الفصل الثاني والثلاثين(32)

75 15 0
                                    

همهمات واصوات متداخلة وكأن مائة شخص يتحدثون في وقت واحد، تعلوا  تلك الاصوات بشكل لا يحتمل ثم تعود وتنخفض من جديد ثم تعلوا مرة اخرى فيضغط على رأسه بقوة  من شدة الالم الذي يصيبها في كل مرة يحدث فيها ذلك فيفتح عينيه وينطلق صارخاً ليوقف تلك الاصوات فيفاجأ بالظلام والسكون فيفقد وعيه من حدة الصوت
تكرر الامر معه لمرات لم يعد يستطيع عدها ولكنه هذه المرة تماسك قليلاً رغم قوة الاصوات عن المرات السابقة فوجدها تجلس بالقرب منه فنظر اليها بأعين زائغة ورأسه يميل في كل الجهات كالمخمور
كان يحاول جاهداً ان يحافظ على ثبات رأسه فيسنده الى الجدار خلفه، يغمض عينيه ليتوقف الدوار الذي يصيبه.
فتح عينيه فأخذت الصورة تهتز امامه بشكل كبير ثم بدأ ت تثبت بشكل سمح له ان تنفك العقدة التي تربط لسانه فقال بصوت واهن وهو ينظر نحوها:
اين انا؟
فقالت العجوز  وهي تبتسم ابتسامتها الحانية:
انت هنا في بيتي.....
ثم تابعت وهي تمسح حبات العرق التي تجمعت على جبينه:
استرح ولا تجهد نفسك
فدفع يدها بوهن ثم قال:
ثوب الحنان الذي ترتديه ايتها العجوز لا يليق بك فلن تستطيعي خداعي مرة اخرى..
اغمض عينيه وقد ظهر الالم جليا على وجهه ثم سقط رأسه، مرت لحظات ظل فيها على حاله ثم عاد ورفع رأسه واخذ يحاول رفع جفونه المرتخية فلمح ضوءا ابيضا قويا يملأ المكان رغم قوته الا انه كان مريحا لعينيه ثم خرج منه اكثر امرأة يعشقها في الكون فأخذ يطالعها بأعين مشتاقة وهي تقترب  حتى دنت منه فقال بصوت ضعيف مشتاق:
امي
فضمته الى صدرها ثم قالت وهي تمسح على رأسه بحنان:
لا تنخدع بمن حولك يابني واحذر ان تقع فريسة بين براثن الخداع
فرفع رأسه عن صدرها بضعف ثم علق بصره بوجهها الباسم وقال بعدم فهم:
ماذا تقصدين؟
فنهضت من جواره وسارت بعيدا فناداها بصوت واهن:
انتظري يا امي لا تتركيني
تابعت وهي تبتعد:
انتبه لمن حولك. واحذر...... الكتاب هلاك.... الكتاب هلاك.....
فأخذ يصيح:
لا ترحلي...... عودي يا امي
اختفت امه واختفى النور وعم الظلام فأخذ يبكي وهو يقول في ضعف:
لا ترحلي يا امي  انا احتاجك
اسند رأسه الى الجدار خلفه واغمض عينيه محاولا استجماع قواه التي ضعفت بشكل هائل فسمع صوت خطوات تقترب ففتح عينيه وركزها في نفس الاتجاه الذي يصدر منه صوت الخطوات رغم الظلام الحالك ثم توقف الصوت عند نقطة معينه ومن تلك النقطة فتح باب ودلف منه شخص يحمل مصباحا زيتيا فانتبهت حواسه التي كانت ميته وأخذ يراقب ذلك الذي كان يقترب منه حتى دنا منه ثم جثا امامه فظهر وجهه على الضوء الصادر من المصباح، لم يكن الا السيد مالك كبير حراس القصر الذي قال بقلق لما رأى جفونه تسقط:
أنت بخير؟
فعادت الاصوات حادة اكثر من السابق فأغمض عينيه وأخذ يصيح وهو يمسك برأسه:
اسكتهم....لم اعد احتمل
فقال السيد مالك وهو يحاول إبعاد يديه عن رأسه:
افتح عينيك وحاول الا تغمضها 
حاول ان يدفع يد السيد مالك ولكنه لم يقوى على ذلك فقد هناك اغلال كانت تقيد يديه فكانت سبباً في ثقل حركتها
أسند السيد مالك المصباح الزيتي ارضاً ثم قام بفك الاغلال التي تقيد يديه
فقام بعد وقت بإبعاد يديه عن رأسه بعدما أخذت الأصوات تنخفض حتى سكتت تماماً فتح عينيه فوجد السيد مالك ينظر اليه بقلق فقال بصوت ضعيف واهن وهو بالكاد يستطيع تحريك لسانه:
من انت؟
ابتسم السيد مالك وهو يجيبه:
مالك  الا تذكرني؟
قال وهو يهز رأسه نفيا:
لا
ثم تابع بنبرة شديدة الرجاء:
اخرجني من هنا.....ارجوك
فقال وهو يساعده على النهوض:
هيا بنا
نهض بصعوبة بالغة ثم سار مستندا على  السيد مالك حتى خرج من ذلك المكان المظلم الى مكان اقل منه ظلمة، الى الليل الذي ينيره البدر فيبعث في النفس السكون،
كانت خطواته تثقل كلما زاد السير ولكن السيد مالك كان يحثه على الاسراع فيتحامل على نفسه قدر مايستطيع حتى خرجا من ذلك المكان فذهب به السيد مالك الى مكان آمن يبيت فيه ليلته.

{ملك الذئاب} حيث تعيش القصص. اكتشف الآن