الفصل التاسع( 9 )

61 15 0
                                    

توقفت العربات امام السجن وبمجرد ان هبط جنيد من عربته حتى حصلت حركة بين حراس السجن وما هي الا لحظات حتى خرج قائد السجن لاستقبالهم بنفسه ثم قال مرحبا:
مرحبا بالقائد الشجاع
فابتسم جنيد بغرور وهو ينظر نحو مجد بطرف عينه فقال الاخير وهو يقوس فمه لأسفل:
نفاق
فدلف جنيد الى داخل السجن دون الاكتراث له ثم لحقت حور بهما فمال مجد على أذن ريماس وقال:
نصيحتي لك الا تثقي كثيرا بمن حولك
نظرت نحوه وعلامة استفهام ضخمة ترتسم على وجهها ثم سألته:
ماذا تقصد؟
نظر امامه ثم تنهد بنفاذ صبر وقال:
هناك فرق بين الابله ومن يدعي البلاهة
ـ وكيف تعرف ذلك؟
ـ هذا شئ يعرف بالنظر وقراءة وجوه الناس
توقفت عن السير وسألته بضيق:
من تقصد بحديثك هذا؟    حور
هز رأسه نفيا وقال:
لا، فأنا اتحدث في العموم
حدقت فيه طويلا ثم قوست فمها لأسفل علامة الجهل فأشار لها ان تتابع طريقها ثم دلفا الى الداخل
كان جنيد وقائد السجن وكذا حور ينتظرون قدوم الاميرة ومن معها وما ان رأوهم حتى تابع جنيد طريقه الى مكتب القائد فلحق به الاخير وكذلك البقية
كان مكتب القائد يحوي مكتبا خشبيا ضخما يقبع خلفه كرسي كبير، واريكتين متجاورتين، فجلس جنيد على احداهما بينما جلس مجد على الاريكة الاخرى، ولأن ريماس لا تتفق وجنيد جلست الى جوار مجد، اما حور فقد ظلت واقفة حتى سمح لها جنيد على مضض ان تجلس الى جواره
اشار جنيد لقائد السجن ان يجلس خلف مكتبه ففعل ثم قال:
لم تعلمنا مسبقا بزيارتك سيدي
وضع جنيد ساقا فوق الاخرى ثم قال بغرور:
لا داعي لذلك فأنا هنا بأمر من الملك
ثم تابع:
لقد قرر مساعدتكم
ـ في ماذا؟
اشار نحو مجد بامتهان ثم قال:
ارسل طبيبا صغيرا ليكون مساعدا لطبيب السجن
ثم اردف موضحا:
ولكنه لن يبقى هنا بشكل دائم فسوف يعود في نهاية اليوم الى االقصر فهو طبيب الملك
نظر القائد نحو جنيد نظرة تحذير،لاحظها مجد ولكنه لم يفهم ما تعنيه ثم قال:
ولكن سيدي
رمقه جنيد بنظرة اخرسته ثم قال:
مادامت الجرذان في جحورها فكل شئ بخير
هل يوجد جرذان في هذا السجن؟
كان سؤالا عفويا من ريماس فأجابها جنيد وهو يبتسم بخبث لما رأى الخوف باديا على وجهها:
نعم، وبإمكانها السير بسرعة رهيبة بين ارجل الجالسين
فقامت برفع قدميها كردة فعل طبيعية لخوفها من الجرذان
قهقه جنيد عاليا بسبب ذلك مما اغضب مجد فقال:
انزلي قدميك يا مولاتي، فلا يوجد جرذان في هذا السجن سوى جرذ كبير يرتدي زيا عسكريا ويقهقه بصوت مزعج
ضحكت ريماس وحور لتعليقه بينما فغر قائد السجن فمه مذهولا من جرأة مجد وظل يوزع نظراته بين مجد وجنيد منتظرا تلك اللحظة التي سينهي فيها الاخير حياة ذلك الشخص الذي تجرأ وأهانه، فصاح جنيد بغضب:
من تقصد يا هذا؟
ابتسم مجد ثم قوس فمه لأسفل دون ان يتفوه بكلمة، فاستشاط جنيد غضبا وكاد ان يقتله بسيفه ولكن مجد صاح فيه وهو يحدجه بنظراته الحادة:
احذر مما تفعله ايها القائد فأنا هنا بأمر من الملك نفسه
ثم اشار في وجهه بسبابته محذرا:
واياك ان تقلل من قدري او تستهن بي ابدا
ثم نظر نحو قائد السجن وسأله عن عيادة طبيب السجن فلم ينبس بشئ خوفا من جنيد، فصرخت فيه ريماس:
ماذا بك؟ هل فقدت لسانك؟
فقام بمناداة واحد من الحراس وأمره بإرسال الطبيب والاميرة الى عيادة الطبيب
سار الجميع في الرواق المؤدي لمكتب قائد السجن حتى خرجوا منه ثم تابعوا طريقهم في ساحة السجن حتى وصلوا الى مبنى صغير مكون من طابقين
الطابق الارضي منهما هو عبارة عن حجرة تستخدم لفحص المرضى من نزلاء السجن بينما الطابق الثاني والذي يتم الوصول اليه عن طريق درج خارجي هو مبيت الطبيب
دلف مجد الى الطابق الارضي فوجده خاليا فخرج واشار لها بالصعود الى الطابق الثاني فوجدوا المكان خاليا ايضا ولكن لم تمض لحظات حتي دخل عليهم رجل ستيني ذا شعر اشيب وظهر منحن فتهللت اساريره بمجرد ان وقع بصره على الاميرة وقال:
مرحبا بأميرتنا الجميلة، كيف حالك يا مولاتي؟
ابتسمت ريماس وهي تقول بامتنان:
انا في افضل حال ايها الطبيب الطيب
ثم نظر نحو مجد وسأله بابتسامة:
من انت؟
بادله مجد الابتسامة وقال:
الطبيب الجديد
اخفض الطبيب بصره نحو الارض وقال بحزن:
طبيب جديد؟ هل تم الاستغناء عني؟
فقال مجد مستدركا:
العفو منك سيدي، فأنا هنا لمساعدتك فحسب
اقترب ريماس منه وقالت بلطف:
سيكون مساعدك لبضع ساعات من النهار ثم سيرحل
ابتسم الطبيب ثم نظر نحو مجد بأعين دامعة وسأله عن اسمه
فتولت ريماس الجواب عنه ونطقت به سريعا فاعتلت الدهشة وجه الطبيب وهو ينظر نحو مجد فقال الاخير مستسلما:
هي تعرفني اكثر
ضحك الطبيب ثم استأذنهم للانصراف لبعض الوقت
جلست ريماس على مقعد قريب منها فتمدد مجد فوق فراش الطبيب فصرخت فيه ريماس:
انهض بسرعة والا قتلك السيد غيث
ـ ومن يكون السيد غيث؟
قالت بتهكم:
الطبيب ايها الذكي
فقال مستنكرا:
كيف لي ان اعرفه ولم يخبرني احد عن اسمه من قبل؟
ثم تابع بعد برهة:
تحدثين عنه وكأنك تعرفينه
قالت:
كان طبيبا خاصا بالملك لأكثر من خمسة عشر عاما ثم تم نقله الى هنا منذ عامين
شعر مجد بأصوات تأتي من خارج الغرفة فنهض على الفور بعدها دلف الطبيب وقال بحنين:
كان رجلا رائعا
سأله مجد عمن يقصده فأجابه:
غسان
ـ من يكون؟
صمت قليلا ثم قال:
طبيب الملك
ثم تابع وقد بدا الحزن في نبرة صوته:
ذهب في زيارة لأسرته التي تسكن قرية بعيدة في الجنوب منذ ما يقرب من العشرين عام ولم يعد بعدها، ثم حللت محله بعدما لم يتمكن احد من معرفة مكانه
فقال مجد بابتسامة:
انت رجل طيب يا سيد غيث
ثم سأله:
متى سنبدأ العمل؟
قال الطبيب:
لم العجلة؟  فأنا لست بحاجة لمساعد ابدا
فسألته ريماس بلهفة وقد تهللت اساريرها:
حقاً؟
اومأ ايجابا وهو ينظر نحوها بتعجب، فنظرت نحو مجد وقالت بسعادة:
اذن بإمكاننا الرحيل
خرجوا من مبنى الطبيب فقالت ريماس مندفعة بحدة وهي ترمق مجد بنظراتها:
لن اعلم ذلك البغيض برحيلنا مهما حدث
فقال الاخير مستغربا:
هل قلت شيئا؟
ـ هذا كي لا تتفوه بكلمة
نظر نحوها بتحد وقال:
ولكني سأخبره
فقالت تهدده:
ان فعلت فسأقتلك في الحال
لم يأبه لتهديدها واسرع مبتسما الى مكتب قائد السجن وعندما وصل الى هناك وجد الحراس يحدقون بالباب، اقترب منهم فسمع ما جعلهم يقفون هكذا
فقد كان جنيد يصب جام غضبه على قائد السجن بصراخه وتهديده فقال مجد بدهشة:
هذا الشخص مغرور لدرجة انه لو كان هناك مسابقة للغرور لفاز بها
وبعد لحظات فتح الباب وخرج منه جنيد كالثور الهائج محمر الاعين منتفخ الاوداج لدرجة انه قد ينفجر كالبركان
وقبل ان ينبس مجد بكلمة اشار في وجهه محذرا ثم قال:
اياك ان تتفوه بكلمة حتى لا تثير غضبي
فقال مجد بتعجب:
كل هذا الصراخ ولم يثر غضبك؟
فما كان من جنيد الا ان لكم احد الحراس في وجهه بقوة اسالت الدماء من انفه
نظر مجد في الاتجاه الذي سلكه جنيد فوقع بصره على ريماس قادمة باتجاهه بوجه غاضب وما ان مر جنيد من امامها حتى اختفت ملامح الغضب وحل محلها التعجب ثم سألت مجد عن سبب ثورته فقال دون ان ينظر نحوها:
لا اعلم، ولكني متأكد انه سيموت قهرا يوما ما وسيكون كلانا سبب في موته

{ملك الذئاب} حيث تعيش القصص. اكتشف الآن