الفصل الرابع والعشرين(24)

52 12 0
                                    

مقيدة إلى الجدران بأغلال حديدية داخل إحدى الزنازين في سجن القصر، لا تظهر ملامحها بسبب وجهها المتورم إثر الصفعات المتتالية عليه وهي تصرخ:
أقسم لك سيدي أنني لم أساعدها على الهرب، بل هو من ساعدها
فصرخ فيها بأعلى صوته:
من هو؟
صمتت قليلاً تحاول التقاط أنفاسها ثم قالت:
الطبيب
ثم تابعت:
لقد رأيتهما متعانقين، فهجم على وضرب رأسي بالجدار وبعدها لم أرى شئ
فأخذ يصفعها مراراً حتى فقدت وعيها وانزلق جسدها وبات متحاملاً على ذراعيها
خرج من السجن وهو يزفر أنفاسه في غضب فاقترب منه أحد الحراس وقال برسمية ممزوجة بالخوف:
سيدي، جلالة الملك يطلب رؤيتك
سار باتجاه القصر وذهب من فوره إلى مجلس الملك حتى وقف بين يدي والده فقال الأخير:
هل أخبرتك؟
هز رأسه نفياً وقال:
أبداً، كل ما تقوله أن ذلك الوغد هو من ساعدها على الهرب، وتصر على هذا منذ أسبوع
ـ هل تظنها تكذب؟
تنهد بضيق ثم قال:
حسب معرفتي، هي من ذلك النوع الجبان الذي كلما قسوت عليه باح لك بما يخفيه
ثم تابع:
ولكن ما يحيرني هو إصرارها على ذلك، ما يجعل جزءً كبيراً في داخلي يصدق أنه عاد، ولكن كيف؟
ـ لأنه عاد فعلاً
سمعا من يقول ذلك فالتفتا نحو المتحدث فوجدا امرأة تقف عند باب القاعة الضخم وعلى وجهها ابتسامة ماكرة فقالا بدهشة وفي صوت واحد:
سلاف؟!!!
سارت نحوهم وهي تتكئ على عصاها بوهن ثم وقفت أمامهما وقالت بثقة:
نعم، عاد
ثم تابعت:
عاد عبر غابة أكاسيا يا شريح
ثم استدارت مولية إياهم ظهرها وقالت بإعجاب:
هذا الفتى يشبه والده ومن قبله جده، يملك قلباً جسوراً لا يهاب أحداً ولا يعرف الخوف له طريقاً، ويمتلك عقلاً لا يشبهه عقل أبداً عقل يشع ذكاءً، كما أنه……
صمتت فتسائل جنيد:
كما أنه ماذا؟
نظرت نحوه وهي تبتسم وقالت:
يجيد التخاطر مع الأرواح
ثم تابعت بتهكم:
لهذا لم يحببك أبدا أيها الفتى المغرور، لانه يمكنه معرفة ما تفكر فيه دون أن تتحدث إليه
فضحك بسخرية وقال:
يبدو أن الخرف قد ألمَّ بعقلك أيتها العجوز
فصفعته على وجهه بقوة لا تتناسب مع قوتها الجسدية وقالت بغضب:
إخرس أيها الحقير، وإلا قصصت لسانك
كانت الصدمة مرسومة على وجهه ولم يقو على فعل شئ فتابعت وهي تشير بيدها نحو شريح بسخط:
لقد أرسلته إلى القصر قبل أسبوع ولكن بسبب غبائكما لم تعلما بدخوله ولا بخروجه، لأنكم تظنون أيها الحمقى أنه لم يعد من إيبرس
ثم تابعت:
وقبلها جعلته يسافر عبر سفينة إلى تلك البلاد البعيدة وقد كانت فرصة جيدة لأن تقتلوه ولكنكما لم تفلحا في هذا، وها هو عاد مرة أخرى واختفى  دون أن يتمكن منه أحد
رمقها جنيد بنظرة حادة وقال مستنكراً:
ما دام يملك القدرة على التخاطر ومعرفة ما يخفيه المرء فلماذا لم يعرف بأنك كنت تخدعينه وأنك أسوأ مخلوق على وجه الأرض؟
فابتسمت بزاوية فمها وقالت:
لأن التخاطر يحتاج لذهن صافٍ أيها الذكي، وهو حين جائني، كان مشوشاً ومنشغلاً بقاتل والديه لذا لم ينتبه لي أبداً
ازدرد شريح ريقه وقالت بتوجس:
هل تمكن من معرفة قاتلهما؟
زفرت المرأة أنفاسها قليلاً ثم قالت:
لقد ذهب إلى إيبرس لهذا الأمر ولكني لا أظن أنه التقى أحد الفارسين اللذين أرسلتهما لقتل والديه يا شريح
بعدها حل صمت قطعه أحد الحراس الذي دلف وقال وهو يقف أمامه باحترام ممزوج بالخوف:
احترامي سيدي
نظر إليه شريح فتابع:
السيد بشير قائد السجن في الخارج ينتظر الإذن بالدخول
فأشار بيده أن يسمح له فخرج الحارس وبعده بلحظات دلف السيد بشير الذي وقف أمام الملك وقال:
لقد نهضوا سيدي

{ملك الذئاب} حيث تعيش القصص. اكتشف الآن