30|عين ساكنة.

282 47 29
                                    

~في ذات اليوم،بعد ساعات.

أجلس بهدوءٍ على مقعدٍ جلدي فاخر،مريح أعتدت الجلوس عليه كثيرًا في سنواتي السابقة والحالية كذلك،في غرفة ألفها و أعرفها جيدًا.

أمام رجل ظننت أنني أعرفه وأحبه.

لم أكن مخطئة.

أنا أعرفه،دومًا ما عرفته و حفظت طبيعته تلك لكن..لكني أنا من تغاضيت على الدوام و غضضت بصري حتى بات ذلك لزمًا علي وأن لم أفعل بتُ السيئة التي تنتظر زلة لسان.

أنا سكتُ كثيرًا،سمعتُ كلامًا مؤلمًا مراتٍ عديدة من أناس أحبهم،جرحوني و أثقلوا قلبي بسموم الكلام حتى بات مشوهًا معدوم الفكر لا يقوى على التميز بين ماهو واجب وماهو أختياري.

عقلي كان يعمل،يتحدث و يرشدني على الدوام ألا أنني لم أتبعه ألا مع الأغراب ومن سكنوا قلبي بقوا سكانه حتى وأن شوهوه.

وكيف بأمكاني التمرد على قلبي؟

من أحبتتهم سكنوا صدري عميقًا،هناك خبئتهم في أعمق نقطة حتى بات العثور عليهم مجرد حلم عقيم،أخفيتهم لدرجة بات من المستحيل أخراجهم فقد حُفروا داخلي و نقشوا أسمائهم بالحديد والنار.

عميقٌ حتى صار مستحيلًا رؤية أخطائهم لكنها في ذات الوقت أكثر من تؤلم،أكثرها حرقة و لوعة لأنها قريبة،جاءت من قريب من مكان أقرب من حبل الوريد.

يا سكان قلبي،يا من لا أبصرُ أخطائهم..لمَ تستمتعون بأيذائي؟ لماذا تهدمون الجدران التي أحتوتكم؟  أتسعون لحرقي وتركي رمادًا باليًا لا قيمة له؟

أنا الركام،ركام مدينة شامخة حَوت الجميع داخلها حتى حطموها وجعلوها مجرد أنقاض بالية،خردة مجرد شيء زائد..هكذا صرت.

عيناي تحرقانني،تصير الرؤية فيهما ضبابية بين كل حين وأخر،تتجمع الدموع فيهما،كالسد العتيق بعد مطر جارف غاضب لكن الحرارة لاتهجرهما وسرعان ما تعاود الظهور لتجفف كلشيء.

لتعود الحرقة مجددًا لكن..حرقة جفاف هذه المرة،حرقة فراغ من كل شيء عدا الآلم،السكين التي لاتنفك عن طعني كلما تكررت الكلمة في رأسي.

لاأعرف طعم دموعي،لقد شربتها كثيرًا و تشبعتُ بها حتى بات وجودها غير فعالًا،لاأشعر بها..سوى بسيل غاضب يضرب جدران صدري و أجفاني،يحاول التمرد لكنه سرعان ما يخفت.

لأن الطعم بات باهتٌ،حتى الدمع المالح بات باهت لا يمكن الأحساس به.

لأن كل ما حوله بات باهتٌ وشاحبٌ حتى أنا..وحده الآلم الحاد يحرك ريشته ليعيد تلويني.

نظرت له،كان يجلس بهدوءٍ على مقعده الخاص أمامي،يريح مرفقيه على منضدة مكتبه و يشبك كفيه مع بعض،بدا منشغل وغارق في التفكير و بروز العروق قرب عينيه أفهمني كم هو ساخط.

شتاء أحمر||Red Winterحيث تعيش القصص. اكتشف الآن