الفصل الثامن عشر(18)

43 11 0
                                    

استيقظ مجد على صوت طرقات على باب البيت فنهض بتكاسل وما إن فتحه حتى وجد شاباً يقف أمامه وعلى وجهه ابتسامة عذبة
هم الأخير بدخول البيت ولكن مجداً أوقفه وهو يتسائل:
من أنت؟
فقال الشاب متعجباً:
شمس
فقال مجد وهو يعبث بشعره:
أعتذر فقد كانت الألوان تغطي وجهك لهذا لم أتعرف إليك
ـ لا عليك
قالها شمس وهو يدلف إلى البيت ممسكاً بين يديه لفافة قماشية ألقاها نحو مجد وهو يبتسم ابتسامة غير مطمئنة ثم قال:
إفتحها
فقام مجد بفتحها وهو ينظر نحوه بشك فوجد بها سروالاً وقميصاً فقال متسائلاً:
ما هذا؟
ـ سروال وقميص!
فقال مجد بضيق:
أرى هذا ولكن لماذا أحضرتهما؟
أجابه بتهكم:
لماذا سأحضر لك قميصاً وسروالاً؟
ثم تابع:
لترتديهما
ألقى مجد الثياب على الأريكة بغضب ثم قال بحدة:
أرتدي سروالاً أرجوانياً وقميصاً أخضر اللون لأبدو مهرجاً أمام الجميع
قهقه شمس عالياً ثم قال:
الجميع في إيبرس يبدون كالمهرجين
فصرخ فيه:
ولماذا لا ترتدي أنت ثياب المهرجين هذه؟
وضع شمس يديه خلف ظهره ثم قال بغرور مصطنع:
أحب الإختلاف
فضربه مجد في كتفه ضربة آلمته فقال وهو يمسك بكتفه:
لماذا؟
فقال بحدة:
أنا لا أحب أن أكون منقاداً خلف أحدهم، بل أحب عيش الحياة على طريقتي وبإرادتي
ـ وفي النهاية؟
أجابه مجد بشكل قاطع:
لن أرتدي هذه الثياب وانتهى الأمر
فقال شمس ليحذره:
سيتعرف إليك الناس
ـ فليكن….
صمت شمس قليلاً ثم سأله عما سيفعله فقال:
سأخرج للبحث عن قاتلا والديَّ
فقال شمس باستنكار:
وهل تظن أن البحث عنهما مهمة سهلة؟
ثم تابع وهو يرى التساؤل في عينيه:
إن لم تكن تعرف فيما يعملان فلن تستطيع إيجادهما بهذه السهولة
قال مجد وهو يتذكر حديث جواد:
يعملان في تجارة الزيوت
فقال شمس بابتسامة واثقة:
إذاً سنذهب الى سوق أريج

                          *********

خرجا إلى سوق أريج أكبر أسواق إيبرس للبحث عن حيدر وميمون
وأخذا يسألان رواد السوق وأصحاب المتاجر عنهما ولكن دون جدوى حتى أصابهما التعب فجلسا جانباً بجوار أحد المتاجر طالبان القليل من الراحة فلمح مجد مجموعة من الجنود وبرفقتهم صاحب البيت الذي استأجره قادمين باتجاههم فقال موجها حديثه لشمس:
يبدو أن ما أخبرتني به حقيقي
فقال شمس الذي كان منشغلاً بمغازلة فتاة تمر أمامه:
ماذا قلت؟
نظر مجد نحوه وقال:
قلت هل تحفظ جميع الشوارع والأزقة في هذه المنطقة؟
ـ لماذا؟
لم يجبه ولكنه اكتفى بإشارة من رأسه نحو اولائك الجنود القادمين فقال شمس بقلق:
من هؤلاء وماذا يفعلون هنا؟
فأشار مجد إلى الرجل وقال:
هل ترى هذا الرجل الذي معهم؟
ـ ماذا به؟
ـ إنه صاحب البيت الذي أقيم فيه الآن
اتسعت عينا شمس وقال:
هذا يعني أنه وشي بك إليهم
فقال مجد:
أظن ذلك
نهض شمس على الفور وكذا مجد ثم قال الأول بلهفة:
ماذا تنتظر؟ هيا بنا
ركض الاثنان بأقصى سرعة لديهما يخرجان من شارع لآخر ومن زقاق إلى زقاق والجنود خلفهم، وبينما هم يركضون أشار شمس بيده إلى زقاق جانبي وصاح:
من هنا
فدلف الاثنان الى ذلك الزقاق واختفيا ولم يتمكن الجنود من العثور عليهما أبداً رغم انتشارهم وتمشيطهم للمنطقة بالكامل فاضطروا للرحيل
كان هذا وشيكاً
كانت تلك الجملة من مجد الذي كان يختبئ وشمس داخل أحد المنازل الذي تفاجئا به مفتوحا ولحسن حظهما كان خاليا من سكانه في ذلك الوقت فقد كان يراقب ذلك عبر نافذة صغيرة فسأله شمس إن كانوا قد رحلوا أم لا فأجابه:
رحلوا
فتنفس بارتياح ثم خرجا من ذلك البيت وسارا عائدين في نفس الطريق الذي جاءا منه ولكنهما لم يعودا إلى السوق بل سلكا طريقا متفرعا من ذلك الطريق إلى أن وصلا إلى بيت يبدو عليه الفخامة ولكنه قديم بعض الشئ فالتفت شمس نحو مجد وقال:
لم يعد هناك مكان آمن بالنسبة لك في إيبرس سوى هذا البيت
ـ لمن هذا البيت؟
ملأ شمس صدره بالهواء ثم قال بزهو:
إنه بيتي
ضحك مجد فسأله عن سبب ضحكه فقال:
ذكرتني بتميم، كان دائما ما ينتفخ هكذا حتى يصبح كديك على وشك العراك
ـ ومن يكون تميم؟
ـ صديقي
دارا حول البيت حتى صارا خلفه فقال شمس وهو ينظر نحو سور البيت:
هل تستطيع تسلق هذا السور؟
فرمقه مجد بنظرة شك وهو يتسائل عن سبب ذلك فقال:
لندخل
فقال مجد باستنكار:
ولماذا لا تفتح الباب؟
ـ لأنني لا أملك المفتاح
كيف لا تمتلك مفتاحاً وهو بيتك؟
سأله مجد باستنكار فقال وهو يحك مؤخرة رأسه:
بصراحة هذا بيت الحارث وفي إيبرس هذا البيت مقدس ولا أحد يستطيع الإقتراب منه
فقال مجد بنفاذ صبر:
ولماذا لم تأخذني إلى بيتك عوضاً عن هذا؟
ـ لأنني لا امتلك بيتاً، فقد كنت أعيش مع والدي في بيت مستأجر وحين توفي قام صاحب البيت بطردي لأنه يعلم أنني لن أستطيع دفع أجرته أبداً، ومنذ ذلك الوقت وأنا أعيش هنا بصفي الوريث الوحيد لصاحب هذا البيت ولكن لا أحد يعرف بهذا
رمقه مجد بنظرة حاد ثم بدأ في تسلق السور فتبعه شمس ثم قفزا إلى أرض قاحلة يبدو أنها كانت حديقة فيما مضى ولكنها تحولت إلى صحراء على مر السنين
دلف الاثنان لداخل البيت عن طريق باب يطل على ذلك المكان الذي قفزا فيه
كان البيت يتكون من ردهة واسعة جداً يتوسطها درج كبير وعلى جانبي هذا الدرج توجد مقاعد وأرائك فخمة تنم عن ثراء فاحش، ويتوسط هذه الردهة سجادة فخمة يكفي ثمنها لإطعام شعب إيبرس لمدة عام كامل موضوع فوقها طاولة متوسطة الحجم ذات لون أبيض وموضوع فوق الطاولة مزهرية من الخزف لا تقل فخامة عن غيرها من الأثاث الموجود في البيت
كانت جميع جدران البيت مائلة إلى الصفرة مما يدل أنها كانت بيضاء وتحولت الى هذا بفعل الزمن
فقال مجد بانبهار:
يبدو أنه كان ذا ذوقٍ عالٍ وكان ثرياً أيضاً
ثم نظر نحو شمس وتابع:
أقسم لك أن هذا الأثاث لا يوجد له مثيل حتى في قصور الملوك
فابتسم شمس وأشار له أن يتبعه إلى الطابق العلوي

{ملك الذئاب} حيث تعيش القصص. اكتشف الآن