الفصل التاسع عشر(19)

44 9 0
                                    

عاد شمس إلى البيت قرب الغروب فسأله مجد عن سبب تأخره فأخبره أنه ذهب إلى السوق وعاد باكراً ولكنه وجد مجموعة من الجنود قرب البيت فانتظر حتى رحلو
ثم جلس فوق الأريكة ووضع ما معه من طعام على المنضدة الصغيرة الموضوعة أمامها ثم دعا مجداً ليشاركه الطعام فجلس إلى جواره وشرعا في تناوله ثم بعد الإنتهاء منه قام شمس بإغلاق نافذة الغرفة بستارتها السوداء وقام بإشعال مصباح زيتي صغير ثم قال موضحاً سبب فعله:
هذا المصباح ليمكنا من الرؤية عند حلول الظلام، لهذا أغلقت الستارة كي لا يتسرب الضوء خارجاً وينكشف أمرنا
ثم ظلا يتحدثان سوياً حتى غفا مجد فوق الأريكة التي كانا يجلسان فوقها بينما نام شمس على السرير ولم يستيقظا سوى بعد شروق الشمس
خرجا من البيت لاستكمال البحث عن حيدر وميمون فكان اليوم كسابقه لم يعثرا على أي أثر لهما وكذلك الحال في اليوم الذي يليه والذي يليه حتى انقضى أكثر من عشرين يوم وأصاب اليأس قلب مجد فقال وهما يجلسان بعيداً في أحد الأزقة:
سأعود إلى أكاسيا
ثم تنهد بضيق وتابع وهو يسند رأسه إلى الجدار في حزن:
لقد مللت، انقضى عشرين يوماً وقبلها ثمانية عشر عام ولم أعثر عليهما قط، كنت أظن أني قادر على الإنتقام لوالديَّ ولكني لم أستطع
نهض شمس من جواره فجأة ثم قال وقد لمعت عينه:
تعال معي
ـ إلى أين؟
ابتسم شمس وقال:
إلى السيد يعقوب
فسأله:
ومن يكون السيد يعقوب؟
نظر شمس حوله وكأنه يتأكد من عدم وجود أحد بجوارهما وقال بصوت منخفض:
كاتم السر
فقال مجد بعدم فهم:
كاتم السر!  ماذا تعني؟
جلس إلى جواره مرة أخرى وأردف:
تمتلك إيبرس مزية تجعلها أفضل من كثير من الممالك الأخرى وهي أن لكل شخص من شعب إيبرس وثيقة رسمية تستخرج من ديوان إيبرس تثبت انتمائه لها وهذه المزية وجدت في إيبرس قبل مائة عام و…….
قاطعه مجد وعلى وجهه ابتسامة ساخرة:
نمتلك هذه المزية في أكاسيا قبل أربعمائة عام، أي قبل إيبرس بأكثر من ثلاثمائة عام
فقال شمس غير مكترث بما قاله:
جاء السيد يعقوب إلى إيبرس عندما كان عمره عشرين عاماً أو أقل بقليل هارباً من مملكة قزوين فالتقى برجل من أثرياء إيبرس وعمل عنده، فقام الرجل بعد مرور خمسة أعوام على عمل يعقوب عنده باستخراج وثيقة تثبت انتماء يعقوب لإيبرس بمساعدة أحد رجال الديوان كتعبير عن حبه له فأصبح السيد يعقوب واحداً من شعب إيبرس وتسري عليه قوانينها
ثم صمت فقال مجد:
كل هذا رائع ولكن ما علاقة ما أنا فيه بهذا؟
أردف:
بعد مضي عشرة أعوام على استخراج وثيقة له قام بمساعدة من يريد البقاء في إيبرس عن طريق تزوير الوثائق التي عرف طريقة استخراجها في مقابل مادي بسيط، وهذا يعني أنه قد يكون التقى بخصميك ويعلم عنهما شيئاً
لكزه مجد في كتفه وهو يقول بحدة:
لماذا لم تخبرني منذ البداية؟
فقال شمس:
لم أكن أظن أن الأمر سيحتاج لهذا
فقال مجد بحماس:
وأين يكون السيد يعقوب هذا؟
ـ سأخبرك
ثم انطلقا إلى السيد يعقوب
سارا مسافة طويلة حتى بدءا يشعران بالتعب فسأله مجد بعدما لم يعد قادراً على السير أكثر:
ألم نصل بعد؟
فقال شمس الذي جف حلقه:
ليس بعد فنحن لم نقطع ربع المسافة حتى.
توقف مجد عن السير وقال وهو ينظر إليه غير مصدق:
ماذا قلت؟ لم نقطع ربع المسافة؟
ثم تابع بتهكم ممزوج بالغضب:
لماذا لم تخبرني أننا سنجوب العالم كله سيراً على أقدامنا حتى نصل إلى ذلك الذي نسيت اسمه
ـ السيد يعقوب
قالها شمس بهدوء مما استفزه فصرخ بغضب:
أياً كان، لماذا لم تخبرني؟
ليجيبه شمس بضيق:
وماذا كنت ستفعل إن أخبرتك؟
أجابه بحدة:
على الأقل كنا استأجرنا عربة تقلنا إلى هناك
فقال وهو يبعد بصره عن مجد:
لا أملك ثلاثين قطعة نحاسية لأدفعها للعربة
زفر مجد أنفاسه بضيق ثم جلس على جانب الطريق، فجلس شمس إلى جواره حتى مرت أمامهم عربة خشبية يجرها حمار هزيل فتبادل الاثنان النظرات ثم انفجرا ضاحكين على تلك الفكرة التي طرأت لكليهما في الوقت ذاته فقال شمس معلقاً:
لو فعلناها لاستغرقنا أسبوعاً كاملاً
ثم مرت أمامهم عربة أخرى بعد لحظات يجرها حصان أسود فأوقفها مجد وسأل صاحبها أن يقلهم إلى وجهتهم فقال الرجل:
سآخذ ثلاثون قطعة نحاسية في المقابل
فقال مجد معترضاً:
لا أحد يدفع من إيبرس إلى تلك المنطقة أكثر من عشرين قطعة
فقال الرجل بحدة:
هذا ما لدي
فابتعد مجد عن طريقه في إشارة منه إلى انه يمكنه الذهاب
ثم انتظرا قليلاً إلى أن مرت عربة أخرى يقودها شاب فأوقفه مجد وأخبره عن وجهته فسأله الشاب:
كم ستدفع؟
أجابه مجد بعد تفكير:
في العادة أدفع ثلاثة عشر قطعة ولكني سأعطيك خمسة عشر
فقال الشاب مبتسماً:
حسناً
أشار لشمس أن يقترب ثم صعدا إلى العربة وانطلقا وفي الطريق سأله شمس عما سيدفعه فأجابه:
خمسة عشر
مال شمس بجسده نحو مجد وقال هامساً:
ولكن هذا قليل، الكل هنا يأخذ ثلاثون قطعة
رمقه بنظرة حادة ثم قال متهكماً:
هل ستتقاسم النقود معه؟
ثم تابع:
لقد قطعنا ربع المسافة على أقدامنا، كما أنني لن أدفع أكثر من هذا
بعدها بقيا صامتين حتى قطعت العربة نصف المسافة ثم توقفت فتسائل شمس عن سبب وقوفها
فقوس مجد فمه لأسفل علامة الجهل
ثم فتح باب العربة فجأة وطل منه السائق ثم قال وهو يبتسم بمكر:
أعتذر عن هذا ولكني سأتوقف قليلاً لإطعام الجياد، كانت الشمس في ذلك الوقت قد قاربت على المغيب فأومأ له مجد موافقاً فأعاد الشاب غلق باب العربة مرة أخرى
بعدها قال مجد بصوت منخفض وهو ينظر نحو باب العربة الذي كان يجلس بجواره:
هذا الفتى يشعرني بالريبة
سأله شمس متعجباً:
لماذا؟
ـ لا أعلم ولكني لا أشعر بالاريتاح لابتسامته الصفراء تلك
ثم تابع:
سأتفقد الأمر
قام بدفع الباب فوجده موصدا فقال بحدة:
ألم أخبرك؟
نظر شمس نحوه فتابع:
الباب موصد
فقال شمس بقلق:
ماذا سنفعل الآن؟
صمت قليلا ثم رفع طرف قميصه وأخرج خنجره وقال:
هل تستطيع القتال؟
ـ نعم ولكن لماذا؟
فقال مجد بنفاذ صبر:
ما دام قد أغلق الباب علينا فهو يخطط لفعل شئ ما لهذا لابد وأن ندافع عن أنفسنا
فتح شمس يديه الخاويتين أمام مجد وقال:
ولكني لا أملك سلاحاً
فأخرج مجد سكيناً كبيراً من جانب عنق حذائه وأعطاه له وطلب منه أن يجلس في الجهة المقابلة ففعل ثم مال بجسده للخلف وقام بضم ركبتيه الى صدره ثم ضرب الباب بقدمه بقوة فانفتح، فقفز سريعاً وبعده شمس فوجدا أمامهما ثلاثة من الرجال عظام الجثة غلاظ الوجوه لا تعرف الإبتسامة طريقاً لوجوههم العابسة وإلى جوارهم يقف سائق العربة، فقال شمس بقلق:
ماذا سنفعل؟
أجابه بعد تفكير:
افعل مثلي
ثم أمسك نصل الخنجر بيده وكرامٍ ماهرٍ القاه نحو أحدهم فاستقر الخنجر في ساقه فسقط على الأرض وهو يتألم فابتسم مجد وقال:
الآن رجل لرجل
ثم هجما على الرجلين الآخرين وأوسعاهما ضربا حتى لم يعودا قادرين على النهوض ثم ضرب الصديقان أكفهما في سعادة، فمن قال أن القوة تكمن في الجسد الضخم؟
بعد ذلك قام شمس بإحضار حبل كان مربوطاً في مقدمة العربة وقاما بتقييدهم جيداً، أما سائق العربة فكان قد هرب خوفاً من البطش به
ثم قال مجد وهو يقف أمامهما:
لابد وأنكم سرقتم الكثيرين بهذه الطريقة وذلك الوغد كان هو الفخ الذي تصطادون به ضحاياكم
ثم تابع:
لهذا سأجعل منكم وجبة شهية للحيوانات
ثم سار باتجاه العربة وجلس في موضع السائق وشمس إلى جواره ورحلا
وصلا إلى تلك المنطقة والتي كانت تسمى رسال قرب منتصف الليل
كانت الشوارع خالية في ذلك الوقت إلا من بعض الكلاب الضالة التي تتسكع بحرية في هذا الوقت
فقال شمس:
لن نذهب الآن الى بيت السيد يعقوب، فلابد وأنه نائم الآن
ثم تابع:
هناك حانة قريبة سنذهب إليها،
اومأ مجد موافقاً ثم تابعا طريقهما حتى وصلا إلى الحانة
مجموعة من الفتيات والشباب السكارى يتراقصون على أنغام فرقة موسيقية لا توحي وجوههم بوجود موهبة رقيقة كعزف الموسيقى لديهم أبداً
ورجل ممتلئ الجسم يقف خلف طاولة رخامية مليئة بالكؤوس وزجاجات الخمر يقوم بتنظيف الكؤوس بقطعة قماشية يبدو عليه أنه صاحب الحانة
كان شمس ينظر نحو المتراقصين بحماس وهو يهتز في مكانه بينما مجد يجوب المكان بحثاً عن طاولة شاغرة ولما وقع بصره على واحدة في ركن الحانة أشار لشمس أن يتبعه ولكنه لم ينتبه له فجذبه من يده وتوجه به نحو الطاولة
لم يكن مجد من الشباب الذين يحبون مثل هذه الأجواء على عكس شمس الذي كان يشاركهم الرقص والصياح وهو في مكانه فقام مجد بعد قليل بمناداة النادل لطلب الطعام فهو يشعر بالجوع ولما جاء الاخير سأل مجد شمساً إن كان يرغب في تناول الطعام أم لا فقال:
بالطبع أريد فمعدتي تستغيث
فأخبر مجد النادل بما يريداه وبعد تناوله دفع ثمن ما أكلاه ثم خرجا من الحانة

{ملك الذئاب} حيث تعيش القصص. اكتشف الآن