مضى علينا يومان في مراقبة مستمرة لجهاز الجاذبية.. لقد زودنا وليد بمنظار صغير يمكننا من مراقبة الموقع دون الحاجة للاقتراب منه كثيراً وكشف أنفسنا.. وفي كل مرة، كان اثنان منا يذهبان للمراقبة والبقاء هناك في موقع مخفي جيداً في الجبال لليلة كاملة والعودة في الصباح..كانت بسمة في أغلب الأوقات تذهب معي أو مع أمجد، وفي أوقات أخرى تبقى مع من بقي منا في المخبأ متجنبة أدهم ما استطاعت وهو يتجنبها في الآن ذاته.. وأمجد الذي لاحظ ذلك لم يعلق على الموضوع بكلمة..
أنا، في ناحية أخرى، انشغلت بذكريات بسمة التي عادت دفعة واحدة كما حدث هذا لأمجد من قبل.. هل ستعود لي ذكرياتي في وقت قريب؟.. رغم أني لم آخذ العقار مثل البقية، لكن أمجد قد استعاد ذكرياته قبل هروبنا، فلم يكن ذلك ناتجاً عن العقار.. فهل سيحصل لي المثل وأستعيد ذاكرتي في لحظة ما؟.. هل ستصيبني الصدمة ذاتها التي أصابت بسمة عندما تعود لي ذكرياتي وأكره اللحظة التي استعدتها فيها؟ أم أنني سأكتشف أنني جئت ظلماً لهذا الكويكب ولا ذنب لي في ما رأيته من لقطات سابقة؟.. بي لهفة وتوجس في الآن ذاته من تلك اللحظة التي سيتخلص عقلي فيها من الظلام المحيط به..
لم أحاول محادثة وليد بأمر العقار في وجود أمجد لئلا يفسد عليّ الأمر، وأنا متأكدة أنه سيفعل.. سأحاول محادثته عن هذا بعيداً عن مسامع أمجد وأطلب منه إحضار جرعة جديدة لي..
في الليلة الثالثة كنت مع أدهم نراقب الموقع والصمت التام يلفنا كالعادة إذ لا وجود لأي حياة حولنا يمكن أن يصدر عنها أي صوت.. ورغم الرياح التي تصدر صفيراً عند مرورها بين بعض الوديان والكهوف القريبة، إلا أن الصمت كان شبه تام دفعني لأكسره وأنا أقول لأدهم "هل أنت بخير يا أدهم؟"
نظر لي بتعجب وقال "لم هذا السؤال؟ أترينني جريحاً أو متعباً بشكل ما؟"
قلت وأنا أتأمل ملامحه الهادئة "لا.. لكنني تعجبت من تبدلك السريع منذ يومين.. بين مغادرتك للمخبأ وعودتك إليه بعد عدة ساعات بحال مختلفة.. ما الذي جرى في الساعات التي اختفيت فيها عنا؟"
نظر لي بدهشة وتساؤل، فغمغمت "لقد.. رأيت كل شيء حدث بينك وبين بسمة.."
بدا شيء من الضيق على وجهه، فأسرعت أقول "أنا لم أتعمد التنصت عليكما، لكني كنت عائدة للمخبأ وصوتكما كان يصل إليّ بوضوح.."
سرعان ما رأيت أدهم ينبذ ضيقه جانباً وهو يقول ماطاً شفتيه "لا شيء.. أقنعت نفسي أنني لم أخسر الكثير حقاً.. لا فائدة من البكاء على ما ليس لي.. هذه ليست نهاية العالم لو لاحظت ذلك.."
وابتسم مضيفاً "ثم إن الكآبة لا تناسبني.. مع حجمي هذا تجعلني الكآبة مرعباً أكثر.."

أنت تقرأ
حمراء
Science Fiction((رواية خيال علمي)) ازداد بكاؤها أكثر وقالت بصوت مرتجف "ماذا تعتقدين أنهم سيفعلون بنا في الكويكب العاشر؟ هذا الكويكب هو منجم كبير، والساكنون فيه هم عمال السخرة الذين يقضون حياتهم في استخراج ما في المنجم" قلت مقطبة "هذا لا يعني شيئاً.. نحن لسنا.." صا...