عبث الشكوك

16K 672 183
                                    

أفقدت إحساسي بالتوازن و قبل أن أسقط على الأرض تلقفتني يد حانية .. إستدرت أنظرت إليه .. و قد كان قدر .. عينيه الخضراوين يفيض حنانا كالعادة .. شعرت بإرتياح بسوط صدري .. شكرته بإقتضاب .. و كان الخجل يحترق في خده فرد  بنبرة هادئة " لا عليك " .. ساعدني على الوقوف متمسكا بذراعي .. و كان أطول مني بكثير إلا أنه كان ضامرا و نحيلا .. الصداع في رأسي غبش على عيناي المرهقتان  يحجب كل الشيء .. لا أستطيع المشي بثبات .. فتركت نفسي أسقط مثل صخرة  بين يدي قدر ..
شد قبضته على ذراعي الضامرتين
- تماسكي قليلا يا لوسي
- لن تستطيع حملي يا قدر الى أعلا غرفتي .. من المستحيل أن أتلقف هذا السلالم بهذا الضعف !
نبض الحيرة في داخلنا .. ثم تفتح فكرة في عيني قدر ...
- إن جناحي بضع خطوات قليلة من هنا ..
توترت مثل ورقة خريفية ..
- لا يا قدر .. ليس من الائق أن أدهب الى غرفة شاب عازب ..
- سوف تسترخين هناك  ريتما أدعوا سام أو  ..
سقطت بين يديه مرة اخرى قبل أن ينهي عباراته .. 
أفردت ذراعي .. أخدها فوق كتفه يقودني نحو جناحه .. ثم في غرفة نومه في سريره القارع .. و كان التعب قد نال مني حتى أنني غفوت في النوم قبل أن يغضيني باللحاق الثقيل .. و هو يدندن بصوته اللطيف الهادئ " لوسي .. لوسي .. لا تغفو أرجوك .. لوسي .. إستيقظي "   هكذا كنت قد غفوت كالطفلة منكمشة مع نفسي .. لا أعرف  حتى اين أكون !؟

الحاشية
كان سام ضائعا و مشتتا و هو يبحث أليان بين الجمع المحتشد .. على ضوء ممر البحر في جانب الآخر من القصر لمح أليان بقامتها النحيلة الطويلة .. أثار هذا شعورا بالإرتياح .. تلون وجهه بالفرح .. رفض أن يقف مذهولا فارغا فاها و إنما راح يركض تجاهها ..  .. يركض ويركضُ يدنو منها تستمر هي بالمشي ..  تتفصد العرق في جبين سام و هو لا يزال يلحقها .. دنى منها سائرا معها جنبا الى جنب و هو يلتقط أنفاسه  و يخاطبها بلهفة و إشتياق  يطويان مسافات نحو الشاطئ ..تدلى يدها نحوه  و خَيل لسام أن يدها   تدعوه  علنا  فأمسكها  . .. و راحا يمشيان على حافة الشاطئ و الماء يداعب أرجلهما  العارية و القمر قرص فضي ينير لهما الدنيا ..

هي لم تمنع  أن يداعب يدها بأظافره المرتعشة .. . شعر سام  بارتياح يسوحُ في صدره،
قال بدفءٍ ووجه أليان  بين كفيه يفيض قمحاً وعسلاً.
-أحبكِ.
دفنت  أليان  وجهها في صدره، واكتست خجلاً وارتعاشاً ونشوةً بينما البحر  يصغي بهدوء إلى وشوشاتهما في حين ودّ لو يغمرهما، ويروي ظمأ مساماتهما. ..
ثم  تزرع أناملها في شعره الجعد ، تداعبه ويسترخي هو  في حضنها يستسلم لعبثها اللطيف وهي تخاطبه
- تمنيت أن يطول بقائنا في الحفلة .. و لكن تصرفك مع لوسي.. كدت تقنعني بأنك تعشقها  و أنت تمثل على الجميع ..
- هذا صحيح .. لم إستطع أن أحرج زوجتي !
أغاظها أليان تلك الكلمة
- زوجتك !  أنت وعدتني بأنك ستطلقها ...
خاطبها بحدة .. وهو يعدل وقفته مبتعدا عنها
- ماذا تقولين يا أليان ! لقد تكلمنا بشأن هذا الأمر .. و لا داعي للجدال مرة أخرى ..
- حسنا أنا أسف يا عزيزي ! و لكن لن يهدد لي بالي قبل أن أصبح زوجتك ..
تملل سام قليلا و قال
- لا تقلقي .. قريبا إن شاء الله !
أغاظها جوابه المقتضب ..  سرعان ما تلاشى ثورتها الى رضى مزيف
- أنا اثق بك يا حبيبي !  و لكن جدك سيقف حتما أمام زواجنا
- لا أظن ! فقد وعدني بأنه سيسمح لي بزواجك إذا تزوجت لوسي .. لن يخالف وعده .. أنا متأكد من ذلك !
- و لكن ماذا عن لوسي .. لن تجلس مكتوفة اليدين و أنت تخطط لزواجي .. سوف تحرض الجد ياسر نحوك !
تسللت ضحكة ساخرة من فمه
- لوسي .. لن أتوقع منها مثل هذا التصرف أنها مجرد طفلة ! 
- أنت تستهين بها يا سام و لكن الليلة لم تبدوا لي مثل طفلة بريئة كما تظن .. إنها ماكرة ! إنها حتما تسعى وراء ثروتك ..
أحاط ذراعه الطويلة على كتفها يشعرها. بالأمان
- أنتى لا تقلقي عن لوسي .. إنها تحب العبث و اللعب  ..
إنحنت نظراته نحو الساعة في معصمه .. تأوه بنفاد صبر
- يبدوا الوقت متأخرا .. هيا سأوصلك الى منزلك !
أما هي فقد إبتسمت في داخلها نشوة ضامرة و قد جفل في ملامح وجهها نظرات سام  جعلت الدماء تسري حارة في شرايينها .. و هي تخطط فعلا في آخر الليل
............
الحاشية لوسي
إستيقظت بملامح متعبة   في منتصف الليل .. تملؤني الدهشة .. يمتقع وجهي بغرابة .. أخدت ثوان استوعب ما حدث.. أه أنا في غرفة قدر إذن ! أزحت الغطاء الثقيل من جسدي .. إختلست من الفراش .. لحظتها تباغتني غثيان حاد أطلقتها كقصف عشوائي .. يكتسح مساحات شاسعة من السرير و حتى الفستان التي أرتديها .. دلفت نحو الجرس أدعوا للخادمة بحضور عاجل .. يا إلهي ! كنت في حالة لا يحسد من الخجل .. يتربص في داخلي كقنبلة موقوتة ..
حضرت الخادمة .. إمرأة في ثلاثينيات ممتلئة الجسم  تبدوا وديعة .. طلبت منها أن تغير ملاءة السرير و تأتي لي فستان من خزانتي في الأعلى  فيما أنا جريت  نحو الحمام أتحسر على حملي الدي جعلني في هذا الوضع .. نزعت فستاني  بالكامل.. وقفت تحت الدوش أغسل المخاط من جسدي .. و دنس الغثيان ..
كان الفضاء يضيق أمامي .. أستجمع كافة قواي .. أخدت روب معلق  على جدار الحمام .. و قمت بلفها علي جسدي .. سمعت صوتا .. لأبد و أنها الخادمة قد أتت بما طلبت منها .. نشفت المياه من شعري المسترسل .. و خرجت ..
تراقصت نظراتي على قدر .. كان أمامي عاري الصدر .. و كنت أمامه يتقاطر الماء من شعري المسترسل ..
إنتفض كم لذغته عقرب .. 
- لوسي ماذا تفعلين هنا ! ظننت بأنك قد رحلت !
دفنت وجهي على يداي  المرتجفتان .. و حل بي صمت يائس .. فتلقيت صمتي بصمته و في كلا الصمتين صيحة الدهشة و الشكوك تحتضن وجه سام الدي هبط عليه من سماء اللحظة .. يدور كزوبعة و يبتلع وجوهنا المصدومة... تجلى  امام عينينا بلا  صفارات إندار.. وجد  أمامه  تلامع  ذرات الماء التي تتساقط من شعري الأسود المتحرر  الى  جسدي المتأرجحة حتى أقمص قدماي وأنا لابسة روب حمام حريري  لا تخصني  .. خلفي  شاب بكامل نضوجه .. عاري الصدر .. آه ما أشد وقعته .. و وقعتي ..
شعرت لحظتها بأنني كنت انا ولست انا ...  فارغة كإسفنجة، ....لم اعد اشعر نفسي !
لم اكن مدركا لمشاعري وقتها .. هل كنت مصدومة أم خائفة !  .. كنت  سابحة لا أحس بالأرض تحت قدماي العاريتين المبللتين مرتجفة.. رأسي محلق في الفضاء..  . تتكاثر الأحداث في راسي وتختلط .. ويمتليء ذهني بالصور والتخيلات . تتراكم أمنياتي .  .. حنين فجائي يكاد يسحب الدمع من عيني سحبا... 

وقف أمامي  كصقر جاء من قبة الأرض البعيدة .. راقبت كل تفاصيل جسده الدي يرتجف من الغضب .. إرتعاش عضلة فكه من شاربه الأشعث .. توسع عينيه الزرقاوين حتى بدت حدقتيه   ، و الصدمة التي تطير من وجهه كعصافير مدربة على الطيران   .. ضم قبضتيه .. إصطكاك أسنانه .. حاجبين كثين كجناحي نسر.. هم  الموقف ،  ..

هو لا  يدري ما يجري حوله .. ربما لن يستوعب حقيقة وجودي  في هذا الوقت من الليل في غرفة قدر   ؟! كيف أخبره بأن هذا ما وضعتنا القدر ! هل يصدق صدفة غريبة كهذا ! لا لن يصدقني ..  ...

أصابته  منظري كصفعة فجائية تركته  مذهولا عاجزا عن الفهم والادراك..

فقد سام صوابه.. تلعب الغيرة في داخله نوعا من العبث الجنوني و الشكوك  .. و صاح في وجهي مثل المجنون ..
- ماذا فعلت يا لوسي ؟! ماذا فعلت بي أيتها الخائنة ؟!
تبعثرت كلماتي .. واجهته بعينين مصدومتين ..
- أنا .. أنا ..
- كيف إستطعت ان تفعلي بي هذا !
- سام أنا لم .. كنت ..
قاطعني بجملة ساقطة ذون أن أكمل كلامي
- أنت يا لوسي .. طالق .. طالق ..

و  مثل صخرة تركت نفسي أسقط  من ذون صوت ! يتلقفني قدر .. بينما كانت دموعي غبش يحجب كل شيء .. يطاردني كلمات الطلاق كطلقات المسدس ..

أهذا زوجي ؟! (رومانسي/ عاطفي )حيث تعيش القصص. اكتشف الآن