الفصل الرابع عشر( 14 )

48 13 0
                                    

وفي اليوم التالي ذهب مجد الى بيت العجوز ثم طرق الباب وانتظر فطال انتظاره حتى ظن انه لا يوجد احد فيه، فهم بالرحيل ولكنه سمع صوتا من خلفه يقول:
لا تكن عجولا أيها الولد، فأنا امرأة لم تعد عظامها تساعدها على فعل شئ
نظر نحو العجوز فابتسم بمجرد ان وقع بصره عليها فقد كان وجهها بشوشا ففال مظهرا احتراما:
كيف حالك سيدة سلاف؟
بادلته العجوز الابتسامة وقالت:
بخير يا بني
ثم سألته عما يريده فأجابها:
كنت أود سؤالك عن شئ لست متأكدا ان كان لديك جواب عنه ام لا
ـ ما هو؟
نظر حوله ثم قال:
لا يصلح الحديث عنه هنا ، فهلا سمحت لي بالدخول
افسحت العجوز الطريق امامه وهي تشير له بأن يدخل ثم سارت امامه متوكئة على عصاها حتى جلست على أريكة خشبية في ردهة بيتها
جلس الى جوارها في صمت فقالت لما طال صمته:
هيا أخبرني
كان يرغب في معرفة مكان حيدر وميمون ولكنه قرر ان يعرف ما هو أكثر من ذلك فقال:
عرفت انك عشت في قصر الملك لأكثر من خمسين عام كونك وصيفة الملكة الأم ولابد وأنك عاصرت الكثيرين ممن شاهدهم القصر و…….
قاطعته العجوز:
عمن تسأل؟
ابتسم وقال:
الطبيب
ـ غسان؟!
اومأ ايجابا فقالت العجوز بعدما طال تحديقها به:
هل لديك الوقت الكافي لتسمع القصة من بدايتها؟
رفع قدميه فوق الأريكة وجلس متربعا ثم قال بمرح:
كلي آذان صاغية
فابتسمت العجوز وبدأت في سرد القصة
  
                        ***************

كان السيد بيجاد طبيب الملك امهر طبيب في المملكة كلها، لدرجة انه استطاع مع الوقت افتتاح مدرسة لتعليم الطب حتى يصبح في المملكة عدد كبير من الأطباء، فكان من بين الطلاب الدارسين في مدرسة السيد بيجاد شاب يدعى غسان، كان في الثامنة عشرة من عمره كما كان من اذكى وأنبه الطلاب حتى اشتهر وذاع صيته بين اقرانه من الطلاب، تخرج من تلك المدرسة بعد حوالي ثلاث سنوات ثم التحق بعدها بجيش المملكة كطبيب متطوع
لم يكن ماهرا فيما يتعلق بتلطب فقط، بل ابدى مهارة غير عادية في القتال واستخدام السيف بعد الانتهاء من تدريبه الأولي
تم نقله الى كتيبة الغابة التي توجد في غرب المملكة ولأن تلك المنطقة خطرة جدا فقد كانت منطقة عامرة بالذئاب ولابد من وجود جنود شجعان يمكنهم التصدي لهجمات تلك الذئاب دون خوف فكان غسان أحد هؤلاء الجنود
في أحد الأيام كان غسان يتجول في الغابة فسمع صرخة شقت سكون الغابة فانطلق يركض باتجاه الصوت بأقصى سرعة حتى وصل الى مصدر الصوت
كان شابا في مثل سنه تقريبا يجلس أرضا ويبدو على وجهه انه يتألم فاقترب منه قليلا حتى يتبين حاله فوجده يمسك بساقه اليمنى ويتأوه في ألم فألقى نظرة عن كثب فوجد الفخ الذي يصطادون به الحيوانت البرية مطبقا على قدمه بقوة
فزع غسان وهرع لنجدته وقال:
دعني اساعدك
نظر نحوه الشاب المصاب ثم قال وهو يتألم:
بسرعة ارجوك
فقال غسان وهو يمسك بقدم الشاب:
سأحاول نزعه عن قدمك ولكن أرجوك تحمل قليلا
هز الشاب المصاب رأسه بالموافقة فبدأ غسان على الفور بنزع الفخ عنه وما إن أمسك به جيدا حتى نظر نحو الشاب المصاب والذي بدأ العرق يتصبب منه بغزارة وقال:
تحمل رجاءً
ثم بدأ بنزع الفخ عن قدمه بأقصى قوته حتى استطاع نزعه في النهاية عندها صرخ الشاب ثم صمت فنظر غسان نحوه فوجده مغمضا عينيه فتحسس وريده فوجده ينبض فتنفس الصعداء ثم خلع سترته وقام تمزيقها على الفور ثم قام بربط جزء منها حول ساق الشاب المصاب، كي يوقف نزيف قدمه ثم خلع عنه حذائه وقام بربط الجرح بجزء أخر من سترته
ثم حمله فوق كتفه وسار به حتى وصل الى المعسكر
قام بإدخاله الى الخيمة وقام بحل الرباط الذي كان يلفه حول قدمه
كان في تلك الاثناء يضع خنجرا ذا مقبض فضي مزخرف في النار يقوم بتسخين نصله حتى يتمكن من كي الجروح التي احدثتها الأسنان المدببة لذلك الفخ، وبعدما انتهى من تضميد قدم الشاب جلس الى جواره يراقبه طوال الليل حتى غفا دون شعور ولم يستيقظ إلا على صوت أنات ضعيفة، فتح عينيه ونظر نحو الشاب المصاب فوجده لا يزال نائما ولكنه يئن ويهذي بكلمات غير مفهومة فتحسس جبينه فوجد حرارته مرتفعة قليلا فقام بهز كتفه برفق آملاً ان يستيقظ ففتح الشاب عينيه بشكل ضعيف، فرح غسان لدى رؤيته يستيقظ وقال بسرور:
جيد انك بخير يافتى
نظر الشاب المصاب نحوه بوهن وقال بضعف:
من أنت؟
فأجابه:
أنا من ساعدتك في الغابة حين أصبت بالأمس
أغمض الشاب عينيه وبدا عليه الألم ثم فتحهما مرة أخرى ثم قال بامتنان وهو ينظر نحوه:
شكراً لك
ـ لا عليك يا أخي
قالها غسان بشكل عفوي فحملق فيه الشاب بدهشة ثم سأله عن اسمه فقال:
غسان
فابتسم الشاب وقال وهو يمد يده للمصافحة:
وأنا رعد
صافحه غسان ثم قال معجبا باسمه:
اسم يدل على القوة كصاحبه
فقال رعد باستنكار:
ألا ترى انك تبالغ قليلا؟
ثم تابع لما رأى التساؤل على وجه غسان:
تصفي بالقوي وقد صرخت عاليا كما الفتيات حين أصبت وفوق هذا كله فقد وعيي
فقال غسان بهدوء:
لا عيب في هذا فنحن بشر من لحم ودم، ولا أحد يتحمل الألم الزائد عن الحد مهما فعل أو أظهر تماسكا
ابتسم رعد وقال:
تبدو حكيما يا غسان، أين تعلمت هذا؟
تنهد وأجابه:
في مدرسة الدنيا
ثم ظلا يتحدثان سويا حتى دلف عليهما شاب يكبرهما قليلا وقد كان أحد فرسان القصر وما إن دلف حتى نهض غسان مبديا احتراما، فنظر الفارس نحو غسان بازدراء ولم يرفع بصره عنه حتى قال رعد بحدة:
ماذا خلفك يا شريح؟
كان القلق باديا على وجه رعد فنظر شريح نحوه وقال بزهو:
معي رسالة من الملك
زفر رعد انفاسه بضيق ثم سأله عن محتوى الرسالة فقال وهو يبتسم بشماتة:
أمر بعودتك الى المملكة يا سمو الأمير
غضب رعد لمجرد سماعه محتوى الرسالة بينما علت الدهشة قسمات وجه غسان فقال رعد مؤكدا عندما لاحظ ذلك:
نعم يا غسان أنا وريث عرش الملك
ثم نظر نحو شريح وقال بضيق:
وماذا الأن؟
أجابه شريح باستفزاز:
لا شئ، ستعود الى القصر
خرج رعد من الخيمة يسنده زوج من الفرسان حتى ركب العربة استعدادا للرحيل، في تلك الاثناء كان غسان يقف عند باب الخيمة فالتفت رعد نحوه وقال بابتسامة وهو يلوح له مودعا:
وداعاً
ابتسم غسان ولوح له بيده ايضا ثم قال:
لا تقل وداعا بل قل الى اللقاء
فضحك رعد وقال:
الى اللقاء….
ثم انطلقت العربة عائدة بالأمير الى القصر وقد استغرقت في ذلك قرب اليوم، وما إن وصلت الى القصر حتى هبط منها الأمير متسندا على أحد الحراس حتى دلف الى القصر فتفاجأ بوالديه يقفان في بهو القصر منتظرين عودته،
فقال الملك بتهكم وهو يرى ولده لا يستطيع وضع قدمه على الأرض
هل أشبعت فضولك الآن؟ هل أصبحت وحوش الغابة تخشاك يا سمو الأمير؟
فقال رعد بضيق:
يكفي يا أبي، ماذا حدث لكل هذا؟
اقترب منه والده وقال بغضب ولكن القلق كان باديا في عينيه:
ماذا حدث لكل هذا؟… انظر الى نفسك، كان من الممكن ان تموت لو لم يسمع ذلك الشاب استغاثتك
ثم احتد الحوار بينهما حتى قالت الملكة محاولة إيقاف هذا الحوار الذي لا يجدي نفعاً:
كفا عن هذا، لنطمئن على قدمه أولاً
ذهب رعد الى مخضعه وتم استدعاء الطبيب، وهناك قام الطبيب بنزع الضمادة الوضوعة على قدم الأمير ثم قال بإعجاب:
من الماهر الذي قام بتضميد جرحك يا سمو الأمير؟
لم تعجب رعد الطريقة التي تحدث بها الطبيب فقال:
أرى السخرية في كلامك يا سيد بيجاد
فقال السيد بيجاد موضحا:
العفو منك مولاي ولكن من قام بمداواة جرحك ماهر حقا
فقال رعد بسعادة وكأنه يتحدث عن نفسه:
شاب يدعى غسان كان موجودا في المعسكر
ـ غسان؟!!!
قالها السيد بيجاد متعجبا فتسائل رعد:
هل تعرفه يا سيد بيجاد
صمت السيد بيجاد مفكرا ثم قال:
كان بين طلاب مدرستي طالب يدعى غسان، كان ماهرا جدا،
ثم نظر نحو قدم الأمير وتابع:
وبعد الذي اراه امامي فأنا متأكد من انه هو
ثم قام بتضميد قدم الأمير مرة أخرى وهم بالمغادرة ولكنه توقف فسأله الأمير عما يريده فقال:
كنت اود عرض أمر على الملك ولكني أخشى ردة فعله لذا قررت عرضه عليك لتخبر الملك به نيابة عني
ـ ما هو؟
صمت قليلا ثم قال وهو يراقب ردة فعل الأمير:
كنت ارغب في التقاعد فأنا كما ترى تقدم بي العمر كثيرا ولم أعد قادراً على مواصلة العمل
كان السيد بيجاد بالفعل كهلا تجاوز السبعين من عمره وكان لديه خبرة كبيرة فقال رعد:
ولكنك صاحب خبرة يا سيد بيجاد ومن الصعب وجود بديل لك مهما حدث
فابتسم السيد بيجاد وقال:
ولكن يوجد من لديه الخبرة والمهارة ومع الوقت سيكون افضل
ـ من؟
ـ غسان
لمعت عينا رعد بسرور فقد شعر بالارتياح تجاه غسان وكان يرغب في البقاء معه لوقت أطول ولكن مجئ شريح أفسد كل شئ، فتابع السيد بيجاد:
بإمكانك امتداح مهارته امام الملك حتى يسمح بمجيئه الى القصر
فقال رعد بحماس:
لا عليك سأخبر الملك عن هذا بطريقتي
لاحت ابتسامة رضا على وجه السيد بيجاد ثم استأذن وانصرف
وفي المساء كان الملك والملكة في مخضع الأمير للاطمئنان عليه، وبينما هم يتحدثون حتى قال رعد موجها حديثه لوالده:
أبي، كنت اود إخبارك بشئ
ـ ما هو؟
ـ السيد بيجاد
ـ ماذا به؟
قال رعد وهو يراقب تعابير وجه والده:
يريد التقاعد
فصاح الملك غاضبا:
لن يحدث هذا أبدا
ثم تابع بعد صمت:
وإن أراد ذلك فعليه أن يجد بديلا عنه يكون ذا خبرة وأمانة ويكون ما هرا أيضا
شعر رعد بالارتياح لما قاله والده فقال:
لقد أخبرني بالفعل عن وجود بديل عنه يمتلك خبرة وأمانة ومهارة عالية أيضا
فسأله والده باقتضاب:
ومن يكون؟
ـ طبيب شاب يدعى غسان
ثم تابع وهو ينظر في عيني والده:
وهو نفسه الشاب الذي قام بمساعدتي في الغابة وقام بمداواة قدمي
ربتت الملكة على يد والدها برفق ثم قالت بحنو:
وهل هو حقا ماهر يا بني؟
ابتسم رعد وهو يجيبها:
عندما قام السيد بيجاد بفحص قدمي لم يعلق على شئ بل امتدح من قام بتضميدها ولم يقم بفعل شئ سوى تغيير الضمادة القديمة بأخرى جديدة
فقال الملك بوجوم وهو يهم بالمغادرة:
سأرسل في طلبه
ومنذ ذلك اليوم نشأت صداقة قوية بين الأمير رعد وغسان تحولت مع الوقت الى أخوة

{ملك الذئاب} حيث تعيش القصص. اكتشف الآن