٦. المحاولة الأولى

10 2 0
                                    




في اليوم التالي، ومنذ نهوضنا وحتى وصولنا للمنجم، أبقيت عيناي مفتوحتان لكل تفصيلة ولو صغيرة قد أكون غفلت عنها سابقاً.. بحثت عن منفذ أستطيع الهرب من خلاله، أو ثغرة أستطيع الانسلال منها دون لفت الانتباه.. وعندها قد يستغرق الحراس وقتاً لإدراك هروبي، ثم إدراك أن السوار في يدي لا يعمل كما يجب.. عندها ولابد سيرسلون فرقة للبحث عني، لذلك يجب أن أكون قد ابتعدت بما فيه الكفاية قبل تلك اللحظة..

لاحظت، أثناء سيري، أن بسمة تسير برفقة أمجد وتتبادل الحديث معه ببساطة.. يبدو أنها قد اطمأنت له أكثر من اللازم في هذه الفترة القصيرة.. ولماذا يجب أن أهتم؟ على الأقل، لن أخشى عليها بعد غيابي، رغم أنني لا يجب أن أهتم بهذا مع ما سأواجهه من الآن فصاعداً..

طوال اليوم، شحذت حواسي في محاولة للوصول للوسيلة المثلى للهرب، لكني لم أفلح في ذلك.. ومع ذلك، بدأت استعدادي لخطتي هذا اليوم.. في فترة الغداء، لم أتناول إلا جزءاً يسيراً من طعامي وتركت الباقي جانباً.. وعند المغيب، أثناء خروجنا من بوابة المنجم، سألني أحد الحراس وهو يجذب علبة الطعام من يدي "ما هذا؟"

قلت مقطبة "غدائي.. لم أتمكن من إتمامه كله فادخرته للعشاء.."

فقام بفتح العلبة وتفتيشها جيداً وأنا أقول بعصبية "لا تلوث طعامي بيدك.."

لكنه لم يعبأ بي وهو يحوّل الطعام إلى خليط متجانس لا يُعرف ما يحتويه حقاً، ثم أعاده لي بغير اهتمام وهو ينتقل لتفتيش غيري.. تظاهرت بالغيظ وأنا أتمتم غاضبة وأحمل العلبة بيدي عائدة للمساكن.. فاقتربت مني بسمة مغمغمة "لا تغضبي.. لو كنت جائعة سأعطيك جزءاً من عشائي إن كان سيكفيك.."

قلت لها بابتسامة "لا داعي لذلك.. لا تقلقي لأمري.."

في اليوم التالي كررت الأمر ذاته، وكرر الحارس تصرفه ذاته أيضاً.. وفي كل مرة كنت أتظاهر بالغضب والحدة من تصرفه، وأنصرف محنقة بطعامي المعجون عجناً..

استمر حالي هذا أسبوعاً كاملاً.. أقضيه في العمل في المنجم بصمت، الخروج والتذمر عند البوابة أثناء تفتيشي وتفتيش علبة طعامي، وقضاء بعض الوقت مع الثلاثة الذين أصبحوا دائماً يجتمعون في ذات الزاوية المنعزلة من الساحة يتحدثون في أمور شتى.. فأجلس قربهم وأنا صامتة وعقلي يهدر كالعادة في عالمه الخاص.. عالمٍ خالٍ من الروتين..

وبعد أسبوع، أو ستة أيام بالتحديد، حانت اللحظة التي انتظرتها طويلاً.. مررت قرب البوابة والحارس يقوم بتفتيشي كالعادة مع الجميع، لكنه تجاهل علبة طعامي وهو يشير لي لأغادر.. كدت أقفز فرحاً، لكني عوضاً عن ذلك مددت العلبة تجاهه وأنا أقول بلهجة متذمرة "ألن تفتش طعامي كالعادة؟"

حمراءحيث تعيش القصص. اكتشف الآن