الفصل الثلاثون(30)

65 13 0
                                    

هدوء غريب لم يشهده الجنوب من قبل كان الاغرب في تاريخ المملكة  فبعد الهجوم الذي شنه الشمال على الجنوب والذي تبع برد قاسٍ جدا من الفيلق الجنوبي حدث هدوء مفاجئ ظنه الجميع الهدوء الذي يسبق العاصفة ولكن هذه العاصفة تأخرت لأيام، لأسابيع، لأشهر، ولكن لم يحدث شئ فظن البعض ان الشماليين اصابهم الخوف مما حدث في الهجوم الاخير والبعض الاخر رأى انهم يخططون لشئ عظيم اذ اصبح الامر حديث الجميع
اما ما حدث في الستة اشهر الاخيرةمن العام التالي علي ذلك الهجوم كان هو الاغرب اذ اخذت تصيب مجد نوبات فقد للوعي بشكل غريب ومفاجئ ودون سبب  واخذ الامر يتكرر معه كثيرا اذ انه كان يفقد وعيه في اليوم الواحد اكثر من ثلاث مرات وفي كل مرة يفيق فيها لم يكن يبدو عليه الاعياء مما اثار تعجب شمس وريماس اللذين حاولا اقناعه بمراجعة طبيب كي يفحصه ولكنه كان يرفض متعللا بأنه طبيب لو كان يشتكي من مرض ما لعرف ذلك مما اثار غضب ريماس فصاحت فيه في اخر مرة رفض فيها الذهاب لطبيب قائلة:
كونك طبيباً لا يعني انك تعرف كل ما يتعلق بالطب، لا تجعل حماقتك تقودك للهلاك
فلم يقل شيئا ولكنه ضحك مما استفزها فصرخت فيه بأعلى صوتها:
ستموت ايها الاحمق
ثم القت اناء كانت تمسك به نحوه ولكنه امسك به قبل ان يصطدم به وهذه المرة ما يزال يضحك فأخذت تزوم بغضب وكادت ان تنفجر وظلت تدور برأسها في كل مكان كمن يبحث عن شئ فوقع بصرها على خنجره فاقتربت منه وسحب الخنجر ووضعته اسفل عنقه كعادتها عندما تغضب منه وقالت وهي تكز على اسنانها بغيظ:
حاول الا تستفزني والا قطعت رأسك الاحمق هذا والقيت به بعيدا عن جسدك.... هل فهمت؟
ثم تركته واتجهت صوب باب البيت ولكنه اوقفها فشعرت انه اخيرا وافق على ان يراجع طبيبا فاستدارت ونظرت اليه في انتظار ان يقول لها انه نوافق ولكنه قال ببرود:
الخنجر
فتجهم وجهها ونظرت نحو الخنجر الذي مازالت تقبض عليه في يدها ثم القته نحوه بقوة وهي تصرخ فيه:
لا ترني وجهك مرة اخرى
ثم خرجت من البيت وهي تصيح:
احمق........مجنون.........متهور
التقط مجد الخنجر الذي استقر عند عتبات الدرج واخذ يحدق به فدلف شمس وتسائل عن سبب غضبها فأخبره مجد بما حدث فقال شمس:
هي محقة...... لابد وان تراجع طبيبا
فتنهد مجد بضيق وقال:
كم مرة اخبرتكم اني لا اشكو شيئا......... انه مجرد عرض وسينتهي
فقال شمس باستنكار:
عرض؟!.......اي عرض هذا الذي يدوم لستة اشهر
ثم تقطب جبينه وتابع بحزن:
اخشى ان تكون نهاية هذا العرض هي نهايتك يا صديقي
فربت مجد علي كتفه وقال يطمئنه:
لا تشغل بالك بهذا الامر......فأنا بخير
فسحب شمس نفسا عميقا وقال اتمنى ذلك
ثم هم مغادرا فسأله مجد عن مقصده فقال:
سأذهب الي المدرسة العسكرية
فأخبره بأنه سيذهب برفقته
فسأله شمس ليتأكد منه:
هل انت واثق؟!
اذ انه وبسبب نوبات فقدان الوعي المتكررة كان لا يخرج من البيت الا نادرا، كان هذا بناء على رغبة شمس وريماس والذين كانا يلحان عليه في هذا الامر كثيرا فكان يوافق بناء   على رغبتهماوكان شمس ينوب عنه في كل شئ  ولكنه اراد الخروج من البيت فقد بات يشعر بالاختناق بين جدران البيت
اومأ ايجابا فلم يملك شمس من الامر شئ ففضل الصمت
كانت ريماس تجلس في حديقة البيت الامامية وقد سالت بعض دموعها حزنا وخوفا من ان تكون تلك النوبات التي تصيب مجد هي اعراض لمرض خطير قد يودي بحياته، م رأت كلا من مجد وشمس يخرجان من البيت  فنهضت وهي تمسح دموعها حتى لا يلاحظ احد ذلك ولما وقع بصر مجد عليها رمقته بنظرة غاضبة ثم اشاحت بوجهها بعيدا عنه وعادت الى البيت لم يتمالك مجد نفسه واخذ في الضحك اذ انها كانت تبدو كالاطفال وهي غاضبه
حثه شمس على الاسراع ولكنه لم يكد ان يخطو خصوة واحده حتى سقط على الارض فاقدا وعيه
كان حينما يفقد وعيه فيما مضى لا يمكث لأكثر من ساعة على الاكثر حتى يستعيد وعيه ولكن هذه المرة زاد الامر بشكل مرعب اذ ظل فاقدا وعيه لأربعة ايام كاملة حتى ظن البعض انه مات ولكنه كان يتنفس لذلك لم يجزم احد بوفاته
لما افاق وجد نفسه ممدا على الفراش وعلى كرسي قريب بعض الشئ كان يجلس شمس دافنا وجهه بين راحتيه
اعتدل جالسا فأحس شمس بحركته فرفع وجهه عن يديه فاتسعت عينيه وفغر فاهه غير مصدق انه قد استيقظ اخيرا
فقال مجد وهو يحملق في وجهه بدهشة:
شمس....... هل كنت تبكي؟!
فمسح شمس وجهه بيديه وهو يهز رأسه نفيا فقال مجد باستنكار وهو يشير الي وجه شمس:
إذن لقد امطرت السماء على وجهك
فانفجر الاثنان في ضحك هستيري حتى دمعت اعين شمس فرحاً بنجاة صاحبه فقال مجد لما لاحظ دموعه:
لماذا تبكي ياصديقي؟
فقال شمس وقد اجهش بالبكاء:
خشيت ان افقدك يا اخي
فاعتدل مجد وجلس مقابله ثم عانقه وقال وهو يربت على ظهره:
وجود شخص مثلك في حياتي يجعلني اتمسك بالحياة اكثر
ثم ابعده عنه قليلا وتابع ممازحا وهو يمسك بكتفه:
كما انني لا افكر بالموت الان
ثم نهض عن الفراش ففتح شمس معه امر مراجعة الطبيب فرفض مجد مرة اخرى وتابع وهو يسير باتجاه الباب:
سأبحث بين كتب والدي عما اذا كان هناك علاج لما يحدث معي
ثم فتح الباب فوجد ريماس تقف خلفه تهم بفتحه فصاحت غير مصدقة:
مجد؟!
ثم فتحت زراعيها وكادت ان تتعلق بعنقه من فرط سعادتها ولكنها تراجعت في اللحظة الاخيرة اذ تذكرت انها غاضبة منه فأشاحت بوجهها ثم القت شعرها الى الخلف بإهمال وولت مغادرة فقال متهكما وقد لاحت ابتسامة على شفتيه:
لماذا اتيت اذا؟!
فعادت ادراجها حتى وقفت امامه ثم قالت بكبرياء مصطنع وهي تلقي بشعرها للخلف مرة اخرى:
ليس من شأنك.....
ثم تركته وغادرت اخذ يشيعها بعينيه وهي تهبط الدرج
فسمع شمسا من خلفه يقول:
تتدلل
فابتسم مجد ولم يقل شيئا ثم هبط الى الردهة ومنها الى الفناء الخلفي
كانت مساحة الفناء الخلفي كبيرة بعض الشئ ومحاطة بسور عال يصل ارتفاعه لأكثر من مترين يتمركز في وسط الفناء بئر كبير وفي الجانب الايمن والملاصق للبيت يوجد حجرة متوسطةالحجم
سار مجد باتجاه تلك الحجرة وقبل ان يصل اليها فتح بابها فجأة وخرج منها والده مهرولا وعلى وجهه امارات الفزع حتى وصل الى الجهة المقابلة وتحديدا عند شجرة كبيرة جفت اوراقها ولم يعد فيها اثر للحياة
جثا غسان بالقرب من الشجرة واخذ يحفر بيديه بشكل سريع حتى حفر حفرة عميقة بعض الشئ ثم اخرج من اسفل ثيابه شيئا والقاه داخل تلك الحجرة ثم اهال التراب عليه بعد ذلك ثم نهض واخذ ينفض يديه من التراب العالق بهما ثم توجه صوب باب البيت والذي يطل على الفناء
كان مجد يتابع مايحدث بذهول  وكاد ان يعود الى البيت ليتأكد ما اذا كان والده قد دلف الى البيت ام انه كان يتوهم، خطا خطوتين باتجاه البيت ولكنه توقف خشية ان يظن رفاقه انه فقد عقله فعاد للخلف وقال محدثا نفسه ساخرا:
وكأنها اول مرة
فقد كان كثيرا مايرى طيف والديه داخل البيت ولكن كانت تلك هي المرة الاولى التي يشعر ان هناك خطبا ما وراء الفزع الذي يراه في عيني والده ثم هز رأسه لينفض عنها تلك الفكرة وتابع طريقه الى الحجرة
وقف امام الباب الذي كان موصدا فدفع الباب بيده بأنفاس محتبسة فوجده مغلقا ليس لأنه يشك في ان ما رآه حقيقي ام لا ولكنه فعل ذلك لشئ في نفسه
فتنفس الصعداء وانفرج ثغره بابتسامة ثم انحنى بجوار الباب ومد يده داخل اصيص قديم وازال بعض التراب فظهر مفتاح التقطه ووضعه في ثقب الباب وادار المزلاج ثم دفع الباب فانفتح عن اخره
كانت الغرفة تحوي مكتبا متوسط الحجم وعلى سطح هذا المكتب توجد مجموعة من الكتب التي يغطيها التراب
وصندوق ضخم موجود بجوار احد الجدران غير ذلك لا يوجد شئ في الحجرة
دلف مجد الى الحجرة فعادت اليه الذكرايات ولكنه تخطاها بسرعة واندفع باتجاه المكتب ثم امسك بأحد الكتب الموضوعة عليه ونفخ التراب عنه
غطت سحابة من الغبار الغرفة فاستنشقها رغما عنه واخذ يسعل بقوة الى ان انقشعت تلك الغيمة ثم فتح الكتاب واخذ يتصفح صفحاته ولكن داخله كان منشغلا بما رأه منذ قليل فكان يلقي بنظرة خاطفة بين الفينة واختها نحو الشجرة ثم قرر ان يرضي فضوله فأغلق الكتاب وخرج من الحجرة وتوجه حيث الشجرة
جثا علي احدى ركبتيه بجوار الشجرة وتحديدا عند نفس النقطة التي كان والده يحفر فيها ثم مد يده واخذ يتحسس الارض فوجدها صلبة يصعب حفرها باليد الفارغة فجاب بعينيه المكان بحثا عن شئ يصلح للحفر فوقع بصره على فأسٍ صدئ ملقى بجوار البئر فذهب اليه والتقطه فوجده لازال يصلح للاستعمال ثم عاد الى مكانه واخذ يضرب الارض بقوة فوصل صوت الحفر الى مسامع شمس وريماس المتواجدين في الردهة فخرجا اليه
كانت الدهشة ترتسم على وجهيهما فتبادلا النظرات فأشارت ريماس بيدها علامة الجنون وقالت بصوت منخفض:
اخبرته ان يراجع طبيبا ولكنه رفض،
ثم تابعت بتهكم:
ها قد فقد عقله وقرر دفن نفسه للتخلص من جنونه
وضع شمس يده على فمه ليمنع ضحكة كانت ستخرج منه
ثم  تنحنح فانتبه مجد له ثم تابع:
ماذا تفعل؟!
فأجابه وهو مازال مستمرا في الحفر:
احفر.
فقال شمس موضحا:
ارى ذلك ولكني اقصد لماذا تحفر؟!
فتوقف عن الحفر ثم التفت اليه فتفاجأ بوجود ريماس التي رمقته بنظرة استعلاء وهي تشيح بوجهها بعيدا فأرد دون الاكتراث لها:
لو اخبرتكما اني رأيت والدي يحفر في نفس هذا المكان منذ لحظات فهل أنتم مصدقيّ؟!
فاندفعت ريماس صارخة بغضب موجهة كلامها لشمس:
الم اخبرك......... لقد جن تماماً ولم تعد هناك ذرة عقل في رأسه اليابس هذا
بدا وكأن شمس استشعر بالفعل بوادر فقدان العقل عند صديقه فقال يجاريه:
وماذا وجدت؟
رمقه مجد بنظرة حادة ثم قال:
هل ستفعل مثلها؟............انا لم افقد عقلي ولكني سأفقده فعلا ان استمريتما في معاملتي كمجنون.
ثم عاد يتابع الحفر في صمت حتي قطع هذا الصمت صوت ارتطام كان صادرا من الحفرة إذ يبدو أن الفأس قد ارتطم بشئ معدني فتأهب كل من ريماس وشمس بينما القى مجد الفأس وأخذ يزيح التراب بسرعة حتى ظهر لوح معدني فحاول اخراجه ولكنه لم يخرج فأخذ يزيح التراب حول ذلك اللوح فظهر انه غطاء لشئ ما ثم امسك به جيدا وسحبه لاعلي فظهر صندوق معدني ملئ بالزخارف فقال شمس بذهول:
كنز؟!
فقال مجد وهو يطالع الصندوق بأعين متفحصة:
لا اظن ذلك
فقالت ريماس وهي تلمس الصندوق بيدها:
ماذا يكون اذا؟
فأطلق مجد تنهيدة لضبط انفاسه التي تسارعت اثر المجهود الذي بذله ثم قال وهو يتذكر النظرة التي رآها في عين والده:
لا يهم ماذا يكون ....المهم الا يكون بداخله مصيبة
ثم وضع الصندوق على الارض واخذ يقلبه في كافة الاتجاهات فوجد في احد جوانبه ثقبا لمفتاح فزفر انفاسه بضيق وقال:
يحتاج مفتاحا...ولا اعرف ما اذا كان والدي يحتفظ بمفتاح لهذا الشئ ام لا؟
فتسائلت ريماس:
وكيف ستفتحه؟!
اختطف نظرةوسريعة نحوها ثم ابتسم وهو يلتقط الفأس ثم رفعه لأعلى وهوى به على الصندوق فانكسر غطاءه بضربة واحدة
فقال شمس مندفعا بحدة:
تحطيم الابواب المغلقة هواية عندك
فضحك مجد وهو يتذكر صراخ شمس حينما حطم الباب المغلق في ايبرس ثم قال:
لأعرف ما يخفيه الباب المغلق لابد وان افتحه
ثم تابع وهو يحدق بشمس:
وان لم يفتح حطمته
ثم رفع غطاء الصندوق فاتسعت اعينهم ذهولا
كتاب؟!
قالها شمس باستنكار حين مد مجد يده الى داخل الصندوق واخرج منه كتابا له غلاف غريب الشكل كتب عليه بخط عريض( الحارث  ) ثم تابع وهو يلتقط الصندوق ويقلبه رأسا على عقب:
الا يوجد شئ اخر
ثم القاه ارضا فقالت ريماس التي لا تقل عنه دهشة:
من يحتفظ بكتاب داخل صندوق مغلق والاغرب انه مدفون في باطن الارض؟!
فقال مجد دون ان يرفع بصره عن الكتاب:
لا تستهينا ربما كان الامر جلل
بعدها فتح  الكتاب فوجد ورقة مطوية بداخله أمسك بها وهو يطالعها بتعجب ثم فتحها وقرأ ما بداخلها بصوت مسموع:
غسان
قم باخفاء هذا الكتاب وان استطعت ان تحرقه فلا تتأخر فلقد وقع هذا الكتاب بين يدي شريح ولا اظن انه استطاع معرفة شئ كبير مما يخفيه هذا الكتاب و اخشي ان تطالك يداه بأذي فانتبه لنفسك ولزوجتك واحذر ان يصيب مجد مكروه..........كن بخير يا اخي........................بتول

{ملك الذئاب} حيث تعيش القصص. اكتشف الآن