كان يوم هاديء سمائه صافية و شمسه هادئة و تنشر دفئها في كل بقعة و بالأخص حيث تقف الأم و ابنتها، وضعت كلاً من إيريكا و ماريا باقتان من الزهور على قبر إيلايچا و على وجههما ابتسامة هادئة بينما مقلتيهما تلمعان بالعبرات ف هذه أول مرة لماريا أن تأتي لقبره دون أن تضطر للكذب عن مكان ذهابها أو الهرب من حارسها الشخصي الذي كان يرسله معها زوجها في كل مكان و الأهم من ذلك أنها كانت أول مرة لها تذهب لزيارة قبره برفقة وحيدتهم، وحيدتهم التي كانت ناتج حبهم التي جزء منها يحمل قطعة منه و الجزء الآخر يحمل قطعة منها و أبرز دليل مادي هما مختلفتي اللون خاصتها التي لم تجعل أحداً منهم ينسي الآخر طوال حياته.
-أسفة لتأخيري عليك تلك المرة لكن أعتقد أنك ستسامحني خاصةً و أن أمي هنا أيضاً.
قالتها إيريكا معتذرة حقاً و كأنه موجود بالفعل و يلومها على غيابها و في الحقيقة ف هي كانت تتمنى وجوده لترتمي في أحضانه و تخبره بكل ما مرت به، تخبره عن ذلك الرجل الذي تسبب بكسر قلبها و مازالت لا تستطيع التوقف عن حبه بعد لكنها أخبرت أمها، أخبرتها بكل شيء في ذلك اليوم الذي عادت به من إيطاليا .. أخبرتها عن كم أن قلبها منكسر و أنها ليست على ما يرام و أنها مازالت تحبه بشدة و تشتاق له لكنه كسر شيئاً بداخلها لا تظن أنه يمكن إصلاحه و فكرة أنه لا يثق بها هذا الذي كسرها بشدة و كأنها لم تكن تعني له شيء، بكت ماريا عندما رأت عبرات ابنتها و استشعرت آلمها من الرجل الوحيد الذي أحبته و ضمتها لصدرها بشدة و كأنها تريد إدخالها بين ضلوعها لتبقيها بأمان و بعيداً عن ذلك العالم المخيف، و لأول مرة منذ زمن شعرت أنها تلك الفتاة الصغيرة المراهقة التي كانت تعود من المدرسة ركضاً على ماريا التي كانت لا تعلم أنها أمها الحقيقية بعد و تخبرها بكل شيء تشعر به و بالرغم من أن آرثر حاول كثيراً كسر ذلك الرابط بينهما و بكل الطرق الممكنة إلا أنه لم ينجح كلياً في ذلك حتى جدها الذي حاول قطع رابط الأم و ابنتها منذ اليوم الأول لم ينجح أيضاً ف كانت و ستظل علاقة ماريا و إيريكا علاقة تتحدى كل الظروف حتى و إن حاول العالم بأكمله، حتى عندما كانت إيريكا لا تعرف من هي أمها الحقيقية و حتى عندما حاولت أن تكرهها بسبب كلام أبيها الذي كان مجروح بشدة و عندما علمت الحقيقة كاملة أمامها لم تستطع كرهها أو الابتعاد عنها على الأقل .. و ها هي الآن لأول مرة مجتمعة مع والديها بالرغم من أن والدها لم يكن موجود حقاً لكنها شعرت به حولها و كأنه يقف على الجانب الآخر منها و هي في المنتصف بينه و بين ماريا.
-هو يعرف ما تمرين به إيريكا لا تقلقي.
قالتها ماريا و هي تربت على ظهر ابنتها التي تنهدت بحزن و قالت بصوت منخفض أقرب للهمس:
-أتمنى أن لا يكون.
لفت ماريا ذراعها حول ظهر ابنتها و قربتها منها و هي تمسح على كتفها ف استندت إيريكا برأسها على كتف أمها و أغمضت مقلتيها لبضع ثواني و في تلك الثواني شعرت بأن هناك يد أخرى تحاوط ظهرها غير يد ماريا مما جعلها تفتح عينيها سريعاً و تنظر بجانبها لكنها لم تجد أحداً آخر غيرهم، ربما تلك يده؟ ربما يحاول إخبارها أنه هنا و يشعر بها؟! هذا ما سألته لنفسها رغم أنها تعرف أن شيئاً كهذا مستحيل الحدوث لكن شيئاً ما بداخلها كان متأكد أن هذا كان والدها و أنه بالفعل قريب منها و يعرف كل شيء عنها حتى و إن كانوا في عوالم مختلفة حتى و إن كانت لا تستطيع رؤيته ف هو هنا بجانبها و سيظل هنا.
______________________________
أنت تقرأ
Broken Symmetry
عاطفيةتعيش حياة لم تكن تتمناها يوماً فقط لتأخذ ثأرها من الذين سلبوا منها عائلتها و سعادتها الوحيدة سلبوا منها والدها ... ظلت تسعي سنوات و قد اقتربت اخيراً من تحقيق مرادها لكن لم تفكر قد كيف ستكون حياتها بعد تحقيق ما سعيت لأجله اغلب سنوات عمرها.
