الفصل الخامس( 5 )

106 18 0
                                    

وفي الخارج كانت حور تراقب الطريق بأنفاس محتبسة في انتظار عودة الاميرة وما ان رأتها تخرج حتى تنفست الصعداء وما ان اقتربت منها حتى سألتها:
لماذا تأخرت هكذا يا مولاتي؟
ـ سأخبرك لاحقا،هيا بنا
وفي اثناء عودتهما الى داخل القصر اخبرتها الاميرة بما حدث:
لقد كان استنتاجك صحيحا
فقالت حور:
اي استنتاج؟
ـ لقد اسقطت القلادة في عيادته قبل مغادرتي فوجدها هناك
ثم زفرت انفاسها بضيق وتابعت:
لابد وان اتدخل، فأنا لايمكنني ان ادعه يقتل بسببي ابدا، ولكن قبل ذلك لابد وان اعيد المفتاح
ذهبت الى مجلس الملك ودلفت على الفور دون استئذان
لم يكن في المجلس سوى الملك ووزيره وجنيد فقط، فرمقها الاخير بنظرة حادة حين رآها تدخل الى المجلس، فسارت امامه بغرور وخيلاء ثم قامت برمي شعرها الى الخلف فاصطدم بوجهه الامر الذي جعله يغلي كالحمم ولكنها لم تأبه به بل كانت تتعمد فعل ذلك لأنها تثق تمام الثقة انه لن يجرؤ على فعل شئ
وقفت امام والدها مبدية احتراما ثم قالت:
ما هذا المفتاح يا ابي؟
رفعته امام الجميع فمد جنيد يده نحو حزامه  بشكل تلقائي فلم يجد المفتاح فسأل الملك ابنته وهو يرمق جنيدا بنظراته:
اين وجدت هذا المفتاح؟
فقالت وهي تتصنع البراءة:
وجدته في بهو القصر
حدق الملك في جنيد وقد بدا عليه الغضب فقال الاخير مدافعا:
اقسم لك يا جلالة الملك انه كان بحوزتي ولا اعلم كيف اختفى هكذا ليظهر في يد الاميرة فجأة
ـ هل هذا المفتاح مهم لهذه الدرجة؟!
سألت الاميرة والدها فأومأ ايجابا
فقالت وقد وجدتها فرصة:
ما دام مهما الى هذا الحد فلماذا تتركوه بحوزة شخص مستهتر كهذا؟!
في تلك اللحظات لو كان جنيد بركانا لانفجر، فلا احد يستطيع رفع عينه للنظر في وجهه حين يتحدث معه، ولكن تلك الفتاة تتعمد اهانته وتتمادى في ذلك
نظرت الاميرة نحو والدها وسألته بقلق مصطنع:
لا تبدو بخير يا ابي؟
نظر في عينيها طويلا ثم ابتسم ابتسامة مهمومة دون ان ينبس بشئ، فقالت وهي تقترب منه وتمس وجنته بيدها:
ابي ارجوك،اخبرني ماذا بك؟
أجابها جنيد نيابة عنه:
لقد امسكنا بلص داخل القصر
زفرت انفاسها بقوة ثم قالت:
من سألك انت؟
اعتذر جنيد من الملك وطلب الانصراف متعللا بمهام اخرى ولكنه في الحقيقة سينفجر ان مكث دقيقة اخرى في ذلك المكان،فابتسمت ريماس وهي تتبعه بعينها ثم نظرت نحو والدها بعد ان قامت بمواراة ابتسامتها وسألته:
هل ما قاله صحيح؟
اومأ ايجابا فتابعت:
كيف حدث هذا؟ لص في قصر الملك رعد ملك أكاسيا؟
ثم تسائلت:
وما الشئ الذي سرقه؟
ـ هذه
قالها الملك وهو يفتح يده القابضة على القلادة امام ابنته التي قالت بلهفة:
قلادتي؟!..... اين وجدتها يا ابي؟ لقد كنت ابحث عنها منذ ايام ولم اتمكن من العثور عليها ابدا
ثم اخذتها منه وارتدتها على الفور ثم ابتسمت وقالت:
شكرا لك يا ابي
ثم قبلته في خده وهمت بالذهاب ولكنه اوقفها:
ريماس، انتظري
لاحت ابتسامة على شفتيها،فقد كان هذا ما تريده بالضبط،ثم نظرت نحو والدها فسألها مستفسرا:
ماذا تقصدين باختفاء قلادتك منذ ايام؟
قوست فمها لأسفل متصنعة عدم فهم ما يقصده فقال مفكرا:
كيف كانت مع ذلك الشاب؟!
ثم تابع وهو ينظر في عيني ابنته:
ان كان ما تقولينه حقيقي فهذا يعني انه جاء بها من خارج القصر وليس من داخله
ثم ارسل احد الحراس في طلب جنيد الذي جاء على الفور وقال:
امرك سيدي
ـ اذهب واحضر الشاب السجين الان
فقال جنيد معترضا:
ولكن سيدي
فرمقه الملك بنظرة جعلته يقول:
امرك سيدي
وذهب على الفور
نظر الملك نحو ابنته ثم قال برفق:
بإمكانك الذهاب
كانت تريد الحضور اثناء وجود ذلك الشاب فقالت:
ابي هلا سمحت لي بالبقاء معكم؟
فاعترض ولكنها اخذت ترجوه حتى قبل،فرغم القسوة والصرامة الباديتان على الملك رعد الا انه حين يتعلق الامر بابنته فإنه يتحول الى شخص اخر
جلست على كرسي بالقرب من عرش والدها قبل ان يدخل جنيد ويقف بثبات امام الملك يتبعه حارسين يتوسطهما الشاب وقد قيدت يداه خلف ظهره، تعلق بصره بالفتاة الجالسة بالقرب من الملك وقد كانت ترتدي القلادة التي سجن بسببها متعجبا من وجودها في ذلك المكان
وقف الحارسان أمام الملك واخفضا بصريهما الى الاسفل،بينما شرد عقل الشاب في امر الفتاة الجالسة امامه، اخذ الملك يتفحصه من اعلى الى اسفل ثم سأله بهدوء:
هيا اخبرني
ـ بم اخبرك سيدي؟
فقال الملك وهو يحاول المحافظة على هدوءه:
كيف حصلت على القلادة؟
ازدرد الشاب ريقه ثم قال:
كما اخبرتك من قبل مولاي الملك، وجدتها واعدتها، هذا كل ما في الامر
فقال الملك بنفاذ صبر:
احك لي بالتفصيل
اومأ الشاب ايجابا وهو ينظر ناحية الفتاة فالتقت عيناهما للحظة، استطاع خلالها ان يقرأ في عينيها توسلها لإخفاء الامر عن والدها، فأخذ في سرد ما حدث منذ دلفت الى عيادته طالبة منه الحماية وحتى وقوفه امام الملك
ولكنه لن يأت بذكرها قط بل اشار اليها بفتاة مجهولة
حل صمت رهيب على الجميع قطعه الملك مستفسرا:
هل تستطيع التعرف على تلك الفتاة ان رأيتها؟
اومأ نفيا وقال:
كانت تغطي وجهها بلثام لا يظهر منه سوى عينيها
نظر الملك نحو ابنته وقال بحدة:
لابد وانها وصيفتك فهي تلازمك ليل نهار
نهضت ريماس من مكانها وقالت مندفعة تدافع عنها:
لا يا ابي من المستحيل ان تفعلها حور فأنا اثق بها
اتسعت حدقتا الشاب وقال في داخله غير مصدق:
ابي؟!...انت الاميرة اذن
ـ ومن سيفعلها غيرها؟
قالها جنيد بحدة فصرخت فيه:
ما شأنك انت؟ لماذا تتدخل؟
ثم نظرت نحو والدها وتابعت بتوسل:
ارجوك ابي صدقني، مستحيل ان تفعلها حور، اقسم لك يا ابي، انا اعرفها جيدا
تعجب الشاب من دفاعها عن خادمتها بتلك الطريقة وقال في نفسه:
تلك الفتاة طيبة ومتواضعة
صمت الملك لبرهة ثم قال دون ان يرفع بصره عنه:
هل انت طبيب
اومأ ايجابا واردف:
ولكني لست متمكنا فلازلت اتعلم 
ـ كيف تفتح عيادة وتمارس الطب وانت لست متمكنا فيه؟
فقال:
كانت العيادة لوالدي
سأله الملك:
هل كان والدك طبيبا؟
اومأ ايجاب وقال:
كان من امهر اطباء المملكة
صمت الجميع لبعض الوقت حتى قال الملك:
هذا بالنسبة للقلادة، ولكن ماذا عن دخولك الى القصر كيف تمكنت من الدخول؟
قال:
عن طريق البوابة
فصاح جنيد:
انت تكذب فلا يمكنك الدخول من البوابة وهناك اكثر من مائة حارس مكلفين بحماية البوابة ولا يمكن لأحد ان يتخطاهم ابدا فهم من امهر حراس المملكة، لابد وأنك……
فقاطعه الشاب متهكما:
ان كنت تفكر انني دخلت القصر عبر السور فانت تفكر بغباء
كاد جنيد ان يصفعه على وجهه ولكنه تمالك نفسه بصعوبة بينما تابع الشاب كلامه:
هذا السور لا يمكن لأحد ان يعبره وان كان امهر لص في المملكة فما بالك بي انا
كان ما قاله الشاب قد الجم لسانه فلم ينبس ببنت شفة فصرخ الملك في احد الحراس ان يذهب لإحضار كبير حراس القصر ففعل
جاء السيد مالك كبير حراس القصر ووقف امام الملك فقال الاخير بحدة وهو يشير نحو الشاب:
كيف دخل هذا الشاب الى القصر يا كبير الحرس؟
نظر كبير الحرس نحو الشاب متفاجئا وكأنه لم يلحظ وجوده منذ البداية ثم قال:
لا اعرف
نهض الملك من على عرشه ثم دنا منه وقام بصفعه بقوة اجفل لها الشاب وقال:
لقد دخل من البوابة
فقال مدافعا عن نفسه:
مستحيل، فلو حدث ذلك لكنت عرفته على الفور
ـ بلى
قالها الشاب وهو ينظر نحو كبير الحراس بتحد ثم تابع:
داخل العربة التي دلفت الى القصر منذ ساعات
فصرخ الملك فيه بحدة:
استطاع التسلل والولوج الى القصر بينما انت تلهو يا كبير الحرس
ثم امسك الملك بتلابيبه وصاح:
خذوه الى السجن
امسك الحارسين اللذين جاءا بالشاب قبل لحظات بكبير الحرس واخذاه الى السجن بينما بقي الملك ينفث غضبه في وجه الشاب ثم قال اخيرا:
ان رأيتك داخل القصر مرة اخرى او رأيتك صدفة في اي مكان فسأقتلك في الحال
ثم صاح:
انصرف
لم يكن الشاب يرغب في مغادرة القصر فصدمه ما حدث ولكنه لم يملك ان يفعل شيئا فهم بالرحيل ولكن ريماس اوقفته قائلة:
انتظر
نظر نحوها فرآها تقبل نحوه وفي يدها سكين، دارت حوله فشعر بها تمزق القيود التي تقيد يديه ثم وقفت امامه وقالت وهي تنظر في عينيه:
الان بإمكانك الانصراف
خرج الشاب من مجلس الملك ومنه الى خارج القصر
عاد الملك الى مخضعه ليستريح بعد عناء ذلك اليوم فلحقت به ابنته فوجدته يجلس على كرسيه قرب النافذة وقد كان باديا على محياه الحزن والضيق فاقتربت منه وقالت برفق:
ابي..هون على نفسك الامر لا يستحق
نظر الملك نحو ابنته وقال ليطمئنها:
انا بخير، لا تقلقي
فأمسكت بوجنتيه وقالت بمداعبة طفولية:
اين الابتسامة الجميلة؟
ضحك الملك لمداعبتها، فوجدتها فرصة لأن تتحدث اليه في امر يشغل بالها  فقالت:
ما رأيك في ان نستفيد منه؟
انعقد ما بين حاجبي الملك اذ لم يفهم ما تقصده فأردفت:
اقصد ذلك الشاب الذي كان هنا
لم تعرف لماذا عرضت على والدها هذا الامر ولكن شئ في داخلها كان يرغب في بقاء هذا الشاب امام عينيها فسألها الملك مستغربا:
وكيف هذا؟
فقالت:
بما انه طبيب يمكننا ضمه الى القصر ليكون طبيبا خاصا بالملك
فقال بعدما لم يستحسن الفكرة:
كيف ذلك؟ وهو ليس طبيبا متمكنا
فابتسمت وتابعت:
بإمكانه ان يتعلم اكثر لو اخبرناه برغبتنا في ضمه الينا
حاول الاعتراض ولكنها قالت ترجوه:
ارجوك يا ابي، سنعطيه بعض الوقت ليمارس ما يعرفه ويتعلم المزيد، وان لم يفلح عاد من حيث اتى
لم يفهم السر وراء اصرار ابنته ولكنه وافق على طلبها وقال:
سأرسل في طلبه
فقالت وقد تهللت اساريرها:
هل تسمح لي بالذهاب اليه واخباره بالامر بنفسي
كان يعرف انها لن ترحل حتى يوافق لذا وافق دون تردد
      
                        ********

#وفاءـ عبدالهادي ـ احمد

{ملك الذئاب} حيث تعيش القصص. اكتشف الآن