الفصل الثامن( 8 )

62 15 0
                                    

كانت تسير على اطراف اصابعها كي لا تزعج الاميرة التي تنام منذ ساعات،فبعد الثورة التي اقامتها هدأت وخلدت الى النوم فهي لم تنم طوال الليل، فذهبت اليها لتوقظها كي تخبر مجداً بأمر لقاء الملك،
نهضت ريماس واتجهت على الفور الى غرفة مجد او كما يسمونها غرفة الطبيب، طرقت الباب فلم تتلق رداً ما دفعها للولوج دون استئذان، وما ان دخلت الغرفة حتى وجدته نائما فنظرت نحوه بدهشة ثم قالت:
هذا الكائن لا يكتفي من النوم ابدا
ثم نادته فلم يستيقظ، اقتربت من الفراش قليلا ونادته مرة اخرى فلم يستيقظ ايضا،فاضطرت لأن ترفع صوتها قليلا فلم يصدر منه اي حركة، فهمست الى نفسها:
ماذا به لا يستيقظ؟ هل مات؟
ثم هزت ساقه برفق وهي تناديه فما كان منه الا ان نام على جانبه موليا اياها ظهره فنظرت نحوه مضيقة احدى عينيها وقالت:
اذن ليس امامي حل اخر
فقامت بدفعه بدفعه بقوة وهي تصرخ باسمه فوثب من مكانه فزعا وهو ينظر في كل مكان حتى وقع بصره عليها فسار نحوها وقد تبدلت ملامحه من الفزع الى الغضب وقد احمر وجهه وكذا عينيه فقالت وقد بدأ الخوف يتسرب الى قلبها من هيئته:
اسفة لم اقصد ان افزعك، اردت ايقاظك فحسب
فقال بحدة:
وهل هكذا يستيقظ البشر؟
فازدردت ريقها بصعوبة ولم ترد خوفا مما قد يفعله، ثم القت بنظرة خاطفة نحو الباب وفي لحظة اسرعت نحوه هاربة، وقبل ان تخرج استدارت نحوه وقالت بطريقة كالاطفال:
وأيضا البشر لا ينامون بهذه الطريقة، كاد الجدار ان يخرج عن صمته ويجيبني وانت لا
ثم قالت وهي تستدير مغادرة:
لا تتأخر فالملك ينتظرك، ولا تنس ارتداء الملابس الرسمية التي ستجدها داخل الخزانه
ثم هرولت الى الخارج
ظل واقفا في مكانه لبعض الوقت قبل ان يتجه الى الخزانة ويخرج من داخلها زيا عسكريا عبارة عن سروال اسود اللون وسترة بلون السكر وحذاء بني ذا عنق طويل، ارتداه وخرج على الفور
كان يتلفت حوله كثيرا كي يعرف الطريق الى مجلس الملك، حتى وصل الى الدرج فتفاجأ بريماس تجلس على احدى عتباته واضعة احدى راحتيها اسفل خدها وتنظر امامها بشرود، نظر اليها لبعض الوقت يتأملها ثم جلس الى جوارها وقال:
ماذا تفعلين هنا؟
شهقت حين سمعت صوته فلم تكن منتبهة لوجوده ثم نظرت نحوه وقطبت جبينها وقالت:
لم كل هذا التأخير؟ هل يلزم تبديل ثيابك كل هذا الوقت؟ ام انك عدت للنوم مرة اخرى؟
ثم تابعت وهي تنهض من مكانها:
هيا الملك في انتظارك منذ مدة
فنهض هو الاخر وسار معها حيث مجلس الملك
ولجت الى مجلس الملك دون استئذان بينما ظل واقفا في مكانه فسألته عن سبب ذلك فقال:
ان دخلت انت دون استئذان فأنت ابنته ولن يغضب منك، اما انا فلن احصد سوى الاهانة
وجدت جوابه منطقيا فدلفت بمفردها، فوجدت اعضاء مجلس الملك جميعهم متواجدين في ذلك الوقت وعلى رأسهم الوزير وابنه المغرور، فوقفت امام والدها وقالت:
جلالة الملك، الطبيب في الخارج ينتظر الاذن بالدخول
استاء الملك من دخول ابنته دون استئذان ولكنه لم يقل شيئا وسمح له بالدخول
وما ان دخل حتى رمقه كل من شريح وابنه بنظراتهما المتسائلة، فوقف امام الملك بثبات وقال:
احترامي جلالة الملك
فقال الملك برسمية:
مرحبا بك ايها الطبيب
ثم نهض من فوق عرشه واقترب منه ثم تابع:
لقد سمعنا عنك الكثير، واغلب اهل اكاسيا يشيدون بك ويمتدحونك كثيرا
ـ هذا شرف لى جلالة الملك
وقف الملك بين اعضاء مجلسه وقال بصوت جهوري:
ايها السادة، اعرفكم بالطبيب الجديد لقصر الملك
فقال جنيد معترضا وقد كادت عينيه ان تغادرا محجريهما من شدة الغضب:
كيف هذا؟
حدجه الملك بنظراته وقال بحدة:
هل لديك اعتراض على امر الملك ايها للقائد؟
طأطأ رأسه لأسفل ولم يتفوه بشئ فتابع الملك:
خذه الى سجن القلعة
ارتسمت الدهشة على وجه جنيد بينما بدا القلق على وجه مجد وريماس الذين تبادلا النظرات فأردف موضحا:
ان الطبيب المتواجد في سجن القلعة كهل ولابد انه في حاجة لمساعد لذا ستكون مساعده نهارا وبقية اليوم ستكون طبيبا للملك
تجهم وجه جنيد بينما تنفس مجد وريماس بارتياح فقالت الاخيرة بحماس:
هل يمكنني الذهاب؟
ابتسم الملك وهو ينظر نحو ابنته وسألها:
الى اين يا عزيزتي؟
ـ معهما
فصاح جنيد:
مستحيل
رمقته بنظرة حادة ثم ابتسمت وهي تقترب منه وقالت:
مرحبا سيد جنيد، كيف حالك؟
فبادلها الابتسامة وقال:
بخير يا مولاتي
فقالت:
كل المخلوقات تستخدم انفها في الشم والتمييز الا انت، تستخدمها في التدخل في شؤون الاخرين
حاول مجد جاهدا الا يضحك بصوت عال بينما قهقه البقية باستثناء شريح الذي لم تعجبه اهانة ابنه الذي احمر وجهه حرجا فنهر الملك ابنته لما فعلته وامرها بالذهاب الى مخضعها، ولكنها اقتربت منه وظلت تتوسله حتى سمح لها بالذهاب الى هناك ثم قال معلقا قبل ان تخرج من المجلس:
لو كنت انجبت ذكرا لما خاطر كما تخاطرين
فقالت:
اعتبرني ذكرا اذن
ثم ابتسمت وهي تهرول عائدة الى مخضعها
خرج مجد وريماس التي لم يكن لها ان تذهب الى اي مكان دون صديقتها الى خارج القصر فوجدوا جنيدا الغاضب يقف قريبا من عربتين ملكيتين قد جهزت احداهما لتقل الاميرة والاخرى للقائد والطبيب
فركب جنيد العربة المخصصة له وهم مجد للحاق به ولكن ريماس اوقفته:
ايها الطبيب يمكنك ان تذهب معي
ـ ولكن هذه العربة مخصصة لكِ
فابتسمت وقالت:
وانا من سمحتُ لك بهذا
فابتسم وصعد الى عربتها على الفور، فلم يعجب جنيد ذلك فهبط من العربة وصاح مناديا مجد:
ايها الطبيب العربة الاخرى تنتظر
فقالت ريماس نيابة عنه:
بإمكانك استقلالها بمفردك، فغرورك لا يسمح لأحد بأن يشاركك عربتك، لذا هي بأكملها لك
لو تجمعت براكين العالم كلها في تلك اللحظة وثارت في الوقت ذاته لما عادلت النار التي اشتعلت داخل صدر جنيد ابدا فصعد عربته وأمر سائقها ان ينطلق على الفور، بعدها انطلقت عربة الاميرة
جلس جنيد في عربته وحيدا تكان النار المتأججة في داخله ان تحرق العربة بمن فيها، اما في العربة الاخرى فكان كل من ريماس وحور تجلسان على ذات المقعد اما مجد فقد كان يجلس على المقعد المقابل لهما وكان الصمت جليسهم لبعض الوقت حتى قال مجد قاطعا هذا الصمت:
لماذا تتعمدين اهانته؟
فقالت باستنكار:
هل تشفق عليه؟
ـ لا فأنا لا اعرفه ولكني اسأل عن السبب
صمتت قليلا ثم قالت:
انه كائن بغيض ومغرور يستحق معاملة اسوأ
فقال متعجبا:
ألهذه الدرجة لا تحبينه؟
ـ ومن يحب مغرورا كهذا؟
ـ هل غروره هو السبب الوحيد لكرهك له الى هذا الحد؟ ارى ان جميع من في القصر يخافونه ويجلونه

ـ انت قلت، يخافونه ولكن لا يحبونه، هناك فرق بين الامرين
ـ وما الفرق؟
قالت بثقة:
ـ قد احترمك لأنني احبك، وقد احترمك خوفا منك، وهم يحترمونه لأنهم يخافونه اما انا فلست مجبرة لتحمل غروره ووقاحته
فابتسم وقال:
تبدين حكيمة
ثم تابع:
وهل هو سئ لهذه الدرجة؟
رفعت حاجبيها لأعلى وقالت:
اكثر مما تتخيل
ـ وكيف هو قريب من الملك هكذا؟
تنهدت بهدوء ثم اجابته:
هو ووالده يخفيان الكثير عن والدي
فقال مستغربا:
ومن يكون والده؟
ـ الوزير شريح
فصمت ثم سألها بعدما طال صمته:
كيف تعرفين بما يخفيانه؟
لم تجبه ولكنها اشارت بعينها نحو حور ففهم ما تقصده فقال وهو يختطف نظرة نحو حور:
الا تخشينها؟
عقدت ما بين حاجبيها وقالت:
لا افهمك
ـ اقصد الا تخافين ان تفضح اسرارك؟
فقالت باستخفاف:
من؟ هذه؟ مستحيل
ـ لم كل هذه الثقة؟
ـ انت لا تعرفها، فهي ليست خادمتي فحسب ولكنها رفيقة طفولتي وصديقتي المقربة
تعجب من ثقتها الزائدة بحور ولكنه لم يعلق ثم نظر نحوها وكأنه تذكر شيئا وقال:
سألتك سؤالا قبل عامين ولكنك رفضت الاجابة عليه، اما الان فأنا مصر على معرفة جوابه
ـ اي سؤال؟
لماذا كان يطاردك الحراس؟
وضعت يدها على فمه وقالت بصوت منخفض:
اصمت سيسمعك الحراس
نظر نحو يدها المغلقة لفمه طويلا ثم نظر في عينيها فاحمر وجهها خجلا فأبعدت يدها وقد بدا الاضطراب على وجهها
ثم قالت وهي تخفض بصرها نحو ارضية العربة:
كثيرا ما كنت اخرج من القصر دون علم احد وتلك المرة كانت احداها،
كنت اقف في وسط السوق عند حانوت لبيع الحلي فلفت انتباهي زوج من الاقراط، اخذت احدق فيه باعجاب شديد حينها شعرت بيد تضرب كتفي بقوة فنظرت عن يميني حيث الشخص الذي ضربني فوجدت امرأة تبدو في العقد الرابع من عمرها وقبل ان اتفوه بحرف كانت قد صرخت بأعلى صوتها:
ايتها اللصة
شعرت بالخوف منها فقد كانت ضخمة جدا فقلت مدافعة عن نفسي:
انا لم اسرق شيئا
فتابعت صراخها في وجههي وهي تمسك بثيابي:
ايتها الكاذبة اللعينة، لقد سرقت كيس نقودي
ثم اخذت تصيح منادية الحراس الذين اتوا على الفور فأفلت منها بصعوبة واخذت اركض مبتعدة عن الحراس الذين اخذوا يلاحقونني فرأيت من بعيد باب عيادتك مفتوحا فأسرعت نحوه ودخلت الى العيادة واغلقت الباب خلفي بسرعة والباقي انت تعرفه
فسألها مستغربا:
اذن لماذا خشيت ان يعلم والدك بهذا الامر حين امسكوا بي داخل القصر؟!
ـ خوفا مما قد يفعله والدي
ـ وماذا كان سيفعل؟
سحبت نفسا عميقا ثم نظرت نحوه وقالت:
انا ابنته الوحيدة كما تعرف لذا كان سيقوم بقتل الحراس الذين لاحقوني وان كنت المخطئة، ولأنهم ليسوا مذنبين في شئ لم اشأ ان يعلم ابي بما حدث واتمنى ان يظل الامر سرا
اومأ برأسه متفهما وقال:
لا تقلقي، لقد نسيت هذا الامر
فابتسمت وشكرته ثم بقيا صامتين حتى وصلا الى سجن القلعة

{ملك الذئاب} حيث تعيش القصص. اكتشف الآن