الفصل الاول( 1 )

428 23 0
                                    

اكاسيا، مملكة ان سمح لك القدر وزرتها يوما ستظن ان فصول السنة لا تتعاقب عليها ابدا فهي ذات اجواء ربيعية دائمة، تبعث في النفس السعادة والبهجة اما منازلها فهي تتنوع بين البسيط والراقي فمنازل العامة تتكون من طابق او طابقين ذات طراز معماري بسيط  اما منازل الاثرياء فهي فخمة لدرجة خيالية ويحيط بكل بيت من هذه البيوت حديقة ضخمة تتوسطها نافورة مياه او حوض ماء ضخم يعطي منظرا ساحرا
في احد شوارع هذه المملكة كانت هناك عيادة مكونة من طابق واحد،تتكون تلك العيادة من ردهة متوسطة الحجم بها ثلاثة من الارائك الخشبية وخزانة لحفظ الادوية والاعشاب الجافة،وحجرة ملحقة بتلك الردهة بها سرير صغير ومكتب موضوع فوقه مجموعة من الكتب وكرسي خشبي يقبع خلف هذا المكتب،يجلس فوق الكرسي شاب في منتصف العقد الثالث من العمر له عينان حادتان كعيون الذئاب تصيبان من يطيل النظر اليهما بالرعب، يمسك بين يديه بأحد الكتب الطبية للوهلة الاولى يشعرك انه يقرأ بتركيز شديد ولكنه في الحقيقة لا يفهم شيئا مما كتب امامه،اغلق ذلك الكتاب ثم قال بتأفف:
هذا الكلام يشبه الالغاز،انا لا افهم شيئا
ثم عاد بظهره الى الخلف ورفع ساقية فوق طاولة المكتب امامه وظل محملقا في سقف الحجرة في صمت، قطع عليه صمته صوت اغلاق باب العيادة فنهض من مكانه واسرع باتجاه الردهة
كانت هناك شخص ملثم يقف مغلقا بظهره باب العياة،يظهر من الثياب التي يرتديها انها فتاة فقال وهو ينظر نحوها بتوجس:
من انت؟
اشارت له ان يصمت ثم اتجهت بعد برهة نحو النافذة المتواجدة بأحد جدران الردهة لتراقب الطريق خارجا ولكنها ما كادت ان تنظر حتى جثت ارضا فاقترب منها واغلق النافذة ثم قال دون ان يرفع عينه عنها:
بإمكانك النهوض
نهضت الفتاة وهي تحدق به فتابع:
من انت؟ وماذا تفعلين هنا؟
فقالت بنبرة رجاء:
ارجوك اريد الاختباء،فالحراس يطاردونني
ـ ليس قبل ان تجيبي سؤالي
فصاحت فيه بحدة:
سأخبرك لاحقا ولكن خبئني اولا فهم يبحثون عني في كل مكان
فقال بنفاذ صبر:
ـ لن افعل حتى تخبريني اولا
فقالت بحدة وهي تكز على اسنانها:
ما شأنك انت؟
رد غاضبا:
بل شأني ربما تكونين لصة سرقت شيئا من احدهم وبهذا قد تتسببين في اذيتي،وما ادراني قد تسرقين شيئا من عيادتي؟
فقالت باستهزاء وهي تشير الى مقعد خشبي قديم:
ما الذي قد اسرقه من هنا؟….هذا؟
تنهد في ضيق ثم قال بنفاذ صبر:
هيا
ـ الى اين؟
ـ لتختبئي
ثم سار نحو الحجرة وهي خلفه وهناك قام بإبعاد طاولة المكتب من مكانها فظهر اسفلها باب خشبي جذبه لأعلى:
انزلي الى هنا ولا تصدري صوتا مهما حدث
لم تتحرك من مكانها قيد انملة فقال يتعجلها:
هيا قبل ان يأتي احد
انصاعت لما قاله وشرعت في النزول ولكنها توقفت واخذت تحدق فيه فقال ليطمئنها:
لا تخافي،المكان بالاسفل آمن، لن يعلم احد بوجودك مالم تصدري صوتا
اومأت ايجابا ثم تابعت نزولها،اغلق الباب واعاد الطاولة الى مكانها،جلس على كرسيه من جديد وامسك بكتابه متصنعا القراءة فيه
وما هي الا لحظات حتى سمع صوت باب العيادة يفتح بقوة فوثب من مكانه وخرج من الحجرة،
كان يقف في الردهة فارس واثنين من جنود المملكة تقدم الفارس نحوه وسأله بحدة:
هل رأيت فتاة ترتدي سروالا اسودا وسترة ارجوانية وتغطي رأسها بوشاح ابيض؟
صمت قليلا قبل ان يقول:
نعم رأيتها
نظر الفارس نحوه بتأهب فتابع:
كانت تركض منذ لحظات متجهة نحو زقاق جانبي
رمقه الفارس بنظرة شك ثم خرج من العيادة يتبعه الجنديان
خرج الشاب خلفهم ثم مكث يراقبهم حتى اختفوا عن انظاره بعدها عاد الى الداخل واغلق الباب خلفه جيدا ثم اسرع باتجاه الحجرة وابعد الطاولة بسرعة واسرع بفتح الباب ليخرج الفتاة قبل ان تختنق
خرجت الفتاة من مخبئها وظلت تحدق فيه طويلا فقال متعجبا:
لم تنظرين الى هكذا؟ لقد رحلوا
فصاحت فيه بحدة:
هل انت احمق؟…كيف تخبرهم انك رأيتني؟
فأجابها:
كنت سأسألك عن شئ ولكني عرفت جوابه
ـ وما هو؟
فقال بعد ان زفر انفاسه بقوة:
كنت سأسألك عن بقيتك ولكني عرفت ان توجد
فقالت بتعجب:
بقيتي؟!
فرفع يده بجوار جسده في اشارة تدل على الطول فقد كانت قصيرة بشكل ملحوظ فسألته:
واين بقيتي برأيك؟
اجابها ضاحكا:
داخل فمك
فصرخت فيه بغضب:
سليط اللسان
ـ ليس اكثر منك
استدارت غاضبة وهمت بالرحيل ولكنه اوقفها:
انتظري
ردت بحدة:
ماذا تريد؟
ـ سأذهب لأتأكد من رحيلهم عن المنطقة وانت اغلقي الباب ولا تفتحيه حتى اعود واطرقه ثلاث مرات لتعرفي انني انا من بالخارج
فقال بشگ:
ولماذا اصدقك، قد تذهب لتخبر الحراس عني
اطبق على زراعها ثم صرخ في وجهها:
لست نذلا لأبيع شخصا لجأ الي،فلو كنت اريد الابلاغ عنك لفعلت ذلك منذ البداية
شعرت بالخوف منه،ولكنها في الوقت نفسه شعرت بالاعجاب به لشهامته
خرج من العيادة فأغلقت الباب خلفه واوصدته جيدا
اخذ يتجول في الشوارع قليلا،ولم يعد حتى تأكد من رحيل الحراس ،طرق الباب ثلاث مرات كما اتفق،
فتحت الباب فدلف ثم اغلقته بعد دخوله نظر نحوها فوجدها توليه ظهرها وقد نزعت غطاء رأسها فظهر شعرها الاسود الطويل الناعم واللامع بشدة ولما استدارت نحوه ارتفع حاجبيه وافتغر فاهه في ذهول فقد كانت صورة من صور الجمال ان لم تكن الجمال نفسه، لها وجه ابيض يشبه في نضارته وصفاءه وجوه الاطفال ولها عينان واسعتان زرقاوتان كمياه البحر الصافية وانف صغير منمق وشفتان رقيقتان
ماذا بك؟
سألته لما لاحظت ذهوله فلم يرفع ناظريه عنها ولم تنمحي الدهشة عن وجهه فصاحت فيه:
الام تنظر؟
بعثر نظراته عنها مجيبا بتلعثم:
لا لا لا شئ
ثم سألته:
هل رحلوا؟
كان يحدق بالارض فلم ينتبه لسؤالها فصفقت بيديها امام وجهه وقالت:
اين كنت؟
نظر نحوها فسألته مجددا:
هل رحلوا؟
ـ نعم رحلوا
ـ اذن بإمكاني الذهاب؟
ـ نعم ولكن انتظري لحظة
دلف الى الحجرة وعاد يحمل معطفا ذا قلنسوة كبيرة ثم قال وهو يمده نحوها:
ارتدي هذا حتى لا ينتبه اليك احد
اخذته منه ثم شكرته وهمت بالخروج فسألها:
ألن تخبريني لماذا يطاردك الحراس؟
نظرت نحوه ثم قالت بغرور:
لا
ثم رحلت تشيعها عينيه حتى اختفت عن انظاره،فهمس الى نفسه:
فتاة مشاكسة
اغمض عينيه وتنهد ببطء ثم فتحهما وهو ينظر الى المكان الذي كانت تقف به قبل لحظات فلفت انتباهه شئ صغير ملقى على الارض،اقترب منه ثم انحنى ليلتقطه فوجده قلادة من المرمر تشبه ريشة الطاووس يتوسطها حجر من الالماس وعندما قلبها بين يديه وجد على الجانب الاخر منها نقش على هيئة تاج تعلوه نجمة،محفور اسفل هذا النقش اسم( ريماس)
فقبض على هذه القلادة بقوة وهو يبتسم ابتسامة من وجد كنز
        
                          *******

#وفاء ـ عبد الهادي ـ احمد🌸

{ملك الذئاب} حيث تعيش القصص. اكتشف الآن