كانت الوحوش داخل أقفاصها تعوي بصوت قوي يزلزل المكان وتسود حالة من الكر والفر بين المحتشدين في ساحة القصر فعاد جنيد الذي كان مؤخوذاً بهذا إلى الداخل ولكن فجأة انقلب ذهوله إلى تعجب حينما وجد العجوز ترتجف وأسنانها تصطك ببعضها وكأن البرد ينخر عظامها فقال:
ما بالك ترتجفين هكذا؟!!
لم تجبه فأعاد سؤاله مرة أخرى فأجابته وهي لا تزال على حالها:
لقد عاد
ـ من هو؟
ثم تابع:
ومن الذي كنت تقصدينه بملِك الذئِّاب؟
حملقت فيه العجوز طويلاً ثم قالت بصوت مرتجف:
سيد تلك الكائنات التي تقبع داخل الأقفاص بالأسفل
ثم تابعت وهي تزدرد ريقها بصعوبة:
لقد هاجت هكذا لأنها أحست بوجوده، فهي تستمد قوتها منه
قوس فمه لأسفل وقال بغير اقتناع:
ربما لأنها رأتني
رمقته العجوز بنظرة ساخرة ثم قالت باستهزاء:
أنت ملِكٌ مزيف
ثم اقتربت منه بخطوات مرتعشه ثم أمسكت بالقلادة وتابعت:
لقد خرج وهج أحمر من عيون هذه القلادة وهذا يعني أنه كان هنا بين الحشود
صمت مفكراً ثم قال:
ولماذا عاد؟
أجابته وهي تحاوط جسدها النحيل بكلتا يديها:
لينتقم.
ـ ممن؟
ـ مني
ثم تابعت بعد صمت:
لأنني قتلته
فقال بتهكم:
قتلتيه وعاد لينتقم منكِ؟
ثم صرخ فيها باستنكار:
هل أصاب الخؤف عقلك أيتها المرأة؟ كيف يعود ميت إلى الحياة مرة أخرى؟
عبس وجهها وانقلب خوفها إلى غضب فصاحت فيه:
إخفض صوتك
ثم أردفت:
لقد ضربته على رأسه بقوة فسقط أرضاً عندها رأيت بركة من الدماء أسفل رأسه فظننت أنه مات، ولكني عرفت فيما بعد أنه لازال حياً، وها هو اليوم عاد لينتقم مني
صمت لبعض الوقت قبل أن يقول:
كيف استطعت التغلب عليه وهو يفوقكِ قوة وحجماً وأنتِ كما أرى عجوز تتوكأ على عصاها في وهن
فقالت دون الإكتراث لسخريته منها:
لم أكن عجوزاً يا سيد جنيد
فابتسم بزاوية فمه بسخرية وقال:
كم عاماً مرت على ذلك اليوم سيدتي؟
ثم تابع بسخرية:
لابد وأنها تزيد عن السبعين
حملقت فيه العجوز ثم قالت بصوت وكأنه يخرج من أعماقها:
مائتين
ضحك فقالت مؤكدة:
ليست سبعين يا سيد جنيد، بل مائتي عام
فقال غير مصدق:
مستحيل
فقالت توضح الأمر له:
هذه الكائنات لا تشيخ يا سيد جنيد مهما تقد بها العمر ولا تقفد قوتها مهما حدث
فسألها مستنكراً وهو يرمقها بنظرة شك:
وكيف عشتِ أنتِ لأكثر من مائتي عام؟
أجابته وهي تنظر في عينيه:
لأنني واحدة منهم
فصرخ فيها غاضباً:
هل تهزأين بي أيتها العاهرة؟
وهم بإخراج سيفه من مكانه فتمتمت ببضع كلمات غير مسموعة فتجمد في الحال وتصلبت عضلاته ولم يعد قادراً على الحركة
ثم وضعت راحتها فوق عينيه وأخذت تتمتم مرة أخرى وعندما أبعدت يدها عينه وجد العجوز قد اختفت وحل محلها فتاة عشرينية فاتنة تمتلك شعراً مموج يصل طوله إلى أسفل خصرها وترتدي فستاناً أسوداً لا يستر مفاتنها
ثم ابتعدت عنه ببضع خطوات فقالت لما رأته ينظر نحوها بذهول:
لو نظر إلى هكذا لمرة واحدة لما التقى عالمي بعالمك أبداً
ثم تمتمت مرة أخرى فهوى أرضاً وكأن جميع أعصابه قد أصابها الشللوعلى الرغم من هذا لم تختفي نظرة الذهول التي كانت تسيطر عليه فدنت منه ثم قامت بصفعه صفعة قوية جعلت ذهوله يتحول إلى غضب فصرخ فيها:
من أنتِ؟ أين العجوز سُلاف؟
فقالت بهدوء لا يتناسب مع عاصفة الغضب التي تجتاحه:
أنا هي، وهي أنا
فصرخ فيها:
من أنتِ؟
فبادلته الصراخ قائلة:
أخبرتك أنني والعجوز شخص واحد
ثم تابعت وهي تلقي ببصرها خارج الشرفة:
دعك من هذا وفكر في طريقة لإخضاع هذه الكائنات لك مرة أخرى
فقال بنفاذ صبر:
وهل فقدت السيطرة عليها لأفعل من جديد؟!
رمقته بنظرة حادة وقالت:
لقد شعرت هذه الكائنات بوجود سيدها وبهذا فقدت السيطرة عليها يا سيد جنيد
ثم تركته تائها في حيرته وخرجت إلى الشرفة
ظل في مكانه تعصف الأفكار برأسه ثم أخذ يملأ صدره بالهواء محاولاً ضبط أعصابه ثم لحق بها، فوجدها تستند براحتيها إلى حافة الشرفة وهي تنظر نحو ساحة القصر الفارغة بأعين ثابته فوقف إلى جوارها وأحذ ينظر إلى تلك الوحوش التي تضرب الأقفاص بكامل قوتها تكاد أن تحطمها وتعوي عواءً قوياً يزلزل الأبدان وإلى الجنود الواقفين داخل الساحة ترتجف أجسادهم وهم يمسكون بدروعهم في محاولة بائسة لحماية أنفسهم إن تمكنت تلك الوحوش من تحطيم أقفاصها، ثم صرف بصره عن هذا كله ووجهه نحوها فوجدها تحدق به وعلى وجهها ابتسامة ماكرة فأطلق تنهيدة قصيرة وقد انعقد ما بين حاجبيه ثم قال:
من أنتِ؟
زفرت بقوة وهي تشيح بوجهها بعيداً فأردف:
أعرف أنكِ والعجوز وجهان لعملة واحدة، ولكني لا أعرف من أنتِ ولم أكن أعرف من هي سُلاف ولا السبب الذي كانت تسعى إليه
ثم لمعت عيناه بخبث وتابع:
أعرف أن هناك سبب قوي تسعين لتحقيقه، أليس كذلك؟
سحبت نفساً عميقاً ثم قالت وهي تنظر إلى الساحة:
اسمي زمرد
ثم تابعت بغرور وهي تلقي بشعرها للخلف:
أجمل فتيات ممالك الذئِّاب
كانت بالفعل فاتنة ولا يوجد في جمالها اثنتين فأخذ يحملق فيها لبعض الوقت حتى انشغل جل تفكيره بجمالها ثم ازدرد ريقه وهو يبعثر نظراته عنها كي لا تتمكن من السيطرة على عقله فوقع بصره على أحد الوحوش فقال باستنكار:
كيف تعرفون الأجمل بينكم وجميعكم تملكون الوجه ذاته، وجه الذئب؟
قهقت زمرد عالياً ثم قالت:
للجمال في عالمنا مقاييس تختلف عن عالمكم، فمثلا في عالمكم تكون ملامح الوجه هي مقياس الجمال، أما في عالمنا فالأمر مختلف
رفع أحد حاجبيه لأعلى ثم قال بتهكم:
وما هي مقاييس الجمال في عالمكم؟
فقالت دون الإلتفات إليه:
الجمال في عالمنا يقاس بالقوة والقدرة على خداع الغير
فقال بتهكم:
هذا في عالمنا يسمونه الوقاحة والدناءة
فضحكت زمر ثم قالت ساخرة:
إذن يا سيد الوقاحة والدنائة، ما هي خطوتك التالية؟
لم يعجبه ما قالته ولكنه لم يعلق ثم قال:
أولائك الحمقى يظنون أن بإمكانهم التغلب على جيش بحجم جيش أكاسيا، ولكن هذا مستحيل
ـ ماذا ستفعل؟
صمت قليلاً ثم قال وهو ينظر في عينيها بتحدٍ:
سأقوم بسحقهم وسترين هذا
حل عليهم الصمت حتى قال:
لم تخبريني عن هدفكِ من هذا
زفرت أنفاسها بقوة ثم قالت:
أنت كائن لحوح
ثم تابعت:
هدفي هو السيطرة على عالمي، وجعل ملكهم أسفل قدمي، أنت ستساعدني في هذا كما سأساعدك في تحقيق حلمك.
شرد عقله وهو يتخيل نفسه ملكاً على كل ممالك الأرض بكل جيوشها وشعوبها، ثم ابتسم وهو يرى ريماس حلم طفولته الذي طال انتظاره تقف إلى جواره بفستان زفافها المطعم بأغلى الأحجار وأجملها، ثم تهللت أساريره وهو يرى مجدا يركع عند قدميه ذليلاً مهاناً يرتدي ثياباً رثه
فانتبه من شروده على صوت زمرد وهي تقول:
مستحيل، فهذا تحديدا لن يخضع لك ولن يسهل عليك السيطرة عليه أبداً، فيلزمك قوة هائلة للتغلب عليه
حملق فيها مدهوشاً، فكيف استطاعت معرفة ما يفكر فيه؟ فلاذ بصامتاه وحاول شغل عقله في أي أمر آخر حتى لا تتمكن من معرفة ما يجول بخاطره.
بعد مرور أسبوع كان قد قام بتجهيز سرية قوامها ألف وخمسمائة ما بين فارس وجندي من أقوى فرسان وجنود المملكة وهو عدد هائل يقارب عدد مقاتلي الفيلق الجنوبي كاملاً وعلى رأس هذه السرية فارس شاب يدعى زهير.
كان جنيد جالساً فوق صهوة حصانه يروح ويغدو أمام الصفوف بغرور فاقتربت منه زمرد وعلى وجهها ابتسامة واثقة ثم قالت موجهة حديثها له:
هل ستكون على رأس هذه السرية؟
قهقه عالياً ثم قال بغرور:
هل سمعت عن ملك يذهب بنفسه للقضاء على مجموعة من قطاع الطرق واللصوص؟
ثم تابع:
كما أن موته شرف لن أدعه يناله
فقالت بتهكم وبصوت منخفض لا يصل إليه:
ملك! تصدق نفسك
ثم بدأ الزحف باتجاه الجنوب.
أنت تقرأ
{ملك الذئاب}
Fantasyفي رحلته للأخذ بثأره يفاجأ بأمر سيقلب موازين حياته رأساً على عقب ويعرضه للموت أكثر من مرة فكيف سيواجه هذا الأمر؟ وهل سيصمد أمامه أم لا؟ كل هذا سنعرفه في روايتنا { ملك الذئاب } گ/ وفاء عبدالهادي أحمد🥰