الجزء 10

52 5 0
                                    



تكملهـــــــــــــــــــــــــے..

الفصل الثاني :-

تبعَت فيرا السيدة روجرز إلى الطابق العلوي ، وفتحت المرأة باباً في نهاية الممرّ فدخلت فيرا غرفة نوم جميلة ذات نافذة كبيرة تطلّ على البحر ونافذة أخرى جهة الشرق ، ورددت كلمات إعجاب قصيرة فقالت لها السيدة روجرز : آمل أن تكوني قد وجدت كل ما تریدین یا آنستي

نظرت فيرا حولها ، وكانت حقائبها قد أُحضرت إلى الغرفة . وفي أحد جوانب الغرفة كان باب يُفضي إلى حمّام ذي بلاط أزرق فاتح فقالت بسرعة : أجل ، أعتقد أن كل شيء على ما يرام .

- أرجو أن تدقّي الجرس إذا احتجتِ إلى أيّ شيء يا آنستي.

- كان صوت السيدة روجرز خافتًا رتيبًا، فنظرت إليها فيرا بفضول . كانت تراها كامرأة أشبه بالشبح الأبيض الجامد ، وكان مظهرها يبعث على الاحترام بثوبها الأسود وشعرها المصفّف إلى الخلف وعينيها الباهتين الغريبتين اللتين تتحركان طول الوقت ، فقالت فيرا لنفسها : تبدو كأنها مذعورة من خيالها ! نعم ، هي كذلك ، مذعورة !

كانت تبدو كأنها امرأة دخلت حالة من الخوف المميت ، فشعرت فيرا برجفة في جسمها . ما الذي تخاف منه هذه المرأة يا ترى ؟ وقالت لها بمودّة : أنا سكرتيرة السيدة أوين ، وأعتقد أنك تعرفين ذلك .

ردّت السيدة روجرز : لا يا آنسة ، أنا لا أعرف شيئًا. فقط لديّ قائمة بأسماء الرجال والسيدات والغرف المخصَّصة لهم .

قالت فيرا : ألم تذكر السيدة أوين شيئًا عنّي ؟

برقت عينا السيدة روجرز وقالت : أنا لم أرَ السيدة أوين بعد ، لقد وصلنا هنا منذ يومين فقط .

فقالت فيرا لنفسها : الزوجان أوين شخصان غير عاديَّين !

ثم قالت بصوت عالٍ : مَن العاملون هنا ؟

- أنا وزوجي فقط با آنستي

فقطّبَت فيرا حاجبيها وهي تفكّر . ثمانية أشخاص في المنزل ، عشرة مع المضيف والمضيفة ، ولا يوجد سوى رجل وزوجته  لخدمتهم !

قالت السيدة روجرز : أنا طاهية ماهرة وزوجي ملمّ بصيانة المنزل . لم أكن أعرف أنه ستكون في المنزل مجموعة كبيرة كهذه بالطبع .

قالت فيرا : ولكنك ستتدبرين الأمر ، أليس كذلك ؟

- طبعاً، طبعًا يا آنسة ؛ أستطيع تدبّر الأمر ، وحتى إذا كان سيتم إقامة حفلات كبيرة فقد تستطيع السيدة أوين جلب أشخاص إضافيّين.

قالت فيرا : أعتقد ذلك .

واستدارت السيدة روجرز للخروج فتحركت قدماها بخفّة ودون صوت وخرجت من الغرفة كما لو كانت شبحًا.

ذهبت فيرا إلى الشباك فجلست على المقعد المجاور له ، وكانت تشعر باضطراب خفيف ؛ كل شيء كان يبدو غريبًا بعض الشيء على نحو ما : عدم جود السيد والسيدة أوين ، السيدة روجرز الشاحبة كالشبح ، والضيوف ... الضيوف أيضًا كانوا غريبين ، مجموعة ملفَّقة بطريقة عجيبة ! قالت لنفسها : أتمنى لو كنت أعرف السيد والسيدة أوين ، أتمنى لو أعرف كيف يبدوان .

ثم نهضت فتمشّت في الغرفة بقلق . كانت غرفة نوم ممتازة مجهَّزة كلّياً بطراز عصري ، سجاجيد فاتحة اللون على الأرضية الخشبية اللامعة ، وجدران خفيفة التلوين ، ومرآة طويلة محاطة بالأضواء ، وسطح مدفأة خالٍ من أيّ زخرفة باستثناء قطعة ضخمة من الرخام الأبيض على شكل دبّ من النحت العصري وفي داخلها ساعة وفوقها إطار من الكروم اللامع ، ورأت هناك مخطوطة مربَّعة الشكل تمثّل قصيدة ، فوقفت فيرا أمام المدفأة وقرأت القصيدة. وكانت هي ذاتها الأنشودة التي تذكرها من أيام طفولتها :

عشرة جنود صغار خرجوا للعشاء
أحدهم شَرِقَ فمات فبقي تسعة
تسعة جنود صغار سهروا حتى ساعة متأخرة
أحدهم أخذه التوم فبقي ثمانية
ثمانية جنود صغار سافروا إلى ديفون
أحدهم قال إنه سيبقى هناك فبقي سبعة
سبعة جنود صغار كانوا يقطعون خشبًا
أحدهم قطع نفسه نصفين فبقي ستة
ستة جنود صغار كانوا يلعبون بخلية نحل
أحدهم لسعته نحلة طنّانة فمات فبقي خمسة
خمسة جنود صغار ذهبوا إلى القضاء
أحدهم بقي في المحكمة فبقي أربعة
أربعة جنود صغار ذهبوا إلى البحر
سمكة رنجة حمراء ابتلعت أحدهم فبقي ثلاثة
ثلاثة جنود صغار ذهبوا إلى حديقة الحيوان
دب کبیر احتضن أحدهم فبقي اثنان
جنديان صغيران جلسا في الشمس
أحدهما أصيب بضربة شمس فبقي واحد
جندي صغير بقي وحيدة تمامًا
فذهب وشنق نفسه
ثم لم يبقَ أحد

ابتسمت فيرا وقالت لنفسها:طبعًا، فهذه هي《جزيرة الجنود》

ثم ذهبت وجلست ثانية إلى جوار النافذة . كم هو كبير هذا البحر ! من هنا لم يكُن بالإمكان رؤية أيّ أرض أينما كانت ، بل مساحات شاسعة من الماء الأزرق الذي يتموج في شمس المغيب. قالت لنفسها : كم هو هادئ هذا البحر اليوم ! أحيانًا يكون في غاية القسوة .

انطلقت إلى ذاكرتها عدّة كلمات فجأة : البحر الذي سحبك إلى أعماقه ... غریق ... وُجد غريقًا ... غرق في البحر ... غرق ، غرق ، غرق ... !

ثم أفاقت فجأة وقالت لنفسها : لا ، لا أريد التذكر ، لا أريد التفكير في ذلك ! كل هذا قد انتهى .


يتبعــــــــــــــــــــــــــــے.
٠٠٠

ثم لم يبق أحد "اجاثا كريستي"حيث تعيش القصص. اكتشف الآن