١٧. الحياة

15 3 0
                                    




سرت بخطوات خافتة محاولة التخفي بين الصخور ما استطعت وأنا أدور دورة واسعة حول المخبأ الذي اتخذناه.. كان هذا دوري لمراقبة المكان وقد أظلمت السماء وارتفع القمر فيها عالياً.. ورغم كل ذلك الوقت إلا أنه لم يبد للحراس من أثر في المناطق القريبة منا، عدا عن بضع مرات مرت فيهن المروحية قريبة منا في بحث متذبذب..

غيرت طريقي المعتاد متخذة طريقاً جديداً لأتفحص المكان دون أن يكون في نيتي الابتعاد كثيراً عن المخبأ.. كان الصمت التام والهدوء يدفعانني أكثر للغرق في أفكار أتمنى إبعادها.. لم أرد نكأ جراحي من جديد.. قد تبدو مشاعري سطحية، لكن هذا ما تبقى منها بعد أن دفنت معظمها في تلافيف عقلي وردمتها تحت أطنان من البرود واللامبالاة..

تنهدت وأنا أتطلع حولي بحثاً عن لمحة حياة.. ثم غرقت من جديد في التفكير وأنا أسير بغير هدى.. هل سيكتب لنا ترك هذا الكويكب البائس والعودة لحياة طبيعية لا خوف فيها ولا بؤس؟ أم أننا سنقضي نحبنا وندفن فيه مسجونين تحت ترابه كما كنا مسجونين فوقه؟.. يضيق صدري كلما فكرت بهذه الأفكار.. وكلما تذكرت الموت.. فالموت يذكرني بمن أود لو أنساه.. لكن أنّى لي هذا؟..

عدت أتنهد بحدة وركلت صخرة صغيرة بحنق مغمغمة "لماذا لا أفقد ذاكرتي الآن لأرتاح؟"

طارت الصخرة بعيداً عني وسقطت خلف مجموعة شجيرات تسدّ طريقي.. وعندما سقطت صدر عنها صوت بهتّ له وأنا أسمع صداه الذي تردد للحظات.. هل أنا أهذي؟ اندفعت فجأة بين الشجيرات غير عابئة بفروعها التي كانت تتشبث بملابسي بقوة، وبعد أن اجتزتها وجدت نفسي فجأة أخوض في حفرة صغيرة امتلأت بالمياه.. توقفت أتلفت حولي بدهشة وأنا أرى انعكاس ضوء القمر على المياه التي كانت رغم الظلام المحيط بنا إلا أنها تبدو مشعة بنور خفيف.. أهو ضوء القمر منعكس عليها أم أنني أتوهم هذا النور وعيناي تنظران بلهفة لهذا الكنز الثمين..

لم يسبق لي أن سمعت بوجود مياه في الكويكب ولست أدري إن كانت حقاً مياه أم سائل مميت.. لكن رغم أن المياه غمرت جزءاً من ساقيّ إلا أنني لم أشعر إلا ببرودة المياه تتغلغل ملابسي.. مددت يدي بشيء من الحذر ولمست المياه ثم نظرت ليدي.. كانت فعلاً مياه، شفافة شبه نقية لا يشوبها إلا أوراق الشجر وبعض الطين والحجارة.. ورائحتها تختلف قليلاً إذ تبدو كرائحة الحديد الصديء..

غالبت ترددي وشربت القليل جداً منها.. لو كانت سامة أو مضرّة فلن يعلم أحد بما حدث لي في هذا الموقع المنقطع، لكني لم أجعل ذلك يوقفني.. كان طعم المياه، كرائحتها، مثل الحديد الصديء، لكن بشكل خفيف جداً.. لو غالبت تقززي من الطعم والرائحة، فيمكن القول إن طعمه منعش تماماً..

لم أستطع مغالبة لهفتي فركضت عائدة للمخبأ.. وهناك وجدت بسمة تراقب المدخل وقد وقفت بقلق لدى رؤيتي.. سألتها باستعجال "أين أدهم؟"

حمراءحيث تعيش القصص. اكتشف الآن