قطة متوحشة

19.5K 744 326
                                    

العشاء هو بيت القصيد،  وجبة العشاء تحظى بالأهمية القُصوى لدى الفرنسيين، حيث يجتمع العائلة والأصدقاء على مائدة العشاء لتناول الطعام وقضاء الوقت معًا، وأحيانًا يقضون أكثر من ساعتين على المائدة، فالعشاء هو بمثابة وجبة إجتماعية في فرنسا. تتكون وجبة العشاء الفرنسية التقليدية من عدة مراحل، بدءًا من المُقبلات والسلطات، وصولًا إلى الوجبة الرئيسية والحلوى والفواكه والمشروبات.

و كانت أليان في بينهم كالنحلة المثابرة و هي تطلب الوجبات من النادل .. تسري في أوردتي  إنقباض ممزوج بالغيرة .. يا إلهي من يقبل تمديد جرحي النازف الآن و أنا أتطلع عليها هكذا بكل ضعف و هوان و لا أستطيع أن أفعل شيئا بشأنها ... كنت جالسة كاليتيمة  معطوبة الأحلام .. تجول عيناي هنا و هناك بيأس .. لم  استطع الإندماج معهم في الحديث ،.. لقد كان الملل تساورني ... بعد أن وعدت سام بأنني سألتزم الصمت و أراقب من بعيد .. ! تبا لماذا أخدت وعدا كهذا ؟! حسنا .. لو لم أفعل ..  هل كان سيسمح لي أن آتي معه !  
وضعت مرفقيي فوق الطاولة بملل .. توجهت نظرات الجميع نحوي ..
همس سام في شحمة أدني ..
- لوسي .. إسحبي ذراعيك  فوق الطاولة ..
- لماذا ؟!
- ليس تصرفا لائقا
- لا يهمني .. لست مجبرة على  تقلد بعاداتكم ...
أمسك ذراعي .. بقسوة لا تظهر على وتيرة وجهه و صوته و هو يطلب  وجبتي كشخص ليس لديها  خيار ..
أغاظني تصرفه .. لعين تافه .. و لكني لم أرد أن ألفت إنتباه الجميع نحوي .. لقد كانوا مندمجين بأحاديثها ..
بعد برهة .. جاء النادل بوجبتي ... و ضعها بقربي .. لم أستطع الصمود أمام رائحة الطعام اللذيذة  و ضعت شوكتي عليها .. " أممم لازانيا لذيذة " 
صدرت  ضحكة عابثة  أمامي .. نظرت إليها بطرف عيني رأيت ثغرتها اللعينة يبتسم بمكر
ثم خاطبتني  أليان بلباقة و هي تحاول أن تكون تحرجني 
- عزيزتي لوسي .. نحن لا نبدأ  بالأكل قبل أن يقول المُضيف "هنيئًا لكُم" أو بالفرنسية "bon appetite".. لكن لا بأس فأنت لست متعودة على النمط الفرنسي يا فتاة القرية !

أحسست بإهتزاز صورتي أمامها .. و ضعت الشوكة  ببطء .. مست فمي بالمنديل .. هممت آن أرد لها ردا  فاحما لو لا أن سام تدخل  في المعركة الوشيكة
- هذا صحيح .. حبيبتي الصغيرة  ليست متعودة على النمط الفرنسي .. لكنها بالتأكيد ليست قروية .. لقد عاشت طفولتها في أمريكا ..  !
أحسست بإنطفاء شعلة جنوني و تابعت على نهم الطعام و كأن لاشيء يعنيني .. تبا لتفاهاتهم .. أنا لا اعترف  غير الأكل باليمين و تسمية الله  .. تقليد لِي !
نظرت إليها و قد فتت الدهشة في نياط قلبها .. في وجهها مسحة من الكآبة ... يبدوا أنها لم تتوقع أن تكون علاقتنا جيدة الى هذا الحد .. على الأقل في أوهامها .. و أنا أيضا لم أتوقع أن يكون هذا الرجل شهما يدافعني آمام الغرباء ...
إقترب مني .. يهمس في أذني بتسلية
- ألم تكن تتوقع من هذا الفرنسي   اللامعقول، أن يحافظ صورة زوجته  أمام  الغرباء .. و يكون بهذه الغيرة و الشهامة .. يبدوا أن الدماء الرجال الشرقيين تسري في دمي كأسراب من النحل ..
إرتسم الكبرياء في وجهه بصورة مقيتة .. يا إلهي ! كم أعجب نفسه و كأنه الرجل الأفضل في العالم .. جعلني أختنق بتعاليه و غطرسته مثل كومة من الهباء في أغوار عميقه
إستطردت بوقاحة
- هذا صحيح .. لم أتوقع أن تكون معي هكذا كما أن عشيقتك أيضا لم تتوقع ! احس أن لسانها تحول خشبة في بلعومها .. إنها لا تستطيع حتى إبتلاع وجبتها ..
إبتسمت بسخرية بينما أتأمل وجهه التي تحول الى برتقال يابس .. نعم لقد كان هذا ما توقعت ! هيا إذهب و رضيها أيها الجبان !
رد بثقة  تخلو من ملامح وجهه
- أنا لم أفعل شيئا لكي أخجل منها .. لم أؤديها بكلامي ..
- يا  سلام .. بكلامك الشهم ذاك ستكيل لك فيضًا من المديح ! تأكد من ذلك ...
لمحها تنسحب من المائدة خارجا .. و هي تعتذر للجميع ... بأن أمرا طارئا حل عليها .. و لكني ما فهمت منها أنها تُمارس أقصى درجات السيطرة أن لا تنفجر باكية أمامنا ..
و خرجت تلملم أطراف فستانها و هي تهرول  نحو الخارج ..
إنتفض سام من جلسته .. و هو يلحقها  بخطوات سريعة ..
أما أنا فلقد رفعت كأس العصير أديرها  بخبث عدواني .. مضت لحظات لم يرجع سام .. حدث في داخلي إضطراب جيولوجي .. لم أقوى الإنتظار .. لقد كان يحدقني فكرة أنه تركني حقا هنا وحيدة و ربما ذهب معها الى منزلها .. هل يجرؤ  حقا أن يفعل هذا بي ! دلفت من كرسي .. أعتذر للجميع بأنني سأعود من دورة الحمام .. لقد كان صفا منتظما من عشر أفراد .. يضحكون و يتحدثون باللغة الفرنسية .. لذا لم ينتبهوا على إختلاسي سوى الفتاة التي كانت تجلس بقربي ..

خرجت نحو ردهة الطويلة  التي تؤدي نحو الخارج .. تجول عيناي في الزوايا .. أبحث عنهم .. تناهى في مسامعي أصوات هامسة و إعتدارت .. تسللت نحو منعطف مظلم
لمحت شبحها من بعيد .. و ببطء متعمد إقتربت منهم ..
- آنت آهنتي يا سام .. أهنتني !
- صدقني .. لم أفعل ذلك بقصد ..
- لماذا يجب أن تبرر أفعالها القروية من تلك الرخيصة
- إهدئي أرجوك ..
- لا لن أهدء .. ليس قبل أن تلقن درسا لتلك البدوية الوضيعة ..
- أعدك .. لن أسمح لها أن تهينك .. و ترسل لك تلك الرسائل ..
- ألا تفهم يا سام .. تلك الفقيرة إنها فقط تتحملك لأجل ثروتك .. لا تريد أن ترجع الى عشها الوضيع .. لذلك لن تتركنا أبدا .. ستحاول ان تفسد فيما بيننا ..

لم أستطع الصمود أمام شتائمها .. تمنيت أن أمسك شعرها و أضربها من فمها اللعين .. كانت قنابل موقوتة تترامى في دمي .. شرعت يدي في الهواء و أنقبض وجهي و أنا أدنوا منهم بخطوات غاضبة ..
الصياح يتناوش من كل الجهات
- أيتها الحقيرة .. اللعينة .. لا تختبئ وراء سام .. سأجعلك تلعن حياتك .. هيا واجهني .. شرقاء جبانة ..
إنتصب سام أمامي بقامته العارمة
- هل أنتي مجنونة ؟! ماذا تظن أنك تفعلين ؟!
لا يدري كيف إختلست من بين يديه .. لأهجم عليها ..  بجسدي القصير و قامَتَها الطويلة .. و كانت مثل النعجة تماما .. تلوى عنقها عندما جديتها من شعرها المغطى بالوشاح
ثم جثت بركبتيها أمامي .. كما تلوى بجعة عنقها على الأرض .. و تتوسل
- سام .. سام ... خدوا هذه المجنونة من فوقي ..
كان صامدا مثل الصنم .. لا يصدق ما يدور حوله .. و كأنها روايات تتلى أمامه ! الدعر الأخرس في عينيه ..!
أما أنا فكنت بلا شعور .. إمتدت يداي من شعرها نحو عنقها الملتوي .. أحس و كأنني أقتل فأرا خبيثا .. مت .. مت .. أيتها الوضيعة .. ! أحس و كآنني أدعس على نملة !

للحظة شعرت  سام يسحبني من فوقها بدون جهد يدكر .. و قد أفاق عن غيبة الذهول ...
كانت تجهش بالبكاء .. و هي تلملم  حاجاتها  .. و تحكم الوشاح في شعرها المبعثر ا ..
خاطبها سام .. و بدا عليه و كأنه يمارس أقصى درجات السيطرة بأن لا يطلق ضحكة لعينة في وجهها
- حبيبتي .. هل أنت بخير ؟!
ردت بين شهقات الدموع و النحيث
- إنها مجنونة يا سام .. متوحشة .. أرجوك أبعدني عن هذه المختلة .. تلك البربرية ستقتلني
أطبقت عينيها المذعورتين و إنزويت خلف سام و هي ترتجف خوفا و هلعا ..

أمام أنا غرقت بالعرق البارد من رأسي حتى قدمي .. ففقدت توازني و لم أشعر بالأرض تحت قدمي ..

........................
في آخر الليل

وكنت  على وشك النوم عندما سمعت صوت فتح الباب بهدوء، واستلقيت دون حراك، و أنا  استمع الى صوت خلع ثيابه، وعندما اندس إلى جانبي ، تعمدت أن أسمعه  صوت تنفسي  العميق و كانني  نائمة.
ولكنه مد يده في الظلام إلي 
وتوقف تنفسي  عندما أحسست. وجوده   ، وأجبرت نفسي  على التظاهر بالنوم، فربما سيتركني  وشأنه .
وتلاشت آمالي لحظة  إندساسه اكثر في الفراش  ، حاولت أن أضربه بقبضتيي ولكني فشلت ، فغرزت اسناني في كتفه فصرخ:
- ايتها القطة المتوحشة!
وانتزع كتفه من بين أسناني ، فقلت  و أنا  تتنفس بقوة:
- وماذا كنت تنتظر؟ أن أستسلم لرغباتك.
أنتي بربرية ! لقد عضضتني!

..... 
يتبع

.

أهذا زوجي ؟! (رومانسي/ عاطفي )حيث تعيش القصص. اكتشف الآن