدر محرك شاحنة بمكانٍ ما خلفه فهلع وزاد من سرعته أكثر، انتبه ألا يقطع الطريق دون أن ينظر هذه المرة، عبر للجهة الأخرى حين تحولت الإشارة للون الأحمر، كانت أنفاسه لاهثة وعيناه تدمعان، فكر بإم وبي والوقت الذي قضاه مُنعمًا بالأمان برفقتهما، كان يأكل طعامًا شهيًا وينام مع بي في فراشه وهو ممسكٌ بيده. 

طرف قطرات الدموع عن عينيه، تباطَأت خطواته حين عجز عن متابعة الركض أكثر، كان قد قطع مسافة بعيدةً جدًا وتوغل داخل الغابة، دار من حوله دون أن يدري كيف سيستطيع الخروج، لم تؤرقه هذه الفكرة كثيرًا، كان يشعر بأنه أكثر أمانًا هنا مقارنةً بوجوده في المدينة، تشعب ألمٌ مبرح عبر عقله مثل صعقة، شعرَّ برقعة بيضاء تتسع داخل مجال رؤيته، تابع المشي بخطا متعثرة إلى أن وصل ربوةً عاليّة، جثمت بقمتها شجرة تفرعت أغصانها في السماء، استند بظهره على جذعها، كان باستطاعته أن يرى الأفق المُضِئ للمدينة من تلك الربوة. 

حفت أغصان الشجرة وسقطت بتلةٌ ورديّة فوق شعره، سمع صوتًا ينده بآدم، فتح آدم عينيه وقال: "مَنْ أنت؟" 

"ادعى ريدرابت."

"هل أعرفك؟" 

"لقد كنت تبحث عني."

"لِمَ تحدثني داخل رأسي؟" 

"لأنك لن تسمعني في الحقيقة. أنا دُميَّة."

"وقد كنت أبحث عنك؟" 

"أجل."

"وأين كنت؟" 

"كنت معك، هنا، وسأكون دائمًا، لكن لم يكن بمقدورك سماعي."

"ولِمَ أسمعك الآن؟" 

"إنها الشجرة التي تتكِئ عليها، منحتني صوتها."

"أنا متعب." 

"أعلم ذلك."

"أشعر بالنعاس." 

"لا تنم واستمع إليّ إنها المرة الأخيرة التي سأستطيع الحديث معك."

"قلت أنك ستكون بجانبي دائمًا." 

"أنا بجانبك، لكنك لن تسمعني."

رفرفت عينا آدم بتثاقل فقال الصوت: "ماذا تنوي أن تفعل؟ بإمكاني إعادتك للغابة حيث توجد قلاسي، ويمكنك الذهاب للقرية أو أستطيع ارجاعك لمكانك الأول لقد استعدت كلماتك المَنسيَّة وسأرُد اسمك إليك." 

"أنا نعسان." 

"لا تنم! أين تريد أن تذهب؟"

"قلبي يؤلمني وأوّد البكاء." 

"أنا أحبك."

"لكنك ستختفي وتتركني وحيدًا." 

"أنا معك."

"ريدرابت." 

"أجل."

"ستأكل أطياف النوم هذا الكابوس وعندما استيقظ ستكون معي." 

سقط رأسه على الجذع فنده ريدرابت باسم الصبي، لكن رموش الصبي (وليس الدميَّة) انسدلت على خديه بسلام ولم يسمعه. 

"أنا آسف. كالِن."

تردد الصوت، سقط مثل بلورة زرقاء أخيرة تلاشت في الفراغ. 

 
Fin.
 
 

「 مُحَـاولة الغـرق 」حيث تعيش القصص. اكتشف الآن