١٣. بعض الحرية

7 2 0
                                    




بعد هروبنا الذي كاد يفشل، وبعد انفصالنا في البداية عن أدهم وبسمة، وانفصالي التالي عن أمجد، ركضت في الغابة السوداء المظلمة وحيدة لا يصاحبني فيها إلا الصمت التام عدا عن أنفاسي اللاهثة المتلاحقة..

دام ركضي مدة طويلة لم أر فيهما أي حارس لحسن حظي، كما لم ألتقِ بأي من رفاقي.. دعوت لهم بالسلامة وأنا أركض دون وجهة ودون هدف محدد، إلا أن أنفذ بجلدي..

بعد فترة قصيرة سمعت صوت خطوات تتردد خلفي وهي تلاحقني، ألقيت نظرة سريعة ولم أدرك هوية الشخص خلفي بسبب الظلام مما زاد ذعري وأنا أزيد سرعتي قدر استطاعتي.. تجاوزت عدة أشجار واندفعت وسط أجمة شجيرات تسد الطريق مما تسبب في تخفيف سرعتي، لكن فات الأوان للعودة والخطوات تقترب مني أكثر.. فدفعت نفسي بقوة بين الأفرع المتشابكة محاولة تخطي الأجمة الكثيفة مهما تخدّش وجهي وجسدي منها، ولم أكد أخطو خطوة خلفها حتى علت شهقة قوية من حلقي وأنا أشعر بقدمي تعانق الفراغ التام.. شعرت بنفسي أنزلق بسرعة ومددت يديّ أحاول التمسك بالأفرع التي تكسرت مع ثقلي قبل أن أجد يدي اليمنى تمسك جذع شجيرة متوسطة الحجم تقف قرب الحافة..

لهثت بقوة وذعر وأنا أرى على النور الضعيف للقمر تلك الهوة العميقة من تحتي وقدميّ معلقتان في الفراغ.. حاولت رفع يدي اليسرى والتمسك بشجيرة ثانية لرفع جسدي للأعلى، لكني لم أفلح وأنا أسمع صوت تكسر في جذع الشجيرة الأولى.. يبدو أنها لن تتحمل ثقلي، فحاولت رفع جسدي بسرعة رغم انزلاق قدمي على الصخور المجاورة لي.. ولم أكد أتقدم في ذلك حتى انكسرت الشجيرة فجأة وأنا أشهق وأتخبط في الفراغ محاولة الإمساك بأي شيء.. وشعرت بجسدي يهوي وأنا أكتم صرخة ذعر من أن تفلت حلقي.. شعرت بالوقت يمر بطيئاً جداً وكأنه فيلم قد تم تأخير سرعته بشكل كبير وأنا ألوح بذراعيّ.. إلى أن وجدت ذراعي اليسري تتشبث بشجيرة نبتت في جانب الهوة شاقة الصخور بعزم مدهش.. توقف جسدي عن الهبوط بقوة آلمت ذراعي وأنا أتمسك بالشجيرة بيديّ الاثنتين.. تنهدت بقوة وأنا أحاول السيطرة على ذعري ودقات قلبي الهائجة.. ثم ألقيت نظرة قلقة على الشجيرة وأنا أخشى تحطمها، وهي كانت بالفعل تكاد تنثني تحت ثقلي الذي فاجأها..

تلفتُ حولي بيأس.. كان الجرف منحدراً انحداراً رأسياً من المستحيل عليّ أن أتسلقه للأعلى، أما نهاية الهوة فقد كانت بعيدة عني وسقوطي فيها لن ينتج عنه إلا كسور بعظامي إن لم يكن موتي.. ظللت في موقعي واليأس يتزايد في صدري وأنا أزفر بضيق وعقلي عاجز عن إيجاد مخرج للوضع الذي أنا به.. حتى بعد موتي لن يكتشف رفاقي موقع جسدي ولن يعلموا بموتي فالهوة مغطاة جيداً بساتر من الأشجار تبعدها عن الأنظار..

شعرت بصخور صغيرة تتناثر قربي وعلى رأسي، فنظرت للأعلى بقلق.. أيكون ذلك الذي جعل الصخور تتساقط هو صاحب الخطوات التي كانت تلاحقني؟ لم أر أي شخص مما حيرني، ثم بعد لحظات قصيرة وجدت حبلاً طولاً يسقط ممتداً بجواري، وسمعت همساً في الأعلى يقول "تشبثي بالحبل يا حمراء"

حمراءحيث تعيش القصص. اكتشف الآن